نفت زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا، مارين لوبان وحزبها التجمع الوطني وعشرات آخرين، الاثنين، أمام المحكمة، انتهاك أي قواعد سياسية وتنظيمية في البرلمان الأوروبي، في قضية تهدد بعرقلة طموحاتها السياسية، وفق ما أوردته وكالة "أسوشيتد برس".
وقالت لوبان، عند وصولها إلى المحكمة في باريس: "لم ننتهك أي قواعد سياسية وتنظيمية للبرلمان الأوروبي"، متعهدة بتقديم حجج خطيرة ومتينة للغاية في المحاكمة.
وأضافت في دفاعها: "المساعدون البرلمانيون لا يعملون لصالح البرلمان. إنهم مساعدون سياسيون للمسؤولين المنتخبين، سياسيون بحكم التعريف".
وتابعت: "تسألني عما إذا كان بإمكاني تحديد المهام التي أسندتها إلى مساعدي؛ الأمر يعتمد على مهارات كل شخص. كتب بعضهم خطابات لي، وتولى البعض الآخر اللوجستيات والتنسيق".
وتواجه لوبان وحزبها التجمع الوطني، و26 فرداً آخرين، بمن فيهم نواب فرنسيون حاليون وسابقون وأعضاء في البرلمان الأوروبي، تهماً باختلاس أموال البرلمان الأوروبي من خلال ما اعتبره المدعون "نظاماً" لمنح عقود المساعدين البرلمانيين لأفراد عملوا في الغالب في الحزب بدلاً من الاتحاد الأوروبي، في انتهاك لقواعد الاتحاد الأوروبي. وامتدت هذه الأفعال، وفق لائحة الاتهام، على مدار 12 عاماً، في الفترة من 2004 إلى 2016.
وتنفي لوبان، التي خفف حزبها من موقفه المناهض للاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة، ارتكاب أي مخالفات، وتزعم أن القضية مدفوعة سياسياً، فيما قال محامي البرلمان، باتريك ميزونوف، إن حزب لوبان، سدد بالفعل مليون يورو للبرلمان الأوروبي، ومن هذا المبلغ، ارتبط 330 ألف يورو بشكل مباشر بإساءة استخدام مارين لوبان للأموال.
وسيراقب منافسو لوبان السياسيون المحاكمة التي تستمر 9 أسابيع عن كثب، إذ أنها منافسة قوية في السباق لخلافة إيمانويل ماكرون، عندما تجرى الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2027.
يأتي ذلك في وقت تولت فيه حكومة جديدة يهيمن عليها الوسطيون والمحافظون، السلطة في أعقاب الانتخابات التشريعية التي جرت في يونيو ويوليو الماضيين.
ويتوقع بعض المراقبين أن تمنع المحاكمة نواب التجمع الوطني، بما في ذلك لوبان نفسها، من لعب دورهم المعارض بالكامل في البرلمان، إذ سينشغلون بالدفاع عن الحزب أمام القضاء.
ما العقوبة؟
وإذا ثبتت الاتهامات في تلك القضية، فقد تواجه لوبان والمتهمون الآخرون السجن لمدة تصل إلى 10 سنوات، إضافة إلى دفع غرامات تصل إلى مليون يورو (1.1 مليون دولار) لكل منهم.
كما يمكن فرض عقوبات إضافية، مثل فقدان الحقوق المدنية أو عدم الأهلية للترشح لمنصب سياسي، وهو السيناريو الذي قد يعيق، أو حتى يدمر هدف لوبان في خوض محاولة رئاسية أخرى بعد انتهاء ولاية ماكرون.
ومنذ تنحيها عن منصبها كزعيمة للحزب قبل ثلاث سنوات، سعت لوبان إلى وضع نفسها كمرشحة رئيسية قادرة على جذب جمهور أوسع من الناخبين.
وقد أثمرت جهودها، إذ حقق الحزب مكاسب كبيرة في الانتخابات الأخيرة على المستويين الأوروبي والوطني، ولكن الحكم بالإدانة قد يقوض بشكل خطير محاولتها بالوصول إلى الإليزيه.
وفي حين أن عقوبة السجن بهذه المدة غير مرجحة، فإنها تواجه أيضاً خطر حظر محتمل لمدة 5 سنوات على الترشح لمنصب عام من شأنه أن يمنعها من الترشح في الانتخابات الرئاسية لعام 2027، وفق ما أوردته مجلة "بوليتيكو".
وشغلت لوبان منصب رئيسة حزب التجمع الوطني في الفترة من عام 2011 إلى عام 2021، وترأس الآن مجموعة نواب الجبهة الوطنية في الجمعية الوطنية الفرنسية.
وخلص قضاة التحقيق، إلى أن لوبان، بصفتها زعيمة الحزب، كانت تدير تخصيص ميزانيات المساعدات البرلمانية، وأصدرت تعليمات لأعضاء البرلمان الأوروبي بتوظيف أفراد يشغلون مناصب في الحزب. وقد تم تقديم هؤلاء الأفراد كمساعدين برلمانيين للاتحاد الأوروبي، ولكن في الواقع، كانوا يعملون لصالح التجمع الوطني في مناصب مختلفة.
تعويضات مالية
ولفتت "أسوشيتد برس" إلى أن الفريق القانوني للبرلمان الأوروبي يسعى للحصول على مبلغ 2.7 مليون يورو كتعويض عن الأضرار المالية والسمعة، ويتوافق هذا الرقم مع 3.7 مليون يورو يُزعم أنها اختلست من خلال المخطط، مطروحاً منه مبلغ مليون يورو تم سدادها بالفعل.
وخلال الانتخابات الأوروبية لعام 2014، فازت الجبهة الوطنية بعدد قياسي من مقاعد البرلمان الأوروبي بلغ 24 مقعداً، وحصلت على المركز الأول بنسبة 24.8% من الأصوات، متقدمة على يمين الوسط والاشتراكيين، وأدى هذا الارتفاع إلى مكاسب مالية كبيرة للحزب، الذي واجه مشكلات مالية حادة في ذلك الوقت.
وكشف تدقيق حسابات الحزب في الفترة بين عاميْ 2013 و2016 عن أنه كان يعاني من عجز قدره 9.1 مليون يورو بحلول نهاية عام 2016، ومع ذلك، كان لدى الحزب رصيد نقدي قدره 1.7 مليون يورو، وأقرض حملة لوبان الرئاسية في عام 2017، مليون يورو، بينما احتفظ أيضاً بـ 87 ألف يورو في شكل قروض لشركة Cotelec، وهي جمعية تموله.
وفي ذلك الوقت، كان الحزب مديناً أيضاً لبنك روسي بمبلغ 9.4 مليون يورو، وهو قرض تم الحصول عليه في عام 2014 مقابل 6 ملايين يورو.
قضايا سابقة
والتجمع الوطني، ليس أول حزب فرنسي يواجه اتهامات بإساءة استخدام أموال البرلمان الأوروبي، وفي وقت سابق من العام الجاري، تم تغريم الحركة الديمقراطية الوسطية MoDem، وهي جزء من الائتلاف الداعم للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، 300 ألف يورو بسبب مزاعم مماثلة.
وكان البرلمان الأوروبي قد قدر في البداية خسائره من مخطط MoDem بمبلغ 1.4 مليون يورو، لكنه خفض المبلغ لاحقاً إلى 293 ألف يورو، وفقاً لوكالة "فرانس برس".
وكان فرانسوا بايرو، في قلب قضية MoDem، وهو أول وزير عدل في عهد ماكرون، وأحد أوائل الشخصيات السياسية الوازنة التي ألقت بدعمها خلف الرئيس الفرنسي. وتمت تبرئة بايرو، لكن تم تغريم العديد من مسؤولي الحزب الآخرين، بما في ذلك خمسة أعضاء سابقين في البرلمان الأوروبي، أو صدرت عليهم أحكام بالسجن مع وقف التنفيذ.
لوبان: اختلافات ثقافية
وتزعم حركة التجمع الوطني أن هذه الحالات تنبع من الاختلافات الثقافية في باريس وبروكسل فيما يتعلق بما يشكل موظفاً في حزب سياسي.
وفي تصريحات لـ "بوليتيكو"، قال أحد كبار مسؤولي حركة التجمع الوطني: "في الأحزاب السياسية الفرنسية، يعد العمل كموظف استثناءً والعمل كمتطوع هو القاعدة، ولكن هذا ليس هو الحال في الثقافات السياسية الأوروبية الأخرى".
وأضاف المسؤول أن "نهج مكتب مكافحة الاحتيال الأوروبي في التعامل مع السياسة غير منطقي. فإذا كان المساعد عضواً في الحزب، فإن هذا يثير لديهم الشكوك".
ومن الجدير بالذكر أن جوردان بارديلا، الرئيس الحالي لحركة التجمع الوطني، لا يخضع للمحاكمة. ولم يكن قد تم انتخابه بعد لعضوية البرلمان الأوروبي أو شغل مناصب حزبية رئيسية خلال الفترة المعنية.
وبعد قيادة الحملة الناجحة للحزب في الانتخابات الأوروبية ولعب دور حيوي في الانتخابات الفرنسية المبكرة التي تلت ذلك، مهد نفوذ بارديلا وشعبيته المتزايدة الطريق لمعركة زعامة محتملة بين لوبان وتلميذها. وأصر التجمع الوطني علناً على أن الثنائي ملتزم بالترشح معاً، على أن تتولى لوبان الرئاسة إذا فازت، وتعين بارديلا رئيساً للوزراء.
الاستفادة من المحاكمة
وفي حين أثبتت المحاكمات الجنائية تاريخياً أنها تضر بالسياسيين، يأمل التجمع الوطني في الاستفادة من تجربة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب واستخدام المحاكمة لصالحه. وبينما أن لوبان قد لا تبيع صورها بعد اعتقالها مثلما فعل ترمب، تقول "بوليتيكو"، إلا أنها عازمة على إبقاء نفسها في دائرة الضوء طوال المحاكمة.
وقال أحد كبار المشرعين في التجمع الوطني، وهو أحد المقربين من لوبان، إن "لوبان ستكون حاضرة للغاية، وتشارك بشكل كبير في محاكمتها، وقد نظمت أجندتها وفقاً لذلك. إنها تريد أن تكون في المحكمة لأكبر عدد ممكن من الأيام".
وأضاف النائب، أن لوبان "تعتقد أن وجودها يمكن أن يؤثر على النتيجة، خاصة بالنظر إلى مسيرتها السابقة كمحامية قبل دخول السياسة. سيكون الأمر كما لو أنها عادت لارتداء زي المحاماة".
وعلى الرغم من العواقب المحتملة، يرى البعض في الحزب أن الحكم بالإدانة أمر يمكن إدارته، إذ يعتقدون أن أنصار الحزب قد يقفون إلى جانب لوبان بغض النظر عما تقرره المحاكم.