اغتيال حسن نصر الله.. إيران حائرة بين "فخ نتنياهو" والاحتفاظ بحق الرد

امرأة تحمل صورة للمرشد الإيراني علي خامنئي والأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله والقائد السابق في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بأحد شوارع طهران. 28 سبتمبر 2024 - REUTERS
امرأة تحمل صورة للمرشد الإيراني علي خامنئي والأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله والقائد السابق في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بأحد شوارع طهران. 28 سبتمبر 2024 - REUTERS
دبي -الشرقرويترز

أثارت الخلافات بشأن كيفية الرد على تصعيد إسرائيل هجومها العسكري في لبنان، واغتيال الأمين العام لجماعة "حزب الله" اللبنانية حسن نصر الله، رفقة قيادي في "الحرس الثوري"، انقسامات داخل طهران، حيث يُطالب المحافظون "برد قوي"، بينما يدعو المعتدلون بقيادة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى "ضبط النفس".

واغتال الجيش الإسرائيلي الأمين العام لجماعة "حزب الله" حسن نصر الله، في هجوم على العاصمة اللبنانية، الجمعة، أودى أيضاً بحياة نائب قائد "الحرس الثوري" في بيروت عباس نيلفوروشان.

وقال مساعد الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف، للصحافيين على هامش حفل تأبين نصر الله في مكتب "حزب الله" في طهران، إن رد الفعل الإيراني "سيكون في الوقت المناسب، ووفقاً لاختيار إيران ضد جرائم الكيان الصهيوني، وستتخذ القرارات بالتأكيد على أعلى مستوى"، وفق إعلام إيراني.

من جانبه، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الأحد، إن اغتيال إسرائيل لنائب قائد "الحرس الثوري" في بيروت "جريمة نكراء" لن تمر دون رد، دون أي إشارة إلى رد محتمل على اغتيال حسن نصر الله.

وأضاف عراقجي في بيان موجه إلى قائد "الحرس الثوري" الإيراني حسين سلامي: "لا شك أن هذه الجريمة النكراء التي ارتكبها النظام الصهيوني لن تمر دون رد"، في إشارة إلى إسرائيل.

وفي وقت سابق الأحد، نقلت وسائل إعلام رسمية إيرانية عن رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف قوله إن الفصائل المسلحة المتحالفة مع إيران ستواصل مواجهة إسرائيل بمساعدة طهران عقب اغتيال نصر الله.

وأضاف قاليباف: "لن نتردد في الذهاب إلى أي مستوى من أجل مساعدة المقاومة"، كما أصدر تحذيراً للولايات المتحدة.

"انقسام داخلي"

وأفادت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير بأنه في ظل الأوضاع المضطربة في الشرق الأوسط، كان المرشد الإيراني "المُسِن"، علي خامنئي، يستطيع دائماً الاعتماد على التحالف الوثيق، والولاء الراسخ، والصداقة العميقة التي تربطه بحسن نصر الله، لكن إسرائيل قضت فجأة على "قوة فريدة" في التسلسل الهرمي لدائرة المقربين من خامنئي باغتيال زعيم "حزب الله".

وأشارت الصحيفة الأميركية في تقرير، الأحد، إلى أن إيران دعمت "حزب الله" على مدى 40 عاماً باعتباره "الذراع الرئيسية" لشبكة وكلائها من الفصائل المسلحة، لكن خلال الأسبوعين الماضيين، بدأت قدرات "حزب الله" تتداعى تحت وطأة موجات متتالية من الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت قيادته، وترسانته، وشبكات اتصالاته.

واعتبرت الصحيفة أن ما وصفته بـ"انقسامات" داخل الحكومة الإيرانية بشأن كيفية الرد على اغتيال نصر الله، تجعل إيران ومرشدها الأعلى في "موقف ضعف".

ونقلت "نيويورك تايمز" عن 4 مسؤولين إيرانيين، بينهم عضوان في "الحرس الثوري"، كانوا يعرفون نصر الله شخصياً ومُطلعين على الأحداث، قولهم إن خامنئي كان "متأثراً بشدة بوفاة صديقه، وكان في حالة حداد، لكنه تبنى موقفاً هادئاً وعملياً".

وتحدث خامنئي بنفس النبرة في العلن، وبدلاً من توجيه انتقادات حادة إلى إسرائيل، أصدر بيانين متحفظين، أشار فيهما إلى نصر الله باعتباره شخصية بارزة في العالم الإسلامي وما يُعرف بـ"محور المقاومة"، وأكد أن إيران ستقف إلى جانب "حزب الله"، بحسب الصحيفة.

كما أشار خامنئي "بوضوح" إلى أن "حزب الله"، وليس إيران، هو من سيتولى قيادة أي رد على إسرائيل، فيما ستلعب إيران "دوراً داعماً"، مضيفاً أن "جميع القوى في محور المقاومة تقف إلى جانب حزب الله، وحزب الله هو من سيكون في مقدمة قوى المقاومة، وهو الذي سيحدد مصير المنطقة".

"موقف حرج"

واعتبر بعض المحللين أن ذلك يمثل مؤشراً واضحاً على أن خامنئي ربما لا يمتلك "وسيلة فعالة" للرد على الهجوم الإسرائيلي ضد وكلائه في الوقت الراهن. ومع وجود خيار بين "حرب شاملة مع إسرائيل، أو الانكفاء للحفاظ على الذات"، يبدو أنه يفضل الخيار الثاني، وفقاً للصحيفة.

وفي تعليق على هذا الموقف الإيراني، قالت سنام وكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة "تشاتام هاوس" البحثية في لندن: "إنهم في موقف حرج تماماً أمام إسرائيل في هذه اللحظة، فتصريحات خامنئي تعكس خطورة الموقف والحذر؛ إذ إنه لا يلتزم علناً بشيء لا يمكنه تحقيقه".

وتوالت ردود الفعل من كبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين بنفس النبرة الحذرة بعد تصريحات خامنئي، إذ أوكلوا مهمة الانتقام إلى مجموعات فصائل مسلحة أخرى في المنطقة. وأكد قائد "الحرس الثوري" حسين سلامي أن "حزب الله وحماس وغيرهما" هم الذين سيوجهون الضربات لإسرائيل.

وأضاف المسؤولون الإيرانيون الأربعة، الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، أن اغتيال نصر الله أصاب مسؤولين كبار في طهران بـ"الصدمة والقلق"، وجعلهم يتساءلون في مكالماتهم الهاتفية الخاصة وخلال الاجتماعات الطارئة عن إمكانية استهداف إيران من قبل إسرائيل لاحقاً، وما إذا كان خامنئي "سيكون الهدف التالي".

"إيران لن تذهب للحرب"

بدوره، قال محمد علي أبطحي، نائب الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، للصحيفة: "كانت ضربة ثقيلة للغاية، وواقعياً، ليس لدينا مسار واضح للتعافي من هذه الخسارة".

وأضاف: "لن نذهب إلى الحرب، فهذا أمر غير مطروح، لكن إيران أيضاً لن تتراجع عن دعم المجموعات المقاتلة في المنطقة، ولا عن تخفيف التوترات مع الغرب.. ويُمكن السعي لتحقيق كل هذه الأمور في الوقت نفسه".

وأوضح أبطحي أن الشعور السائد بين المسؤولين الإيرانيين هو "الصدمة والغضب والحزن، إلى جانب الكثير من القلق".

ولفتت "نيويورك تايمز" إلى أن هذا الشعور مختلف تماماً عن الانطباع، الذي ساد بعد هجمات حركة "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر، عندما احتفلت إيران ووكلاؤها الآخرون بالتوغل المفاجئ.

وفي ذلك الوقت، هاجم "حزب الله" على الفور تقريباً شمال إسرائيل بالصواريخ، واستمر في تبادل إطلاق النار. كما عملت إيران تدريجياً على تنشيط "محور المقاومة" لفتح جبهات ضد إسرائيل وخلق الفوضى في المنطقة؛ للضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل لقبول وقف إطلاق النار مع "حماس"، حسبما ذكرت الصحيفة.

وقالت "نيويورك تايمز" إن إيران كانت تراهن على إبقاء الضغط مستمراً دون إشعال حرب إقليمية شاملة.

ووصلت المواجهة المستمرة منذ عام بين إيران ووكلائها وإسرائيل إلى ذروتها العنيفة عندما اُغتيل نصر الله. ويبدو أن جهود إيران لإضعاف إسرائيل من خلال وكلائها أتت بـ"نتائج عكسية"، ما أدى إلى ضربة "كارثية" ضد حليفها الأهم استراتيجياً، بحسب الصحيفة.

"اجتماع طارئ"

وعندما انتشرت أخبار بأن إسرائيل ربما تكون اغتالت نصر الله، "عقد خامنئي اجتماعاً طارئاً للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في منزله، وانقسم الحضور خلال الاجتماع بشأن كيفية الرد"، بحسب مسؤولين إيرانيين.

وجادل أعضاء محافظون، بينهم سعيد جليلي، المرشح الرئاسي السابق ذو النفوذ، "بضرورة أن تتحرك إيران بسرعة لتأسيس قوة ردع عبر توجيه ضربة لإسرائيل، قبل أن يتمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من نقل الحرب إلى طهران"، حسبما نقلت "نيويورك تايمز" عن المسؤولين، الذين قالت إنهم مطلعون على الاجتماع.

لكن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الذي قضى الأسبوع الماضي في إبلاغ قادة العالم خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن حكومته تسعى لتهدئة التوترات والتوافق مع الغرب، "عارض هذا النوع من الرد، مشدداً على ضرورة ألا تقع إيران في الفخ الذي ينصبه نتنياهو لجرها إلى حرب أوسع"، وفقاً للمسؤولين.

واعتبرت أصوات معتدلة أخرى في المجلس أن نتنياهو "تجاوز جميع الخطوط الحمراء"، وأن إيران قد تواجه هجمات مدمرة تستهدف بنيتها التحتية الحيوية إذا شنت هجمات على إسرائيل، وهو ما لا يمكن أن تتحمله البلاد في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور، بحسب المسؤولين.

تصنيفات

قصص قد تهمك