قيادة جماعية أم خليفة لنصر الله؟ "حزب الله" يبحث سيناريوهات القيادة

دبي-سهيل شهاب

لم تترك إسرائيل "حزب الله" يلتقط أنفاسه، فبعد أيام قليلة من نجاحها في التخلص من أحد أبرز أعدائها، أمينه العام، حسن نصرالله، أعلنت إطلاق عملية برية، على امتداد الشريط الحدودي مع لبنان.

أعقب ذلك، بيوم واحد، موجة قصف صاروخي على أراضي إسرائيل، من إيران، عنونته الأخيرة، بالانتقام لاغتيال نصرالله، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، الذي تم على أراضيها.

اغتيال نصرالله، شكّل ذروة الضربات القاصمة التي وجهتها إسرائيل للحزب، بعد سلسلة من الاغتيالات لقيادات الصف الأول، وصفعة استخباراتية بتفجير آلاف من أجهزة "البيجر" و"اللاسلكي" بين يدي عناصره.

من يقود الحزب الآن؟

في الأيام التي تلت الاغتيال، سعى "حزب الله" إلى إظهار نوع من التماسك، ليعيد شد عصب الجماعة، وآخرها، من خلال، كلمة نعيم قاسم، نائب الأمين العام، الذي أكد أن الحزب "مستمر بأهدافه وميدان جهاده"، وكذلك على متابعة "منظومة القيادة والسيطرة"، وهي التي حُكي الكثير عن تضرُرِها بعنف، نتيجة كُثرة، وعُمق الاختراقات، التي تمظهرت، ابتداءً من اغتيال صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، في الضاحية الجنوبية، معقل الحزب، في الثاني من يناير الماضي. مروراً باغتيال القائد العسكري لـ"حزب الله"، فؤاد شكر، بغارة جوية أيضاً، في الضاحية، في الثلاثين من يوليو الماضي، وما تبعه من اغتيالات لقيادات تُشكل رأس هرمية الأجنحة العسكرية، وصولاً إلى ذروة الاستهداف، نصرالله نفسه.

وبحسب مراقبين، مطلعين على "حزب الله" وبيئته وتركيبته، فإن الحزب، قبل اغتيال أمينه العام، ليس كما هو بعده. فشخصيته، التي كانت تختصر تنظيمه، يستبعد كثيرون، أن يأتي بعده من يستطيع أن يملأ الفراغ، الذي تركه، اغتياله.

بعد هذه النكسات، من يقود حزب الله؟ وهل يمكن أن يعمد الحزب إلى قيادة جماعية من خلال مجلس الشورى، خشية تعرض أمينه العام الجديد إلى اغتيال؟ هذا ما أجاب عنه لـ"الشرق"، الكاتب السياسي قاسم قصير، مؤلف كتاب "حزب الله: الثابت والمتغير"، والذي قال إن "الأمر الواقع حالياً هو نوع من القيادة الجماعية أو التشاورية نوعاً ما"، مشيراً إلى أن "القيادة الجماعية تتمثل حالياً في مجلس الشورى"، الذي تتفرع منه المجالس الـ5: "التنفيذي، القضائي، البرلماني، السياسي، والمجلس الجهادي".

آلية القيادة

ورجح قصير أن تبقى آلية قيادة الحزب على هذا النحو، إلى حين تحديد موعد لاختيار أمين عام جديد، وذلك من خلال "مجلس الشورى أو القيادة، الذي يُنتخب (عادة) من المؤتمر المركزي، هو من ينتخب الأمين العام"، مستبعداً إمكانية تحديد الشخصية الأكثر قرباً لخلافة نصرالله، "لارتباط ذلك بمن سيبقى على قيد الحياة بعد انتهاء الحرب"، ورجح أن يبقى المنصب "فارغاً لفترة معينة".

وبذلك، يَستبعد قصير التوقعات التي أشارت إلى احتمال تولي رئيس المجلس التنفيذي في الحزب، هاشم صفي الدين، منصب الأمين العام، على الرغم من التركيز عليه في الكثير من التكهنات، رابطاً قرار الاختيار، "بظروف الحزب والبلد".

وعلى الرغم من قُرب صفي الدين من إيران، ومن مرشدها الأعلى، علي خامنئي، إضافة إلى مصاهرته لقائد "فيلق القدس" السابق، قاسم سليماني، من خلال زواج ابن الأول، من ابنة الثاني، لكن قصير، أكد أن اختيار أمين عام لـ"حزب الله"، "لا يتم بناء على حسابات عائلية، أو على طبيعة علاقة الشخص مع إيران، بل على أساس الدور المطلوب منه"، مضيفاً أن "الأهم أن يبقى (هذا الشخص) حياً"، نافياً، من جهة أخرى، أي دور لخامنئي في اختيار الأمين العام لحزب، وأنه "فقط يُبارك ويٌؤيد" الاختيار.

دور مجلس شورى "حزب الله"

وعن دور وصلاحيات مجلس شورى حزب الله، قال قصير، إنه "يتولى القيادة ووضع الخطط واختيار المسؤولين الأساسيين في المناطق والوحدات واتخاذ كل القرارات الأساسية". أما عن النظام الداخلي للحزب، فأكد وجود "نظام داخلي"، ولكن معرفته محصورة بـ"الأعضاء الأساسيين" في الحزب.

بالإضافة إلى تجنب اغتيال خليفة نصرالله، يربط رئيس تحرير موقع "جنوبية" اللبناني، علي الأمين، الحديث عن اعتماد "حزب الله" القيادة الجماعية له، باحتمال "فقدان القدرة على الاجتماع، والاتصال" بين قيادات الحزب، مشيراً إلى أن نعيم قاسم هو "عملياً، الأمين العام حالياً، كونه نائب الأمين العام، ويتولى المسؤوليات، وقال في كلمته إن كل شخص اُستهدف له نائب يتولى مسؤولياته، لكي لا يكون الحزب عرضة لانتكاسة جديدة (باغتيال أمينه العام الجديد)".

 واعتبر الأمين أن هذا الخيار هو الأقل كلفة على الحزب، لأن "طبيعة المرحلة المقبلة ستفرض من سيكون الأمين العام"، مرجحاً أن يتم اختيار أمين عام "سياسي".

وتوقع الأمين، أن يتغيّر الحزب في المستقبل، وأنه "لن يتجسد في شخص آخر (مثلما حصل مع نصرالله)، أي أن الحزب سيعود إلى كونه حزباً، ولن يكون أمينه العام ذا شخصية (خارقة)، وسيكون شخصاً عادياً"، لافتاً إلى مفارقة أنه لم يكن يحق لأمين عام "حزب الله"، أن يتولى منصبه لأكثر من دورتين "ولكن هذا الأمر تغير مع نصر الله"، الذي استمر في تولى هذا المنصب منذ العام 1992.

تحولات في طهران؟

وعن الموقف السياسي في إيران، يوضح الأمين، أن الرئيس مسعود بزشكيان لم يكن ليأتي لو لم يُرِد المرشد علي خامنئي ذلك، بعد ما وصفه بـ"فشل المحافظين، وغضب الشارع الإيراني من حكمهم"، معتبراً أن المرشد الأعلى يرى مصلحة لإيران "في عدم الاستمرار في هذا المشروع الأيديولوجي، وأنها محكومة بالحوار مع الأميركيين"، مشيراً إلى عبارة بزشكيان: "أنا جئت لتعزيز الوحدة الداخلية، ورفع العقوبات عن إيران".

ورأى أنه لا إمكانية لرفع العقوبات عن إيران إلا من خلال الحوار مع الولايات المتحدة الأميركية، وهذا ما توقع أن يدفع طهران إلى "مساعدة حزب الله على التحول إلى حزب سياسي من خلال تعزيز مؤسساته المدنية الموجود، مع قناعتي أنه من الصعب أن يتحول إلى حزب سياسي، لأنه وضع كل استثماراته في مكان واحد: المقاومة ومرجعية إيران، والاستهانة بالدولة، وليس لديه في أدبياته تعبئة وطنية.. فالحزب يتنفس الحروب، وإذا فقد هذه العوامل فسيختنق".

الرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان خلال مؤتمر صحافي في طهران. 16 سبتمبر 2024
الرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان خلال مؤتمر صحافي في طهران. 16 سبتمبر 2024 - REUTERS

الرد الإيراني

وعن موجة الصواريخ، التي أطلقها الحرس الثوري الإيراني على إسرائيل، الثلاثاء، انتقاماً لاغتيال هنية، في يوليو الماضي في طهران، ونصرالله، الأسبوع الماضي، رأى قاسم قصير أن فيها "محاولة من أجل استعادة زمام المبادرة"، معتبراً، أن "الأوضاع مفتوحة على كل الاحتمالات في حال ردت إسرائيل".

وتوقع قصير، أن يكون لهذا الرد، "انعكاسات إيجابية، ويساعد الجبهة الجنوبية وجبهة غزة". وذهب إلى القول، إن نتيجة الخطوة الإيرانية "إما أن تذهب إسرائيل وأميركا للتفاوض، أو نكون أمام تصعيد كبير".

حزب الله "لم يتضرر كلياً"

من جانبه، ربط د. حسن أبو هنية، الكاتب المتخصص في شؤون الحركات الجهادية، مستقبل حزب الله، بالتطورات المُقبلة، مشيراً إلى ارتباط المشروع الإسرائيلي بالغرب، بسبب التصورات المشتركة بخصوص المنطقة، من جانب إسرائيل، والولايات المتحدة ودول الغرب الكبرى.

وعلى الرغم من تعرض "حزب الله" لضربات قاسية، ينبِّه أبو هنية، إلى أن هناك أجزاءً أخرى في الحزب "لم تتضرر، مثل المجلس التنفيذي، الذي يترأسه هاشم صفي الدين، خليفة نصر الله المحتمل، والذي يدير المؤسسات المدنية والإعلام، والنقاشات وغيرها، وكذلك من يعملون على قيادة الكُتل البرلمانية، أو السياسية".

أنصار حزب الله يحملون مجسمات لصواريخ في الذكرى الأولى لحرب الـ2006 أمام صور للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله. 22 يوليو 2007
أنصار حزب الله يحملون مجسمات لصواريخ في الذكرى الأولى لحرب الـ2006 أمام صور للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله. 22 يوليو 2007 - Reuters

وفي هذا السياق، يشير أبو هنية إلى ما يملكه الحزب من "كتلة برلمانية، ونشاطه السياسي، إضافة إلى تجذره في النسيج الاجتماعي والسياسي في البلد"، معتبراً أنه "لا يوجد أي طرف لبناني يضاهيه قوة على الساحة الداخلية، وكما هو معروف، هو أكبر قوة مسلحة، غير نظامية، على مستوى العالم، وله هيكلية تشبه الدولة، إضافة إلى الحاضنة الشعبية، وتوفر التمويل الإيراني، والتسيير الأيديولوجي. بالتالي، وعلى الرغم من الضرر الكبير الذي لحق به، ولكن من الصعب القول إنه تم تقويض هيكليته التنظيمية".

لم يكن غريباً، أن ينتشي رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو،  بـ"إنجازه"، ليخرج في اليوم التالي للاغتيال ليعلن، مزهواً، أن القضاء على نصر الله "يمثل نقطة تحول تاريخية، يمكن أن تُغير ميزان القوى في الشرق الأوسط".

وفي حين يغرق "حزب الله"، وجمهوره، في دوامة من التخبُّط والشعور بالانكسار، خففت من وطأتها الضربة الإيرانية لإسرائيل، فإن مستقبل الحزب وموقعه كرأس حربة ما يُعرف "محور المقاومة" لا يزال رهناً بمجريات معركة لم تُكتب آخر فصولها بعد.

تصنيفات

قصص قد تهمك