باريس وبرلين تقودان دعوات مطالبة بترحيل المهاجرين وحماية حدود التكتل

من أوربان إلى شولتز.. قادة الاتحاد الأوروبي يضغطون لصد تدفقات الهجرة

دبي -الشرق

من الرجل القوي في المجر فيكتور أوربان إلى رئيسة الوزراء الدنماركية الاشتراكية مته فريدريكسن، يشترك زعماء أوروبا في شيء واحد، وهو الرغبة في الحد من الهجرة، التي باتت تؤرق عواصم كثيرة في دول الاتحاد الأوروبي، في خضم تصاعد متزايد للقوى اليمينية المتطرفة، حسبما نقلت مجلة "بوليتيكو".

وهدد أوربان بإرسال المهاجرين بالحافلات إلى ساحة جراند بليس التاريخية في بروكسل، على مرمى حجر من مؤسسات الاتحاد الأوروبي، مستلهماً فكرته من كتاب "قواعد اللعب" لحاكم فلوريدا، رون ديسانتيس، الذي أمر اعتباراً من عام 2022 بنقل الآلاف من المهاجرين غير المسجلين خارج ولايته.

ومع استمرار الأحزاب اليمينية المتطرفة في تحقيق مكاسب انتخابية، يضغط زعماء أوروبيون آخرون أيضاً على بروكسل لتشديد قبضتهم على الهجرة، إذ تعهد رئيس الوزراء الفرنسي الجديد ميشيل بارنييه الأسبوع الماضي بـ"الحد من الهجرة"، بينما أغلق المستشار الألماني أولاف شولتز مؤخراً الحدود الخارجية لبلاده في أعقاب هجوم بسكين بعد مزاعم بتورط طالب لجوء.

وبهذا تنضم باريس وبرلين إلى النمسا وهولندا ومجموعة من الدول الإسكندنافية التي تدعم جميعاً موقفاً أكثر صرامة بشأن الهجرة.

وقال أحد الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، في إشارة إلى التعليقات الأخيرة التي أدلى بها زعماء الاتحاد الأوروبي: "هذه موجة صغيرة تتحول بسرعة إلى موجة مد، إنها واحدة من المشكلات التي تُبقي القادة مستيقظين طوال الليل؛ إذ يُنظَر إليها باعتبارها قضية تهم الناخبين، ومن هنا جاءت الضغوط التي نشهدها اليوم".

وذكرت "بوليتيكو"، أن هذه الحملة الصارمة تمثل تحولاً جذرياً عن سياسة الحدود المفتوحة التي تبنتها المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، والتي أثار قرارها بالسماح لأكثر من مليون مهاجر غير نظامي بدخول الاتحاد الأوروبي في عام 2015 رد فعل عنيف على مستوى التكتل.

صعود اليمين المتطرف

وتعكس هذه الحملة، الخطاب القاسي المناهض للمهاجرين من قبل المرشح الرئاسي الأميركي دونالد ترمب، الذي دعا إلى ترحيل 10-20 مليون شخص من الولايات المتحدة. الفرق هو أنه في أوروبا، يأتي الضغط من أجل اتخاذ إجراءات صارمة من قوى اليمين المتطرف مثل حزب الحرية النمساوي، الذي فاز في الانتخابات الوطنية في نهاية الأسبوع، وزعماء الديمقراطية الاجتماعية مثل فريدريكسن وشولتز، الذين ينضمون الآن إلى تلك الحملة، على الرغم من موقف أحزابهم الأكثر ليبرالية تاريخياً.

وقالت كاثرين دي فريس، عالمة السياسة في جامعة بوكوني، إن الدفع المناهض للمهاجرين يرجع إلى المخاوف بين السياسيين الأكثر تقليدية من تجاوزهم من قبل الأحزاب اليمينية المتطرفة. ولكن ملاحقة أصوات اليمين المتطرف بشأن الهجرة قد لا تكون الاستراتيجية الرابحة التي يأملون فيها.

وتابعت في تصريحات لـ"بوليتيكو": "إذا بدأت (الأحزاب الرئيسية الأوروبية) في استيعاب هذه المواقف، فإنها بمرور الوقت تصبح طبيعية، وغالباً ما يصوت الناخبون للشيء الحقيقي وليس النسخة".

وقالت: "لم تطور الأحزاب الرئيسية بشكل كافٍ سرداً بديلاً لكيفية معالجة هذه المخاوف".

وذكرت "بوليتيكو"، أن تسريع عمليات الترحيل والحد من الوافدين الجدد وإقناع الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بمنع المهاجرين من التوجه نحو الاتحاد الأوروبي هي إجراءات ستكون ضمن أولويات سلسلة من الاجتماعات رفيعة المستوى في الأسابيع المقبلة.

وقال العديد من الدبلوماسيين، إن الهجرة سوف تتصدر جدول أعمال اجتماع وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي في منتصف أكتوبر الجاري، وستبرز بشكل واضح خلال اجتماع الزعماء في بروكسل في 17 أكتوبر. وتحتوي النسخة المبكرة من استنتاجات الاجتماع الأخير على فقرة شديدة اللهجة تدعو إلى "تعزيز السيطرة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي".

 إرشادات جديدة

وقالت رئيسة وزراء الدنمارك، مته فريدريكسن لـ"بلومبرغ"، الأسبوع الماضي: "هل تتغير المناقشة داخل أوروبا؟ نعم، إنها كذلك، ربما فات الأوان بعض الشيء. بالنسبة لي، بعد أوكرانيا، فإن هذه [الهجرة] هي الهدف رقم واحد. يجب أن تكون حقاً على رأس أولوياتنا".

وقبل بضعة أشهر، أقر الاتحاد الأوروبي "ميثاق الهجرة واللجوء"، وهو إصلاح صعب لقواعد الهجرة في الاتحاد، استغرق إعداده أكثر من عقد من الزمان، ومن المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في العامين المقبلين. ويمنح الاتحاد الدول مرونة كبيرة في كيفية التعامل مع الهجرة غير النظامية، بما في ذلك إغلاق حدودها أمام دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.

ولكن هذا لا يزال غير كاف بالنسبة للكثيرين. وقال دبلوماسي ثان من الاتحاد الأوروبي إن "ميثاق الهجرة في طريقه للإقرار، ولكن هناك الكثير من العمل. هناك شعور متزايد بأن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى تكثيف الجهود لتجنب بديل أسوأ، وهو ما يريده الشعبويون".

ويزعم المدافعون عن سياسة الهجرة الأكثر صرامة، أن البلدان تحتاج إلى إرشادات جديدة من بروكسل بشأن كيفية ترحيل المهاجرين بشكل قانوني إلى بلدانهم الأصلية، فضلاً عن أدوات جديدة للضغط على البلدان لإعادة مواطنيها، بما في ذلك ربط العودة بالوصول إلى تأشيرات الاتحاد الأوروبي أو الوصول التجاري التفضيلي إلى السوق الشاسعة للاتحاد.

اتفاقات جديدة

وهناك أيضاً ضغوط على الاتحاد الأوروبي لإبرام صفقات جديدة مع دول على أطرافه للحد من الهجرة، على غرار صفقة مثيرة للجدل بقيمة 7.4 مليار يورو مع مصر أو صفقة بقيمة مليار يورو مع تونس. وقد أعادت إيطاليا مؤخراً فتح العلاقات الدبلوماسية مع سوريا بعد تجميد دام 12 عاماً كجزء من محاولة لتشجيع دمشق على استعادة بعض مواطنيها الذين فروا خلال الحرب الأهلية. وتدفع روما دولاً أخرى في الاتحاد الأوروبي إلى أن تحذو حذوها، وإن كانت شهيتها تبدو محدودة في الوقت الحالي.

ومن المقرر أيضاً أن يعكس البرلمان الأوروبي، الموقف الأكثر صرامة لدول الاتحاد الأوروبي، وخاصة مع اكتساب الجماعات اليمينية المزيد من النفوذ بعد الانتخابات الأوروبية في يونيو الماضي، وفق "بوليتيكو".

وقال تشارلي وييمرز، من حزب المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين اليميني في السويد: "نحن بحاجة إلى آلية ترحيل من الاتحاد الأوروبي لتعزيز التجارة والمساعدات ضد الدول التي ترفض استعادة مواطنيها في الوقت المناسب".

وقال وييمرز، إن المجالات الأخرى التي تحتاج إلى تعزيز ميثاق الهجرة واللجوء تشمل زيادة عدد مراكز استقبال طالبي اللجوء في الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتمويل "حواجز" الحدود الخارجية.

وقبل الانتخابات الأوروبية الأخيرة، تعهد حزب الشعب الأوروبي بإرسال طالبي اللجوء إلى مراكز في دول ثالثة، ومضاعفة عمليات العودة، ومضاعفة عدد الموظفين في وكالة الحدود الأوروبية فرونتكس، من بين تدابير أخرى.

وتضغط العديد من البلدان - فضلاً عن البرلمان - الآن على المفوضية لصياغة مجموعة جديدة من المبادئ التوجيهية للهجرة، مما يسمح لدول الاتحاد الأوروبي باستخدام النفوذ لإجبار الدول على استعادة مهاجريها، على سبيل المثال عن طريق حجب التأشيرات، أو ربط العودة بالوصول المواتي إلى السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي، أو تعليق السفر بدون تأشيرة للدبلوماسيين.

تصنيفات

قصص قد تهمك