أطلقت إسرائيل عملية عسكرية برية في جنوب لبنان، بعد ما يقرب من 20 عاماً، من آخر اجتياح بري للأراضي اللبنانية، اعتبر مسؤولو أمن إسرائيليون أنه "فشل" في تحقيق أهدافه؛ لكنها هذه المرة كانت "مستعدة" للقتال ضد جماعة "حزب الله" وحققت "نجاحات" قبل بدء توغل محفوف بالمخاطر في عمق لبنان، وفق صحيفة "نيويورك تايمز".
وذكرت الصحيفة الأميركية في تقرير، الاثنين، أن الكثير من المؤسسات الأمنية الإسرائيلية كانت تنظر للحرب الأخيرة التي خاضتها إسرائيل مع الجماعة اللبنانية في الثاني عشر من يوليو 2006، باعتبارها "إخفاقاً".
وأشارت إلى أن سلاح الجوي الإسرائيلي لم يكن لديه سوى قائمة قليلة من الأهداف، كما عانت القوات البرية أثناء القتال في التضاريس الوعرة بجنوب لبنان، وفشلت الحرب في تحقيق أهدافها المعلنة المتمثلة في إعادة جنديين إسرائيليين أسيرين، وإبعاد "حزب الله" من منطقة الحدود.
ونقلت الصحيفة عن كارميت فالينسي، وهو خبير إسرائيلي في شؤون "حزب الله"، خدم في مديرية الاستخبارات العسكرية قوله: "كان هناك قدراً معيناً من الصدمة من نتائج الحرب".
وأوردت الصحيفة أنه بعد ما يقرب من 20 عاماً، شنت إسرائيل هجوماً آخر ضد "حزب الله" في لبنان، ولكن هذه المرة، حققت سلسلة نجاحات -تشمل هجمات اغتالت زعماء الحزب، وشلت شبكات اتصالاته، واستهدفت مخابئ أسلحته- نتيجة مباشرة لاستثمارات إسرائيل في الاستعداد لمعركة مستقبلية مع الجماعة، بعد الأداء المتعثر في عام 2006، كما يقول خبراء أمن إسرائيليون.
"تصعيد" إسرائيلي
وأشارت الصحيفة إلى أنه مع توغل القوات الإسرائيلية البري في عمق لبنان، فإنها ستكون عُرضة "لمخاطر أكبر"، بما في ذلك الأسلحة المتطوّرة التي يستخدمها "حزب الله".
ورجحت أنه في حال أخفقت الحكومة الإسرائيلية في وضع استراتيجية خروج واضحة، وهو ما تواجه صعوبات لتحقيقه حتى الآن في قطاع غزة، ربما ينتهي الأمر بالجيش إلى خوض حرب مطولة تستنزف موارده إلى أقصى حد.
واعتبرت "نيويورك تايمز" أن توجيه ضربة تلو الأخرى إلى "حزب الله" ساعدت في استعادة سمعة إسرائيل باعتبارها "قوة عسكرية قوية" في الشرق الأوسط، لكنه أكد أيضاً أنها كانت أكثر استعداداً للحرب على حدودها الشمالية أكثر من استعدادها لتوغل مقاتلين من حركة "حماس"، الذي مهد لهجمات السابع من أكتوبر في الجنوب.
وفي تعليق على الأمر، قال ياكوف أميدرور، وهو لواء متقاعد عمل مستشاراً للأمن القومي الإسرائيلي خلال الفترة من 2011 إلى 2013، إن "حزب الله أقوى من حماس بعشر مرات"، لكن الجيش الإسرائيلي "كان أكثر استعداداً لحزب الله بعشرين مرة من استعداده لحماس".
بدوره، كان "حزب الله" أيضاً أكثر استعداداً للحرب مع إسرائيل مقارنة بالمرة السابقة، بعد أن بنى ترسانة يقدر أنها تضم أكثر من 100 ألف صاروخ وقذيفة، ودرب عشرات الآلاف من المقاتلين، كما درس قادته إسرائيل بعناية، متوقعين أن الحزب يمكنه أن يتبادل الهجمات معها لدعم "حماس" دون إشعال فتيل "حرب شاملة".
"سوء تقدير خطير"
ورأت الصحيفة، أن الهجوم الإسرائيلي الحالي على لبنان يظهر "سوء تقدير خطيراً"، إذ صعدت تل أبيب هجماتها في منتصف سبتمبر، وبدأت أسابيع من القصف ضد "حزب الله"، واستهدفت مقاتليه بتفجير أجهزة اتصالاتهم، ما أودى بحياة العديد منهم، وتسبب في إصابة المئات من المدنيين.
وبعد أيام، اغتالت إسرائيل العديد من كبار قادة "حزب الله"، وبينهم إبراهيم عقيل، قائد "قوة الرضوان"، التي تضم مجموعة من مقاتلي النخبة، الذين خلص مسؤولون إسرائيليون إلى أنهم كانوا "يخططون لغزو شمال إسرائيل".
في 27 سبتمبر، استهدفت غارات إسرائيلية مجمعاً تحت الأرض، ما أسفر عن اغتيال حسن نصر الله، الأمين العام للحزب منذ فترة طويلة، والذي حول المجموعة إلى قوة سياسية وعسكرية قوية. والخميس، قال مسؤولون إسرائيليون، إنهم حاولوا استهداف خليفته المحتمل، هاشم صفي الدين، ولكن حتى الأحد، ليس من الواضح ما إذا كانوا نجحوا.
وفي الوقت نفسه، ضربت حملة قصف واسعة النطاق شنها الجيش الإسرائيلي البنية التحتية الهجومية لـ"حزب الله" واستهدفت مقاتليه، ما قوض قدرة الجماعة على الرد بقوة.
وأودت الغارات الجوية الإسرائيلية بحياة المئات من الأشخاص، بينهم نساء وأطفال، بحسب وزارة الصحة اللبنانية.
وتقول إسرائيل، إنها صعدت من هجماتها ضد "حزب الله" في الأسابيع الأخيرة، لتسهيل عودة نحو 60 ألف نازح.
عناصر "تفوّق"
ولفت الجنرال أميدرور إلى أن أحد العناصر الرئيسية "لتفوق إسرائيل الاستخباراتي" على "حزب الله"، هو نشرها المتزايد للطائرات المسيرة، التي تحوم في سماء لبنان.
وأوضح أن التحقيق الذي أجراه بناءً على طلب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، حول أداء مديرية الاستخبارات العسكرية قبل وأثناء حرب عام 2006، كشف أن الطائرات المسيرة الإسرائيلية في لبنان كان يجري تحويل مسارها إلى غزة، ما ترك المنطقة بعدد ضئيل من الطائرات المسيرة.
وأضاف: "رأيت أنه يوجد عدد قليل للغاية من الطائرات بدون طيار تحلق فوق الشمال. سألت نفسي: مهلاً، ماذا يحدث هنا؟"، لافتاً إلى أنه خلال السنوات الثماني عشرة الماضية، زاد عدد المسيرات فوق لبنان إلى حد كبير.
من جانبه، قال إيال حولاتا، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي من عام 2021 إلى 2023، إن القوات الإسرائيلية ركزت على جمع المعلومات الاستخبارية عن قادة "حزب الله"، وتحركاتهم وكذلك أنظمة الاتصالات والمرافق السرية.
ولفتت الصحيفة إلى أن "حزب الله" كان على علم منذ فترة طويلة بأن إسرائيل كانت تجري عمليات مراقبة واستطلاع على أعضائه، لكن الضربات العسكرية الإسرائيلية المتكررة لقادته تشير إلى أنه لم يدرك مدى "اختراق صفوفه".
وأضاف حولاتا، الذي يشغل الآن منصب زميل أول في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهو معهد أبحاث مقره واشنطن: "نحن نرى الآن كيف منحتنا هذه المعلومات أفضلية"، لكنه حذر من مخاطرة "تلاشى نجاحات إسرائيل في غياب استراتيجية واضحة لتحقيق تسوية سياسية".
ونقلت الصحيفة عن 3 مسؤولين أمنيين إسرائيليين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، قولهم، إن "عملية الاستخبارات الإسرائيلية ضد حزب الله، تمكنت في كثير من الأحيان من جمع معلومات من اجتماعات سرية دون علم الحزب".
"ثمن باهظ"
مع ذلك، لفتت الصحيفة إلى أن الاحتفالات في إسرائيل بنجاحاتها الأخيرة ربما تكون "سابقة لأوانها"، لأن الغزو البري في لبنان، الذي لم يمض عليه سوى أيام قليلة، كبد القوات الإسرائيلية ثمناً باهظاً بالفعل.
والأربعاء، استهدف مقاتلو "حزب الله" 9 جنود إسرائيليين خلال المعارك الأولى بين الجانبين منذ بدء الغزو، وقال الجيش إن جنديين آخرين سقطا، الجمعة، في مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل.
وحذّر الجنرال أميدرور من أن "الغزو البري سيكون أكثر صعوبة بكثير"، مضيفاً: "نحن نتحدث عن منظمة أكثر خطورة واستعداداً وتسليحاً من حماس".
وأشارت تقديرات كتاب حقائق وكالة الاستخبارات المركزية CIA، إلى أن "حزب الله" لديه 20 ألف مقاتل نشط و25 ألف مقاتل احتياطي في عام 2021، كما يتمتع العديد من مقاتليه بخبرة عملياتية، بعد مشاركتهم في الحرب في سوريا.
وعلى الرغم من أن "حزب الله" فقد نحو نصف ترسانته في الغارات الجوية، وفقاً لمسؤولين إسرائيليين وأميركيين بارزين، تتوفر لديه صواريخ موجهة مضادة للدبابات، وهو ما يشكل تحدياً آخر للجنود الإسرائيليين.
وقال معظم خبراء الأمن الإسرائيليين إن الأمر الأكثر إثارة للقلق، هو أنه ليس من الواضح ما إذا كانت إسرائيل لديها استراتيجية واضحة للخروج من لبنان، الأمر الذي أثار مخاوف من أن الجيش الإسرائيلي ربما يتورط في "حرب استنزاف".
وأضاف الخبراء أن الحكومة الإسرائيلية بحاجة إلى ترجمة الإنجازات التكتيكية للجيش إلى "نجاح سياسي" من خلال السعي إلى التوصل لاتفاق دبلوماسي يعيد الأمن إلى شمال إسرائيل. وفي غياب مثل هذه الصفقة، ليس من الواضح متى سيتمكن نحو 60 ألف نازح من العودة إلى ديارهم.