بين هاريس وترمب.. أميركا اللاتينية في حسابات السباق نحو البيت الأبيض

أميركيون يشاهدون المناظرة الرئاسية بين المرشحة الديمقراطية للرئاسة كامالا هاريس والمرشح الجمهوري دونالد ترمب في أحد مقاهي كاليفورنيا. 10 سبتمبر 2024 - REUTERS
أميركيون يشاهدون المناظرة الرئاسية بين المرشحة الديمقراطية للرئاسة كامالا هاريس والمرشح الجمهوري دونالد ترمب في أحد مقاهي كاليفورنيا. 10 سبتمبر 2024 - REUTERS
ساو باولو -هاني الدرساني

تترقب دول أميركا اللاتينية انعكاسات نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية، نوفمبر المقبل، على سياساتها واقتصادها، خاصة المكسيك وفنزويلا، إذ يهدد اعتماد مكسيكو سيتي تعديلات قضائية جديدة بانهيار التبادل التجاري مع الولايات المتحدة، البالغ نحو 800 مليار دولار، بينما تنتظر كاراكاس موقف حاكم البيت الأبيض الجديد من نظام الرئيس نيكولاس مادورو الذي رفضت الإدارة الحالية إعلانه الفوز بولاية ثالثة.

وتتأثر التجاذبات بين أحزاب اليمين واليسار داخل القارة اللاتينية بشكل كبير بالتغيرات السياسية في الولايات المتحدة، ويقول خبراء إن الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة ستؤدي إلى "آثار كبيرة" على مستقبل دول أميركا اللاتينية سياسياً، متوقعين أن تؤدي نتائجها إلى اتجاهات مختلفة في العلاقات الإقليمية واستراتيجيات الحكومات.

وقال خوسيه ماريا دي سوزا أستاذ العلوم السياسية في جامعة "ريو برانكو" البرازيلية: "إذا فاز دونالد ترمب بالانتخابات، فإن السياسة الخارجية تجاه أميركا اللاتينية ستكون على الأرجح موجهة نحو دعم الأنظمة اليمينية، مع التركيز على السياسات المحافظة. وهذا الأمر سيشكل دعماً معنوياً كبيراً لليمين في بقية دول القارة".

وسبق أن أظهر ترمب دعمه المباشر لقادة يمينيين مثل جايير بولسونارو في البرازيل، وإيفان دوكي في كولومبيا، ونجيب بوكيله رئيس السلفادور، وخافيير ميلي رئيس الأرجنتين، كما تبنى نهجاً صارماً تجاه الحكومات اليسارية، خاصة في كوبا وفنزويلا ونيكاراجوا.

وأضاف خوسيه ماريا أنه في حال فوز كامالا هاريس، فقد تتجه أميركا إلى سياسة أكثر دبلوماسية وانفتاحاً على الحكومات اليسارية في أميركا اللاتينية.

ورأى أن هاريس قد تسعى لإعادة بناء العلاقات التي تبنتها واشنطن مع حكومات دول مثل كوبا وفنزويلا في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، فضلاً عن العمل على تعزيز حقوق الإنسان والبرامج الاجتماعية، وهو ما قد يدعم التيارات اليسارية، بالإضافة إلى إعطاء أهمية للقضايا البيئية.

المكسيك تحت الضغط

وفي المكسيك، لن تتضح الخطط الاقتصادية لأول رئيسة للبلاد كلوديا شينباوم، والتي استلمت زمام السلطة بداية شهر أكتوبر الجاري، إلا بعد الخامس من نوفمبر المقبل، عند انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة.

ومن المؤكد وقوع تأثير كبير ومباشر على الاقتصاد المكسيكي نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، إذ ستكون المكسيك بين مطرقة وعود ترمب برفع الرسوم الجمركية على وارداتها بنسبة 100%، وسندان انتقاد الإدارة الأميركية الحالية التي تمثلها هاريس للإصلاحات القضائية في المكسيك، وتأثيرها على علاقات البلدين التجارية.

أنصار كلوديا شينباوم يتابعون خطاباً لها عبر شاشة بعد نتائج الانتخابات الرئاسية. مكسيكو سيتي، المكسيك. 3 يونيو 2024.
أنصار كلوديا شينباوم يتابعون خطاباً لها عبر شاشة بعد نتائج الانتخابات الرئاسية. مكسيكو سيتي، المكسيك. 3 يونيو 2024. - AFP

في لقاء أجرته "الشرق" مع لويس إجناسيو رومان، أستاذ الاقتصاد في جامعة ITESO المكسيكية، قال: "ورثت الرئيسة اليسارية شينباوم اقتصاداً قوياً عن سلفها وحليفها الحزبي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، فقد نما الناتج المحلي الإجمالي للمكسيك بنسبة 3.2٪ العام الماضي، مسجلًا للعام الثاني نمواً بأكثر من 3%، كما تُظهر البيانات الرسمية أن معدل الفقر انخفض من 43.9٪ في عام 2020 إلى 36.3٪ في عام 2022، مع انخفاض عدد المكسيكيين الذين يعيشون في فقر بنحو 8.8 مليون".

وأرجع رومان هذا الانتعاش الاقتصادي إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتوسع قطاع التصنيع، بالإضافة إلى زيادة الصادرات إلى الولايات المتحدة وكندا تحديداً، مضيفاً أن السيناريوهات الاقتصادية حتماً ستشهد تغيراً بحسب نتائج الانتخابات الأميركية المقبلة.

وفي أكثر من مناسبة، أثار المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترمب الشك في النموذج الاقتصادي المكسيكي القائم على إنتاج منخفض التكلفة لصالح السوق الأميركية، وطالب الشركات في المكسيك بنقل عملياتها على الفور إلى الولايات المتحدة أو مواجهة رسوم جمركية أعلى.

وحذر ترمب، خلال المؤتمر الوطني الجمهوري، يوليو الماضي، مصنعي السيارات عامةً، والكهربائية الصينية، خاصة في المكسيك، من أن مركباتهم ستصبح باهظة الثمن، بسبب عزمه فرض رسوماً جمركية جديدة على وارداتهم بنسبة 100%، كما أشار إليهم أثناء خطاب آخر في سبتمبر الماضي، بقوله: "أريد منهم أن يبنوا مصانعهم هنا"، ووعدهم بخفض معدل الضريبة على الشركات بنسبة 15%.

اتفاقيات مهددة

وقال رومان: "لن يختلف الأمر كثيراً إذا فازت هاريس وحزبها الديمقراطي. ففي الأسابيع الأخيرة، أحدث قرار الموافقة على قانون (إصلاح القضاء) في المكسيك جدلاً واسعاً".

وأثارت التعديلات التشريعية الخاصة بالقضاء في المكسيك مخاوفاً بين الشركاء التجاريين في الولايات المتحدة وكندا، إذ تنص على انتخاب جميع القضاة الفيدراليين بشكل مباشر من قبل الشعب. ويرى المنتقدون أن هذا القرار "قد يؤدي إلى زيادة نفوذ عصابات الجريمة المنظمة في المكسيك على القضاة".

وسارعت حكومة الولايات المتحدة الأميركية إلى انتقاد التعديلات على منظومة القضاء من خلال سفيرها في المكسيك كين سالازار، الذي صرح بأن تمريرها سيدفع الحكومة الأميركية إلى إعادة النظر في الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية بين البلدين، والتي تصل قيمتها إلى 807 مليارات دولار أميركي.

فنزويلا بين التصعيد والدبلوماسية

تأثير نتائج الانتخابات الرئاسية سيمتد كذلك إلى فنزويلا، التي شهدت، في أغسطس الماضي، فوز الرئيس نيكولاس مادورو بولاية ثالثة، ما أثار موجة انتقادات وتشكيك في نزاهة الانتخابات من عدة دول، على رأسها الولايات المتحدة التي أعلنت تأييدها لفوز المرشح المعارض إدموندو جونزاليس.

ومع أن هذه الأزمة لا تعد الأولى بين البلدين، حيث يعد تاريخ علاقاتهما "الأكثر تقلباً" في أميركا اللاتينية، إلا أن خيسوس روندون، أستاذ العلوم السياسية والاجتماعية في جامعة فنزويلا، يقول لـ"الشرق" إن "العلاقات الأميركية الفنزويلية تتأثر بشكل كبير بالسياسات التي تتبعها الإدارة الأميركية تجاه هذا البلد الغني بالنفط، والذي يعاني من أزمة اقتصادية وسياسية خانقة".

وأضاف: "مع اقتراب الانتخابات في الولايات المتحدة، تبرز احتمالات مختلفة لمستقبل هذه العلاقات بناءً على نتيجة الانتخابات، سواء بفوز دونالد ترمب أو كامالا هاريس".

وتوقع أن تتخذ العلاقات الأميركية مع فنزويلا مساراً أكثر تشدداً في حال فوز ترمب، مشيراً إلى أن الرئيس الجمهوري السابق اتبع أثناء ولايته سياسة "الضغط الأقصى" على نظام الرئيس نيكولاس مادورو.

وفرضت إدارة ترمب سلسلة من العقوبات الاقتصادية والمالية الصارمة على حكومة فنزويلا وشركات النفط التابعة لها مثل PDVSA، ما أدى إلى تراجع إنتاجها من 2.5 مليون برميل يومياً إلى أقل من 500 ألف برميل، كما دعمت واشنطن بشكل علني المعارضة.

ويرى متابعون أن عودة ترمب إلى البيت الأبيض تعني دعماً أكبر للمعارضة الفنزويلية بهدف الضغط من أجل الإطاحة بمادورو، وهو ما سيعقبه ردود فعل من نظام مادورو الذي استطاع البقاء في السلطة رغم كل الضغوط السابقة، بما في ذلك التقارب بشكل أكبر مع كل من روسيا والصين، وهو ما لا تريده الولايات المتحدة.

في المقابل، إذا فازت كامالا هاريس، يتوقع خيسوس روندون أن تتبنى إدارتها نهجاً أكثر مرونة مع فنزويلا، إذ يمكن أن تسعى إلى إعادة فتح قنوات الدبلوماسية مع نظام مادورو، في محاولة محتملة للتفاوض على تسوية سلمية للأزمة الفنزويلية، بما يشمل تخفيف بعض العقوبات الاقتصادية.

تصنيفات

قصص قد تهمك