أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس، في خطاب ألقاه عند النصب التذكاري لـ"إبادة 1994" في العاصمة الرواندية كيغالي، أنه جاء إلى رواندا "للاعتراف بمسؤولياتنا" في المجازر.
وقال ماكرون في الخطاب الذي كان موضع ترقب شديد، إن فرنسا "لم تكن متواطئة"، لكنها "فضلت لزمن طويل الصمت على النظر إلى الحقيقة".
ووُصفت زيارة ماكرون إلى رواندا بأنها "المحطة الأخيرة في تطبيع العلاقات" بين البلدين، بعد توتر استمر أكثر من 25 عاماً، على خلفية مسؤولية فرنسا في إبادة "التوتسي".
وألقى ماكرون خطابه عند النصب التذكاري، حيث ترقد رفات 250 ألف شخص من أصل أكثر من 800 ألف غالبيتهم من قبيلة "التوتسي"، وقعوا ضحية إحدى المآسي الأكثر دموية في القرن العشرين.
"شجاعة هائلة"
من جانبه، قال رئيس رواندا بول كاغامي، إن الخطاب الذي ألقاه ماكرون، عند النصب التذكاري، ينم عن "شجاعة هائلة" معتبراً خلال مؤتمر صحافي مشترك أنه "أهم من اعتذارات".
وافتتح كاغامي المؤتمر الصحافي في القصر الرئاسي في كيغالي مشيداً بخطاب ماكرون "القوي الذي يحمل مغزى خاصاً".
وقال: "كلامه كان أهم من اعتذار، كان الحقيقة"، معتبراً أن ماكرون أبدى "شجاعة هائلة".
وأضاف "هذه الزيارة تتحدث عن المستقبل، ليس عن الماضي. فرنسا ورواندا ستحسنان علاقاتهما بما يخدم مصلحة شعبينا اقتصادياً وسياسياً وثقافياً".
وتابع: "لكن العلاقة بين بلدينا لن تكون أبداً تقليدية تماماً. ثمّة ألفة خاصة ناتجة عن التاريخ الفظيع والمعقد الذي نتقاسمه في السراء والضراء. نتمنى إقامة علاقة قوية ودائمة، مبنية على أولويات ذات قيمة لكلينا، فرنسا ورواندا".
"أخطاء جسيمة"
وزار ماكرون قبل ذلك "متحف كيغالي"، حيث تتعاقب ألواح ومقاطع فيديو لشهادات وواجهات تعرض فيها جماجم وعظام وثياب ممزقة، تذكر بالمجازر التي وقعت بين أبريل ويوليو 1994.
وأعلن المتحدث باسم الحكومة الفرنسية غابريال أتال، أن "عزم رئيس الجمهورية على النظر إلى تاريخنا، إلى ماضينا، بدون مواربة وبشفافية تامة، هو أفضل وسيلة للمضي قدماً".
ومضى ماكرون أبعد من أسلافه، خاصة نيكولا ساركوزي، الذي كان أول رئيس فرنسي زار كيغالي منذ الإبادة الجماعية التي ارتكبت عام 1994، وأقر خلال زيارته بـ"أخطاء جسيمة"، و"نوع من التعامي" من جانب السلطات الفرنسية، كانت لهما "عواقب مأسوية تماماً".
لكن هذه التصريحات لم تنجح في تطبيع العلاقات بين كيغالي وباريس، التي مرّت منذ ذلك الحين بمراحل من التوتر الشديد.
وباشر ماكرون سلسلة من المبادرات للخروج من تلك الأزمة، وآخرها صدور تقرير في مارس أُعد تحت إشراف المؤرخ فينسان دوكلير، حول دور فرنسا قبل وخلال الإبادة الجماعية، التي بدأت غداة مقتل الرئيس جوفينال هابياريمانا من قبيلة "الهوتو"، عند إسقاط طائرته في 6 أبريل 1994.
وخلص التقرير إلى "المسؤوليات الجسيمة والمروعة" لفرنسا، و"تعامي" الرئيس الأسبق |فرنسوا ميتران ومحيطه حيال جنوح حكومة "الهوتو" المدعومة آنذاك من باريس، إلى العنصرية والإبادة الجماعية.
صفحة جديدة
وصرح رئيس رواندا بول كاغامي، أنه بإمكانه "تقبل" هذه الخلاصات، التي أكدها لاحقاً تقرير وضعه مكتب محامين بطلب من كيغالي.
وقال في مقابلة أجرتها معه مجلة "جون أفريك"، "أعتقد أنه رغم نقاط التباين الطفيفة في استخلاصاتهما، فإن هذين التقريرين يرسيان قواعد متينة، لبناء علاقة أفضل بين بلدينا".
ورأى مدير المنظمة غير الحكومية "إيجيس تراست"، المشرفة على إدارة النصب التذكاري، فريدي موتانغوها: "سيكون أمراً جيداً أن يقدم إيمانويل ماكرون اعتذارات، لكن زيارته وتقرير دوكلير يشكلان بالأساس إشارتين قويتين، أصدرتهما فرنسا من أجل المصالحة".