بطارية داخل الأجهزة تخفي كمية صغيرة من المتفجرات وأداة تفجير لا تكشفها الأشعة

كيف وقع "حزب الله" في فخ الـ "بيجر" الذي نصبته إسرائيل؟

لبنانيون خارج المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت (AUBMC) عقب انفجار أجهزة النداء التي تستخدمها جماعة "حزب الله"، بيروت، لبنان. 17 سبتمبر 2024 - Reuters
لبنانيون خارج المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت (AUBMC) عقب انفجار أجهزة النداء التي تستخدمها جماعة "حزب الله"، بيروت، لبنان. 17 سبتمبر 2024 - Reuters
بيروت-رويترز

حملت بطاريات أجهزة الاتصال "بيجر" Pager المفخخة التي وصلت إلى لبنان في بداية العام الجاري، جزءاً من مخطط إسرائيلي لتدمير جماعة "حزب الله" اللبنانية، عبر ملامحها الخادعة ونقطة ضعف واحدة.

ووفقاً لمصدر لبناني لديه معرفة مباشرة بأجهزة "البيجر" وصور لتحليل مفصل للبطاريات، اطلعت عليه "رويترز"، صمم العملاء الذين صنعوا الأجهزة، بطارية تخفي كمية صغيرة، لكنها قوية من المتفجرات البلاستيكية وأداة تفجير جديدة لا تكشفها الأشعة السينية.

وللتغلب على نقطة الضعف التي تتمثل في عدم وجود خلفية معقولة عن المنتج الجديد، أنشأوا متاجر وصفحات وهمية، وكتبوا منشورات مضللة على الإنترنت لخداع "حزب الله" عندما يحاول التحقق من الأجهزة، وفقاً لمراجعة أجرتها "رويترز" لصفحات أرشيفية على الإنترنت.

ويُلقي التلاعب بتصميم أجهزة "البيجر" المفخخة والقصة التي تم نسجها بعناية للتمويه على خصائص البطارية، واللذان يتناولهما هذا التقرير لأول مرة، الضوء على تنفيذ عملية استغرق إعدادها سنوات، ووجهت ضربات غير مسبوقة للجماعة اللبنانية المدعومة من إيران، ودفعت الشرق الأوسط نحو شفا حرب إقليمية.

ووفقاً للمصدر اللبناني والصور، تم زرع ورقة مربعة رقيقة تحتوي على ستة جرامات من المتفجرات البلاستيكية من نوع "بنتا إريثريتول تيترانيترات" (PETN) بين خليتين متعامدتين في البطارية.

وأضاف المصدر أن المساحة المتبقية بين خلايا البطارية لم تظهر في الصور، بل كانت مملوءة بشريط من مادة شديدة الاشتعال تؤدي دور المفجر.

وأظهرت الصور أن هذه التوليفة ذات الطبقات الثلاث، تم إدخالها في غلاف بلاستيكي أسود، وزرعها داخل غلاف معدني بحجم علبة الثقاب تقريباً.

أجهزة
أجهزة نداء Pager معروضة في غرفة اجتماعات بمقر شركة "جولد أبولو" في تايبيه بتايوان في 18 سبتمبر 2024- Reuters

وقال المصدر وخبيران بالقنابل، إن هذه التركيبة لم تكن عادية، لأنها لم تعتمد على مفجر عادي، وعادة ما يكون عبارة على شكل أسطوانة معدنية. وتحدث الثلاثة بشرط عدم الكشف عن هوياتهم.

ودون أي مكونات معدنية، كانت المادة المستخدمة في إحداث التفجير ذات حواف مثل المتفجرات البلاستيكية، التي لم يتم اكتشافها بالأشعة السينية.

وقال شخصان مطلعان على الأمر، إن "حزب الله" بحث عند استلام الأجهزة، في فبراير الماضي، عن وجود متفجرات، واستعان في ذلك بتمرير الأجهزة على الماسحات التي تستخدم في المطارات لتجربة ما إذا كانت ستتسبب في انطلاق الإنذار، لكن الاختبار لم يكشف عن أي شيء مريب.

سرعة نفاذ البطارية

وقال خبيرا القنابل اللذان عرضت عليهما "رويترز" تصميم القنبلة إن الأجهزة ربما تم إعدادها لتوليد شرارة داخل حزمة البطارية، بما يكفي لإشعال المادة المتفجرة، وتحفيز الشريحة المصنوعة من "بنتا إريثريتول تيترانيترات" على الانفجار.

وأضافا أن المتفجرات واللفائف كانت تشغل نحو ثلث حجم البطارية، لذا فإن الأخيرة كانت تحمل توفر قدراً ضئيلاً من الطاقة بما يتفق مع وزنها الذي يبلغ 35 جراماً.

وقال بول كريستنسن، الخبير في بطاريات الليثيوم بجامعة نيوكاسل البريطانية: "هناك كمية كبيرة من الكتلة غير المحسوبة".

وقال المصدر اللبناني إن "حزب الله" لاحظ في مرحلة ما أن البطارية كانت تنفد بسرعة أكبر من المتوقع، ومع ذلك، لم يبدو أن القضية أثارت مخاوف أمنية كبيرة، إذ كانت الجماعة لا تزال تسلم أعضاءها أجهزة النداء قبل ساعات من الهجوم.

وفي 17 سبتمبر، انفجرت آلاف أجهزة النداء في وقت واحد في الضاحية الجنوبية لبيروت ومعاقل "حزب الله" الأخرى، في معظم الحالات بعد أن أصدرت الأجهزة إشارة صوتية، ما يشير إلى رسالة واردة.

ورأى شهود عيان من "رويترز" أن بين الضحايا الذين نقلوا إلى المستشفى، كان العديد منهم مصابين بجروح في العين، أو فقدوا أصابع، أو تعرضوا لإصابات في بطونهم، ما يشير إلى قربهم من الأجهزة وقت الانفجار، وأسفر هجوم أجهزة النداء، وهجوم ثان في اليوم التالي تم فيه تنشيط أجهزة اتصال لاسلكية مفخخة، عن سقوط 39 شخصاً وإصابة أكثر من 3400.

وقال مصدران أمنيان غربيان إن جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد" وراء هجمات أجهزة النداء، وأجهزة الاتصال اللاسلكية.

ولم تتمكن "رويترز" من تحديد مكان تصنيع الأجهزة، ولم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يتمتع بسلطة على "الموساد"، لطلب التعليق، كما رفضت وزارة الإعلام اللبنانية، والمتحدث باسم حزب الله التعليق على تقرير "رويترز".

ولم تنكر إسرائيل، أو تؤكد أي دور، وفي اليوم التالي للهجمات، أشاد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، بالنتائج "المذهلة للغاية" التي حققها "الموساد" في تعليقات جرى تفسيرها على نطاق واسع في إسرائيل على أنها اعتراف ضمني بمشاركة تل أبيب.

وقال مسؤولون أميركيون إنهم لم يتلقوا إخطاراً مسبقاً بالعملية.

الحلقة الضعيفة

ظاهرياً، بدا مصدر الطاقة لجهاز النداء وكأنه حزمة بطارية "ليثيوم أيون" تقليدية مثل تلك التي تستخدم في آلاف الأجهزة الإلكترونية. 

ومع ذلك، كانت البطارية، التي تحمل علامة LI-BT783، تعاني من مشكلة مثل جهاز النداء، لم تكن موجودة في السوق. لذا، ابتكر عملاء إسرائيل خلفية من الصفر.

وقال ضابط استخبارات إسرائيلي سابق، لم يكن مشاركاً في عملية "بيجر"، لـ"رويترز" إن "حزب الله" لديه إجراءات مشددة للتحقق مما يشتريه.

وتقول "رويترز" إن خلق القصص أو "الأساطير" للعملاء السريين مهارة أساسية لوكالات التجسس منذ فترة طويلة، وما جعل مؤامرة أجهزة النداء غير عادية، هو أن هذه المهارات طبقت على منتجات إلكترونية.

مصاب يخضع لعملية جراحية بعد تفجيرات أجهزة النداء في مستشفى بالعاصمة اللبنانية بيروت في 18 سبتمبر 2024
مصاب يخضع للعلاج بعد إصابته في تفجيرات أجهزة النداء، داخل مستشفى بالعاصمة اللبنانية بيروت. 18 سبتمبر 2024 - Reuters

وبالنسبة لأجهزة النداء، خدع العملاء الإسرائيليون "حزب الله" من خلال بيع النموذج المصمم خصيصاً، AR-924، تحت علامة تجارية تايوانية موجودة ومشهورة، Gold Apollo.

وقال رئيس شركة Gold Apollo، هسو تشينج كوانج، للصحافيين بعد يوم من هجوم أجهزة النداء إنه تم الاتصال به قبل حوالي 3 سنوات من قبل موظفة سابقة، تيريزا وو، و"رئيسها الكبير، المسمى توم" لمناقشة اتفاقية ترخيص.

وأضاف كوانج، أنه كان لديه معلومات ضئيلة عن رئيس "وو"، لكنه منحهم الحق في تصميم منتجاتهم الخاصة وتسويقها تحت العلامة التجارية Gold Apollo المنتشرة على نطاق واسع.

ولم تتمكن "رويترز" من تحديد هوية المدير، أو التأكد مما إذا كان هو أو (وو) يعملان عن علم مع المخابرات الإسرائيلية.

وقال الرئيس التنفيذي لـ Gold Apollo إنه لم ينبهر بجهاز AR-924 عندما رآه، ولكنه أضاف صوراً، ووصفاً للمنتج إلى موقع شركته على الإنترنت، ما ساعد في منحه نوعاً من الدعاية والمصداقية. ولم تكن هناك طريقة لشراء AR-924 مباشرة من موقعه على الإنترنت.

وأشار كوانج إلى أنه لا يعرف شيئاً عن "الخصائص القاتلة" لأجهزة النداء أو العملية الأوسع لمهاجمة "حزب الله"، ووصف شركته بأنها ضحية للمؤامرة.

ورفضت شركة Gold Apollo تقديم مزيد من التعليقات. ولم يتم الرد على المكالمات والرسائل المرسلة إلى (وو)، ولم تدل ببيان لوسائل الإعلام منذ الهجمات.

"أعرف هذا المنتج"

في سبتمبر 2023، أضيفت صفحات على الإنترنت وصور تعرض AR-924 وبطاريته إلى موقع apollosystemshk.com، وهو موقع يقول إنه يملك ترخيصاً لتوزيع منتجات Gold Apollo، بالإضافة إلى جهاز النداء القوي وبطاريته الضخمة، وفقاً لمراجعة "رويترز" لسجلات الإنترنت والبيانات الوصفية.

وقدم الموقع عنواناً في هونج كونج لشركة تسمى Apollo Systems HK. ولا توجد شركة بهذا الاسم في العنوان المذكور، أو في سجلات الشركات في هونج كونج.

ومع ذلك، أدرجت (وو) سيدة الأعمال التايوانية، الموقع على صفحتها على Facebook وكذلك في سجلات التأسيس العامة عندما سجلت شركة تسمى Apollo Systems في تايبيه في وقت سابق من العام الجاري.

وركز قسم من موقع apollosystemshk.com المخصص لبطارية LI-BT783 على الأداء المتميز للبطارية.

وعلى عكس البطاريات التي تستخدم لمرة واحدة، والتي كانت تشغل أجهزة النداء من الجيل الأقدم، وكانت هذه البطاريات قادرة على الاستمرار في العمل لمدة 85 يوماً، ويمكن إعادة شحنها عبر كابل USB، ووفقاً للموقع الإلكتروني وفيديو ترويجي مدته 90 ثانية على YouTube.

وفي أواخر عام 2023، ظهر متجران للبطاريات على الإنترنت يظهران البطارية من طراز LI-BT783 في كتالوجاتهما، وفقاً لـ"رويترز". 

وفي منتديين عبر الإنترنت مخصصين للبطاريات، ناقش المشاركون خصائص البطارية، على الرغم من عدم توفرها للبيع.

وكتب مستخدم باسم Mikevog في أبريل 2023: "أعرف هذا المنتج، إنه يحتوي على ورقة بيانات رائعة وأداء رائع". ولم تتمكن رويترز من تحديد هوية هذا المستخدم.

وقال ضابط المخابرات الإسرائيلي السابق واثنان من ضباط الأمن الغربيين لـ"رويترز" إن الموقع الإلكتروني والمتاجر عبر الإنترنت والنقاشات على المنتديات، تظهر بشكل جلي الجهود المبذولة للخداع.

وتم حذف المواقع الإلكترونية من الإنترنت بعد عملية التفجير، لكن النسخ المؤرشفة والمخزنة لا تزال قابلة للعرض.

تحقيق داخلي

وقال زعماء "حزب الله"، إنهم بدأوا تحقيقات داخلية لفهم كيفية حدوث الاختراق الأمني ​​وتحديد الجواسيس المحتملين.

وتحولت الجماعة إلى استخدام أجهزة النداء في بداية العام، بعدما أدركت أن اتصالات الهاتف المحمول أصبحت تشكل خطراً بسبب مخاوف من التنصت الإسرائيلي، حسبما ذكرت وكالة "رويترز" في وقت سابق.

وقال أحد الأشخاص المطلعين على الأمر، إن تحقيقات "حزب الله" ساعدت في الكشف عن كيفية استخدام عملاء إسرائيليين لتكتيك مبيعات مكثف للتأكد من أن مدير المشتريات في "حزب الله" اختار AR-924.

وقال المصدر إن مندوب المبيعات قدم أجهزة النداء بأسعار مخفضة للغاية، "وظل يخفض السعر حتى تم جذب مدير المشتريات".

وأدانت السلطات اللبنانية الهجمات باعتبارها انتهاكاً خطيراً لسيادة لبنان. وفي 19 سبتمبر، في آخر خطاب له قبل اغتياله في غارة إسرائيلية، قال زعيم "حزب الله"، حسن نصر الله، إن انفجارات الأجهزة ترقى إلى "إعلان حرب" وتعهد بمعاقبة إسرائيل.

وفي أعقاب هجوم الـ "بيجر"، شنت إسرائيل حرباً شاملة على "حزب الله"، بما في ذلك غزو بري لجنوب لبنان وغارات جوية قتلت معظم قياداته العليا، بحسب "رويترز".

وواجه التحقيق الداخلي الذي فتحه "حزب الله" في هجوم أجهزة النداء، والذي لا يزال جارياً، انتكاسة في 28 سبتمبر، فبعد 11 يوماً من انفجار الأجهزة، قتلت المسؤول الكبير في "حزب الله"، نبيل قاووق، والمكلف بقيادة التحقيق، في غارة جوية إسرائيلية.

تصنيفات

قصص قد تهمك