المستشار النمساوي لـ"الشرق": الدول التي ستتعاون في ملف الهجرة ستستفيد من مساعدات اقتصادية وأمنية

القمة الأوروبية.. تشديد سياسات الهجرة وتباين بشأن حرب إسرائيل في غزة

قادة الاتحاد الأوروبي والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي وزعماء آخرون يقفون لالتقاط صورة جماعية في ختام القمة الأوروبية ببروكسل. 17 أكتوبر 2024 - Reuters
قادة الاتحاد الأوروبي والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي وزعماء آخرون يقفون لالتقاط صورة جماعية في ختام القمة الأوروبية ببروكسل. 17 أكتوبر 2024 - Reuters
بروكسل-حسين الوائلي

تصدّرت أزمة الهجرة والحرب في أوكرانيا وغزة أجندة زعماء الاتحاد الأوروبي خلال قمتهم التي انطلقت في بروكسل، الخميس، إذ تشهد دول المنظومة اختلافات بشأن سياساتها تجاه هذه الأزمات.

وتحدث عدد من القادة الأوروبيين لـ"الشرق"، عن رؤيتهم للسبل التي يعتقدون أنه الأفضل لمواجهة التحديات القائمة.

وتتمحور الفكرة الأوروبية الجديدة حول ما يتعلق بقضية الهجرة في إنشاء ما يُعرف بـ"مراكز العودة"، وهي عبارة عن منشآت تقع خارج الاتحاد الأوروبي، يتم نقل المهاجرين الذين تم رفض طلبات لجوئهم إليها، وذلك بانتظار "ترحيلهم الآمن" إلى بلدانهم الأصلية.

وتتبنى فرنسا وألمانيا والنمسا وهولندا، إضافة إلى عدد من الدول الإسكندنافية، موقفاً متشدداً بشأن استقبال اللاجئين، سبقتهم إليه إيطاليا بقيادة رئيسة الوزراء اليمينية جورجيا ميلوني. كما تبحث دول أخرى على غرار هولندا إمكانية ترحيل طالبي اللجوء الأفارقة المرفوضين إلى أوغندا.

وكان رئيس الوزراء المجري اليميني فيكتور أوربان، هدد بإرسال المهاجرين من المجر بالحافلات إلى الميدان الكبير التاريخي وسط بروكسل، على مرمى حجر من مؤسسات الاتحاد الأوروبي التي تستضيف القمة الحالية.

عقبات قانونية

وأوضحت أكاتيرينا أكسينج المتحدثة الرسمية باسم رئيس المجلس الأوروبي، لـ"الشرق"، أن فكرة ترحيل المهاجرين إلى أوغندا لم تُطرح بعد بشكل جدي في المناقشات الجارية بين قادة الاتحاد الأوروبي، لافتةً إلى أن هناك العديد من الأفكار المطروحة، لكن لم يتم التوصل بعد إلى توافق في الآراء بشأن أي منها.

بدورها، أكدت أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية، أن المناقشات بشأن آلية عمل مراكز استقبال اللاجئين المقترحة لا تزال مستمرة، إذ يتم البحث عن دولة ثالثة آمنة لاستضافتها، وتحديد مدة احتجاز المهاجرين فيها، فضلاً عن دراسة الحلول البديلة في حال تعذر ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية.

وقال المستشار النمساوي كارل نيهامر لـ"الشرق"، إن الآلية ليست كما يُروج لها بخصوص الترحيل، بل تعتمد على مفهوم (رابح-رابح)، أي أن كلا الطرفين رابح من هذه المعادلة، في إشارة إلى البلدان التي ستستقبل اللاجئين المرحلين من دول الاتحاد الأوروبي.

وأضاف: "الدول التي ستتعاون في ملف الهجرة ستستفيد من مساعدات اقتصادية وأمنية، ما يجعل عملية استرداد المهاجرين مربحة للطرفين على المدى الطويل".

ويأتي هذا التشدد في لهجة زعماء منظومة اليورو تزامناً مع انخفاض عدد عمليات العبور غير القانونية التي رُصدت على حدود الاتحاد الأوروبي، بنسبة 42% خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بحسب تقارير صادرة من وكالة مراقبة الحدود الأوروبية "فرونتكس".

وفي تصريحات على هامش القمة، أكد دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى طلب عدم الكشف عن هويته لـ"الشرق"، أن عملية ترحيل الأجانب إلى دول ثالثة تُواجه عقبات قانونية وإجرائية كبيرة، ما يجعل تنفيذها على أرض الواقع أمراً شائكاً.

ورأى الخبير في العلاقات الأوروبية لورنزو كانسولي، أن المقترح الأوروبي المتعلق بترحيل المهاجرين، والذي تم تجنّب تسميته صراحة، يتعارض مع قواعد القانون الدولي والأوروبي الدولية، مشيراً إلى أن "شرعية مثل هذه الإجراءات مشروطة بضمان أن يكون بلد المقصد آمناً للمهاجرين، وهو شرط يصعب توفيره في ظل الأزمات المستمرة، لا سيما في الشرق الأوسط".

وتابع: "يبدو أن القادة الأوروبيين يسعون إلى إيجاد حلول قانونية لتبرير سياسات قد لا تكون متوافقة مع القيم التي يدعونها، وذلك تحت ضغط تصاعد الشعبوية اليمينية".

ومع استمرار الأحزاب اليمينية في بعض الدول الأوروبية بتحقيق مكاسب انتخابية، يضغط زعماء في منظومة اليورو على بروكسل لتشديد سياسات الهجرة، إذ دعا حزب "الشعب"، الكتلة الأكبر في البرلمان الأوروبي، إلى ضرورة وضع سياسة موحدة للعودة القسرية للمهاجرين، تشمل معايير وإجراءات واضحة.

وشدد الحزب على ضرورة إعادة تعريف مفهوم "البلد الثالث الآمن" بحلول يونيو 2025، لتسهيل عمليات الترحيل.

ومن بين 484 ألف شخص من خارج الاتحاد الأوروبي، صدرت لهم أوامر بالمغادرة العام الماضي، عاد 20% فقط إلى أوطانهم. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، إن العمل جارٍ على رفع هذا العدد، لافتةً إلى أنها ستقدم قريباً قانوناً للتعامل مع هذا الملف.

تباين أوروبي حول الحرب

أظهرت مواقف القادة الأوروبيين تبايناً بشأن الاستجابة للحرب الإسرائيلية في الشرق الأوسط، فبينما اقترحت إيرلندا وإسبانيا، اللتان تعترفان بدولة فلسطين، تعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في غزة، يؤكد قادة آخرون استمرارهم في دعم تل أبيب وتزويدها بالأسلحة.

وقال رئيس الوزراء الإيرلندي سيمون هاريس للصحافيين خلال قمة بروكسل، إنه "من المناسب تماماً مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل".

وتابع: "سيتواصل العمل من أجل وقف الصراع في غزة، والوصول إلى حلول دائمة، وخفض التصعيد"، مشيراً إلى أن الأزمة في القطاع الفلسطيني لن تحل إلا إذا أثبتت الإسرائيليون والفلسطينيون "عزيمة وإرادة حقيقيتين لإنهاء هذا النزاع للأبد والاتفاق على تسوية".

من جانبها، اعتبرت رئيسة الوزراء الدنماركية مته فريدريكسن، في تصريحات لـ"الشرق"، أن "العودة إلى عام 2015، الذي شهدت فيه أوروبا هجمات إرهابية، كانت أعنفها تلك التفجيرات التي وقعت في باريس وبروكسل، ليست خياراً، مشددةً على ضرورة أن "يتكرر المشهد"، في إشارة إلى ربط هجمات المتطرفين في أوروبا بالأحداث الجارية في الشرق الأوسط.

وقالت فريدريكسن إن الوضع في غزة ولبنان "غاية في الصعوبة، ويجب على جميع الأطراف خفض التصعيد"، مؤكدة في الوقت نفسه على ضرورة "أن تراعي إسرائيل قواعد القانون الدولي حتى في إطار حماية نفسها".

وأضافت أن غزة تحتاج إلى الكثير من المساعدات الإنسانية. وفيما يتعلق بالهجمات المتكررة على قوات حفظ السلام في لبنان "يونيفيل"، رأت فريدريكسن أن "هناك الكثير من التفاصيل التي نجهلها، لكن الاعتداء على البعثة الأممية غير مقبول".

وأعرب البيان الختامي للقمة الأوروبية عن "بالغ القلق" إزاء التصعيد العسكري الخطير في الشرق الأوسط، محذراً من عواقبه الوخيمة على الأمن والاستقرار الإقليميين.

ودعا القادة الأوروبيون المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لوقف الأعمال العدائية فوراً، والعمل على إيجاد حل سياسي عادل ودائم للأزمة، مع التأكيد على ضرورة احترام القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي.

تصنيفات

قصص قد تهمك