من صور اللبنانية إلى قم الإيرانية وصولاً إلى الضاحية الجنوبية في بيروت.. 3 محطات رئيسية لا تلخص مسيرة هاشم صفي الدين، الذي كان ينظر إليه كثيرون باعتباره الخليفة المرتقب لصديق العمر وابن الخالة زعيم جماعة "حزب الله" حسن نصر الله.
درس الاثنان معاً في قم، قبل أن يبادر زعيم "حزب الله" في العام 1994 إلى استدعاء رفيقه من إيران إلى لبنان. وبعد 30 عاماً من السير في طريق واحد معاً، رحل "حسن" عن الدنيا في العام 2024 ليلحق به "هاشم" بعد أيام قليلة، وبالطريقة نفسها، في المدينة نفسها، بيروت، بعد غارة إسرائيلية أيضاً.
عائلة هاشم صفي الدين
ولد هاشم صفي الدين في عام 1964 في بلدة دير قانون النهر بمنطقة صور جنوب لبنان، ومن عائلة لها "حضور قوي" بالمعيار الاجتماعي، إذ ضمت العديد من رجال الدين البارزين، بالإضافة إلى أحد أشهر نواب المنطقة في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، وهو محمد صفي الدين (1912 - 2006)، الذي كان وزيراً في عهد 3 رؤساء للجمهورية اللبنانية تحت قيادة 3 رؤساء للحكومة بالإضافة إلى العديد من رجال الدين البارزين، بحسب صحيفة "الشرق الأوسط".
سعى هاشم صفي الدين، وهو لا يزال في عمر صغير نسبياً، إلى الزواج قبل السفر لإكمال دراسته الدينية في مدينة قم الإيرانية، التي كانت تشهد في تلك الفترة اتساعاً متزايداً بعدد طلابها ونفوذها السياسي والديني بعد الثورة الإيرانية عام 1979، كرديف لمدارس النجف الدينية التي تدهور دورها نسبياً خلال حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
وأراد صفي الدين أن يكون زواجه من عائلة متدينة، وأن يصاهر أحد رجال الدين، فكان أن تزوج من ابنة السيد محمد علي الأمين، عضو الهيئة الشرعية في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.
غادر صفي الدين إلى قم ملتحقاً بابن خالته نصر الله. ويقول بعض معارف العائلة إن صفي الدين كان أحد ثلاثة كانوا موضع عناية واهتمام عماد مغنية، المسؤول الأمني البارز لـ"حزب الله"، الذي اغتيل في دمشق في فبراير 2008 في ظروف ما زالت غامضة.
هؤلاء الثلاثة هم حسن نصر الله، ونبيل فاروق أحد أبرز قادة الحزب، وصفي الدين نفسه، موضحين أن مغنية هو من أرسل هذا الثلاثي إلى قُم، وسهّل أمورهم هناك.
وعاد هاشم صفي الدين إلى لبنان في تسعينيات القرن العشرين لتولي مسؤوليات قيادية في الجماعة.
هاشم صفي الدين وإيران
حافظ هاشم على علاقة وثيقة بإيران، بدأت من مرحلة الدراسة الدينية في مدينة قم الإيرانية، ثم التأهيل تحت مظلة جماعة "حزب الله" التي ينظر إليها باعتبارها ذراعاً عسكرياً شيعياً لإيران في لبنان، التي مزقتها الطائفية في القرن العشرين.
وحافظ على علاقات قوية مع داعمي حزب الله في إيران، كما أن شقيقه عبد الله يشغل منصب ممثل "حزب الله" في طهران.
وابنه رضا متزوج من ابنة القائد الإيراني الراحل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني حتى اغتياله في هجوم بطائرة مسيرة أميركية في العاصمة العراقية بغداد عام 2020.
حسن نصر الله وهاشم صفي الدين
ويُشبه صفي الدين ابن خالته حسن نصر الله في الشكل والجوهر، وحتى في لثغة الراء. وأُعد لخلافته منذ عام 1994، حين استدعاه نصر الله من قُم إلى بيروت، ليتولى رئاسة المجلس التنفيذي الذي يعتبر حكومة الحزب.
وبصفته رئيساً للمجلس التنفيذي، لعب صفي الدين دوراً شبهه البعض بدور رئيس وزراء الحكومة، المسؤول عن مجموعة من مؤسسات حزب الله المشاركة في الرعاية الصحية والتعليم والثقافة والبناء وغيرها من الأنشطة.
وكان صفي الدين "ظل" نصر الله بامتياز، والرجل الثاني داخل الحزب. وعلى مدى 3 عقود، أمسك الرجل بكل الملفات اليومية الحساسة، من إدارة مؤسسات الحزب إلى إدارة أمواله واستثماراته في الداخل والخارج، تاركاً الملفات الاستراتيجية بيد نصر الله.
وقاد صفي الدين جهود إعادة بناء الضاحية الجنوبية، التي يسيطر عليها "حزب الله" في بيروت في أعقاب حرب الجماعة مع إسرائيل عام 2006، عندما "دمرت الغارات الجوية الإسرائيلية مساحات شاسعة من المنطقة".
وفي خطاب ألقاه عام 2012، قال صفي الدين إن "إعادة الإعمار بعد الحرب كانت انتصاراً جديداً على إسرائيل"، وفقاً لـ"رويترز".
أميركا والحرب على غزة
وفي العام 2017 وضعته وزارة الخارجية الأميركية على قوائم الإرهاب، ورداً على الضغوط الأميركية على الجماعة في العام نفسه، قال: "هذه الإدارة الأميركية المعاقة والمجنونة بقيادة الرئيس الأسبق دونالد ترمب لن تتمكن من المقاومة، ولن يحصلوا على شيء".
ومع الحفاظ على البقاء بعيداً عن دوائر الضوء، جاءت أحداث حرب غزة، فكان صفي الدين هو أول قيادي في "حزب الله" يتحدث علناً بعد أن هاجمت حركة "حماس" جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر2023، ما أشعل فتيل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة الفلسطيني، ودفع الجماعة إلى الدخول في صراع مواز مع إسرائيل.
وبينما كان المراقبون ينتظرون ليروا ما قد يقدم عليه "حزب الله" لمساعدة "حماس"، قال صفي الدين أمام حشد من الجماعة في الضاحية الجنوبية لبيروت في الثامن من أكتوبر 2023: "الأمة معكم.. قلوبنا معكم، عقولنا معكم، أرواحنا معكم. تاريخنا وبنادقنا وصواريخنا معكم. وكلنا عندنا معكم"، وفقاً لـ"رويترز".
ومع ذلك حافظ "حزب الله" على ما كان يسميه "قواعد الاشتباك مع العدو"، عبر إطلاق عدد محدود من القذائف على أهداف عسكرية محددة، لم يرافقها الإعلان من إسرائيل أو حزب الله عن تحقيق خسائر ذات مغزى، باستئناء الغارت الإسرائيلية التي كانت تقتل عناصر من الجماعة اللبنانية بدعوى الرد على تلك الرشقات الصاروخية.
وكان هاشم صفي الدين يلقي خطابات في مراسم التشييع والجنازات، التي كان حسن نصر الله قد تجنبها لفترة طويلة؛ لأسباب أمنية.
وتطور الصراع حتى باغتت إسرائيل "حزب الله" بعملية تفجير أجهزة "البيجر"، التي يشوبها الكثير من الغموض، لتبدأ إسرائيل عمليات اغتيال واسعة لقادة الجماعة اللبنانية، حتى طالت الأمين العام حسن نصر الله نفسه، ليجد صفي الدين نفسه مسؤولاً عن تولي شؤون الجماعة إلى جانب نائب الأمين العام نعيم قاسم من بعده.
وبصفته رئيساً للمجلس التنفيذي للجماعة، أشرف على شؤونها المالية والإدارية، كما أنه عضو في (مجلس الجهاد) الذي يدير العمليات العسكرية للجماعة.
إسرائيل تغتال هاشم صفي الدين
لم يسمح الوقت لهاشم صفي الدين بفعل أي شيء، فلم يتمكن من الحزن بشكل كاف عل ابن خالته حسن نصر الله، ولم يتمكن من معرفة الظروف الغامضة التي أدت إلى تمكين إسرائيل من اغتيال رفيقه في 27 سبتمبر 2024.
ولم تكد تمر أيام قليلة، حتى شنت إسرائيل غارة جديدة على بيروت في ليلة 3 أكتوبر 2024، ليلحق صفي الدين بابن خالته سريعاً، لكن حالة من الغموض سادت مصيره منذ ذلك الحين، حتى خرج الجيش الإسرائيلي بعد نحو 3 أسابيع ليؤكد، في بيان، أنه تمكن من اغتياله في تلك الغارة التي شنها "بتوجيه استخباراتي على مقر قيادة ركن الاستخبارات في حزب الله الواقعة تحت الأرض بقلب المجتمع المدني في منطقة الضاحية الجنوبية في بيروت".
ووصف البيان الإسرائيلي هاشم صفي الدين بأنه كان له تأثير كبير على عملية اتخاذ القرارات في "حزب الله" بمواضيع مختلفة وخلال أوقات غياب نصرالله عن لبنان، وقام بأعماله.
كما أشار إلى أنه كان عضواً في مجلس شورى حزب الله، "وهو المنتدى العسكري والسياسي الأعلى والمسؤول عن اتخاذ قرارات الحزب.. وسياسته".