"خلافة الأرامل" في الكونجرس.. قصص نجاح من "الحداد" إلى "القيادة"

النائبة الأميركية إديث روجرز (جمهورية من ولاية ماساتشوستس) تحمل مطرقة رئيس مجلس النواب خلال جلسة عام 1929 - department.va.gov
النائبة الأميركية إديث روجرز (جمهورية من ولاية ماساتشوستس) تحمل مطرقة رئيس مجلس النواب خلال جلسة عام 1929 - department.va.gov
واشنطن-رشا جدة

تعرف السياسة الأميركية تقليداً راسخاً يُطلق عليه "خلافة الأرامل"، حيث ترث النساء مقاعد أزواجهن في الكونجرس، كبديل مؤقت.

وعادة ما تكون فترة خدمة السيدة التي يتوفى زوجها وهو عضو في الكونجرس قصيرة، إذ تستمر إلى حين التوصل لحل دائم. ومع ذلك، نجحت بعض النساء في استغلال هذه الفرصة لإثبات كفاءتهن وقدرتهن على القيادة، ما سمح لهن بالبقاء في المقعد لزمن أطول من التوقع.

وكانت إديث نورس روجرز من ماساتشوستس، واحدة من أطول النساء خدمة في الكونجرس، إذ انتُخبت أول مرة لعضوية مجلس النواب عام 1925 بعد وفاة زوجها جون جاكوب روجرز بسبب إصابته بمرض السرطان، واستمرت في مجلس النواب لـ35 عاماً، حتى وفاتها عام 1960، قبل 3 أيام من الانتخابات التمهيدية.

رحلة 48 أرملة في السياسة

على مدى تاريخ الولايات المتحدة، شغلت 48 امرأة مقاعد شاغرة في الكونجرس نتيجة وفاة أزواجهن، 8 في مجلس الشيوخ، و40 في مجلس النواب.

ورغم أن "خلافة الأرامل" في القرن الـ20، تُعد واحدة من أكثر الطرق فعالية لإدخال النساء إلى الكونجرس، إلّا أن الفكرة لم تظهر بشكل شامل من قبل، بل جاءت كاستجابة ظرفية تتكرر حسب الحاجة، على حد قول شاونا شيمز، أستاذة العلوم السياسية في جامعة روتجرز في نيو جيرزي.

وفي حديث مع "الشرق"، أشارت شيمز إلى أول حالة معروفة في الكونجرس، هي هاتي كاراواي (1878-1950).

صورة غير مؤرخة للأميركية هاتي كاراواي أول سيدة تتولى مقعداً في مجلس الشيوخ واستمرت في منصبها لمدة 14 عاماً (1931-1945)
صورة غير مؤرخة للأميركية هاتي كاراواي أول أرملة تتولى مقعداً في مجلس الشيوخ واستمرت في منصبها لمدة 14 عاماً (1931-1945) - "Library of Congress"

كانت كاراواي سيناتورة ديمقراطية تُمثل ولاية أركنساس، قررت عام 1931 تولي مقعد مجلس الشيوخ وتمثيل الناخبين الذين كان زوجها يهتم بهم عندما توفي آنذاك، وبقيت في مقعدها حتى عام 1945.

وأضافت شيمز: "يبدو أن حالات مماثلة استمرت في الحدوث عند وفاة شخص ما بشكل غير متوقع، حيث يسعى المحيطون به إلى ملء الفراغ الذي يتركه".

وأصبحت كاراواي أول أمرأة تتولى مقعداً في مجلس الشيوخ، لكن قبلها بـ9 سنوات، شغلت ماي إيلا نولان، مقعداً في مجلس النواب.

وتُعد نولان أول أرملة تُنتخب لشغل مقعد زوجها في مجلس النواب الأميركي، حيث خلفت جون إغناطيوس نولان عام 1922 كممثلة عن ولاية كاليفورنيا. وبعد وفاته، عرض عليها مسؤولون من الحزب الجمهوري فكرة الترشح للمقعد، فقبلت ذلك وتبنت برنامجهم.

وأرجعت شيمز تمسك الأحزاب بتلك الممارسة، حينها، إلى أن الأرامل غالباً ما كنّ يحملن نفس اسم الزوج المتوفى، أو أن البنات يحملن اسم الأب، وبالتالي هناك اعتراف بهنّ من قبل الناخبين، وذلك لما يوفره اسم الزوج للمرشحة من شهرة ودعم في الدوائر الانتخابية، "وهو أمر يفضله الحزب السياسي، للحفاظ على المقعد".

الفرصة الأفضل للنساء

في بداية القرن الـ20، كان وجود النساء في الكونجرس نادراً، وهكذا بدت "خلافة الأرملة" واحدة من أكثر الطرق فعالية لإدخال النساء إلى المؤسسات السياسية الأميركية.

وترى شيمز أن تلك الممارسة تراجعت اليوم، لكنها لم تنته، بينما كانت تحدث كثيراً في الماضي.

ومنح هذا العرف الأرامل فرصة أكبر للفوز في الانتخابات لعضوية مجلس النواب، مقارنة بالنساء غير الأرامل.

وبحسب جمعية تاريخ مبنى الكابيتول بالولايات المتحدة، فازت 84% من الأرامل اللاتي ترشحن لأول مرة للكونجرس، في الفترة بين 1916 و1993، في حين لم تتجاوز نسبة النساء الأخريات اللواتي فزن 14%.

وقالت شيمز إن "خلافة الأرملة" كان في الواقع بمثابة "مساعدة كبيرة من أجل إدخال النساء إلى الحياة السياسية في السنوات الأولى، عندما كانت الأحزاب تعمل كحراس، ولم تسمح لهن بترشيح أنفسهن"، مشيرةً إلى أنها "كانت وسيلة للنساء لتصبحن مشّرعات وممثلات عن الناخبين، ومن ثم يمكن للجميع أن يتعرفوا عليهن ويروا أنهن، بالفعل، جيدات جداً في ذلك".

وفي السبعينيات، بلورت عالمة السياسة الأميركية ديان كينكايد، الفرص التي أُتيحت للأرامل، في مقال إحصائي بعنوان "على جثته.. منظور إيجابي للأرامل في الكونجرس الأميركي"، وقالت خلاله إن من بين 95 امرأة شغلن مناصب في الكونجرس قبل عام 1976، كانت 35 منهنّ زوجات لأعضاء في الكونجرس قبل ترشحهن.

وخلُصت كينكايد في مقالها إلى أن أفضل زوج للمرأة التي تطمح في دخول الكونجرس هو الزوج المتوفى، "ومن الأفضل أن يبقى عضواً في الكونجرس حتى وقت وفاته".

كيف استغلت الأرامل الفرصة في السياسة؟

ورثت الأرامل في الولايات المتحدة مقاعد أزواجهن في مؤسسات الحكم، ومارسن عملهن بطريقة مشابهة في الجدارة والكفاءة، بل تفوقن في جوانب معينة، إذ يوصفن بأنهن أكثر ليبرالية من أزواجهن

وبينما كانت النساء الديمقراطيات أكثر محافظة من أزواجهن، بدت النساء الجمهوريات أكثر تحرراً منهم.

وتُعتبر إديث روجرز الديمقراطية التي تولت المقعد خلفاً لزوجها جون روجرز، من أشد المؤيدين للمحاربين القدامى، وترأست لجنة خاصة بشؤونهم ودافعت عن زيادة الفوائد المخصصة لهم، وعن إدراج النساء في الجيش.

النائبة الأميركية إديث روجرز (الثانية من اليسار) مع زميلاتها في الكونجرس الأميركي- 1938
النائبة الأميركية إديث روجرز (الثانية من اليسار) مع زميلاتها في الكونجرس الأميركي- 1938 "smithsonianmag.com"

أما الجمهورية ماي نولان (1886-1973) التي خلفت زوجها جون نولان، عملت في لجنة حق المرأة في التصويت، وكانت أول سيّدة تقود لجنة في مجلس النواب كرئيسة للجنة النفقات في مكتب البريد، ومن خلال هذا المنصب، عملت على تحسين ظروف الأجور للعمال.

ورفضت هاتي كاراواي، وهي أول إمرأة تنتخب لمجلس الشيوخ خلفاً لزوجها، أن تشغل المنصب لفترة مؤقتة، حيث خاضت الانتخابات وبقيت في منصبها لمدة 14 عاماً، وكانت أول من ترأس لجنة في مجلس الشيوخ، هي لجنة مشاريع القوانين المسجلة.

واستطاعت عضوات الكونجرس الأرامل العمل في السياسة مثل أزواجهن الراحلين، ولم تسمع شيميز عن اختلافات كبيرة في ممارسة السلطة، باستثناء أن الأرامل ربما لم يكن ملحوظات، عادةً، مثل أزواجهن.

وأضافت أستاذ العلوم السياسية، شاونا شيمز: "لكنهن، بشكل عام، كن يخفضن رؤوسهن ويركزن على أن يكن مشرعات جيدات، ويقدمن خدمة جيدة لناخبيهن".

تصنيفات

قصص قد تهمك