أعلن المغرب وفرنسا عن شراكة استراتيجية "استثنائية وطيدة"، هي الأولى من نوعها التي توقعها باريس مع بلد خارج الاتحاد الأوروبي، خلال زيارة الدولة التي يجريها الرئيس إيمانويل ماكرون للمغرب.
ووقع ماكرون والملك محمد السادس مساء الاثنين، على الإعلان، الذي "يدشن مرحلة جديدة" من التاريخ المشترك بين المغرب وفرنسا، لتعزيز التقارب السياسي والاستراتيجي بين البلدين.
وتشمل الشراكة عدداً من القطاعات الاستراتيجية، بما في ذلك التعاون في مجال الأمن والدفاع، والبنى التحتية والطاقات المتجددة، وتدبير المياه والأمن الغذائي.
ويأتي هذا التحول في العلاقات بين البلدين، بعد "أزمة دبلوماسية صامتة"، استمرت لنحو 3 سنوات بين البلدين، بسبب عدد من الملفات، منها اتهامات للمغرب باستخدام برنامج "بيجاسوس" للتجسس، وتقليص فرنسا عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة رداً على ما رأت أنه "عدم تعاون" في ملف الهجرة غير النظامية.
الصحراء.. مفتاح المصالحة
ويعد ملف الصحراء أحد أبرز الملفات التي كانت عالقة بين المغرب وفرنسا، إذ مذ اعترفت الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء، في العام 2021 في عهد الرئيس حينها دونالد ترمب، رفع المغرب سقف توقعاته من شركائه التقليديين، في مقدمتهم فرنسا.
في خطاب ألقاه الملك محمد السادس في أغسطس 2022، أكد أن ملف الصحراء "هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم"، معتبراً بشكل مباشر أنه هو المعيار الواضح "الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات".
وكانت باريس من قبل داعماً تقليدياً للمقترح المغربي بمنح أقاليم الصحراء المتنازع عليها حكماً ذاتياً تحت السيادة المغربية، وتعتبره "مقترحاً جاداً وذا مصداقية"، لكنها في الوقت نفسه تتبنى "موقفاً وسطياً"، وتؤكد احترام المسار التفاوضي الذي ترعاه الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى تسوية ترضي جميع الأطراف. فيما تطالب جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر بتنظيم استفتاء لتقرير المصير.
غير أن الرباط كانت ترغب في موقف أكثر تقدماً، يرقى إلى مستوى الاعتراف الصريح بسيادة المغرب على الصحراء، ويدعم مقترح الحكم الذاتي باعتباره الأساس الوحيد لحل النزاع.
وتطور الموقف الفرنسي بالفعل في هذا الاتجاه، ليعلن الرئيس إيمانويل ماكرون اعترافاً بسيادة المغرب على الصحراء، ويؤكد في رسالة إلى العاهل المغربي في يوليو الماضي، أن باريس تعتبر أن "حاضر ومستقبل الصحراء يندرجان في إطار السيادة المغربية".
وفي الرسالة التي تزامنت مع تخليد الذكرى الـ25 لعيد العرش في المغرب، أكد الرئيس الفرنسي للعاهل المغربي "ثبات الموقف الفرنسي حول هذه القضية المرتبطة بالأمن القومي للمملكة"، وأن بلاده "تعتزم التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي"، وفق بيان للديوان الملكي.
هذا الموقف كان بوابة المصالحة بين باريس والرباط، إذ أشادت المملكة بالدعم الفرنسي الصريح لمغربية الصحراء، خاصة وأن فرنسا "تعرف جيداً، حقيقة وخلفيات" هذا النزاع الإقليمي، كما جاء في خطاب للملك محمد السادس في افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان في 11 أكتوبر 2024، وهو الخطاب الذي وجه فيه الملك دعوة للرئيس ماكرون لزيارة المملكة.
وماكرون الذي جدد الموقف في خطاب أمام البرلمان المغربي في الرباط الثلاثاء، أكد أن فرنسا ستذهب أبعد من ذلك، بالاستثمار في أقاليم الصحراء "أقولها هنا أيضاً، وبكل قوة، سيواكب فاعلونا ومقاولاتنا تنمية هذه المنطقة، من خلال استثمارات ومبادرات مستدامة وتضامنية لفائدة السكان المحليين".
الاقتصاد.. لغة المصالح
تعد فرنسا الشريك الاقتصادي الرئيسي للمغرب، وأكبر مستثمر في المملكة بأكثر من 8 مليارات يورو في 2022، كما يعد المغرب المستثمر الإفريقي الأول في فرنسا. وبلغ حجم المبادلات التجارية بين البلدين العام الماضي 16.5 مليار دولار، وتحقق الرباط فائضاً مع باريس منذ 2017، وفقاً لأرقام مكتب الصرف المغربي.
وتتطلع فرنسا إلى الاستفادة من مشاريع البنى التحتية التي يعتزم المغرب تنفيذها استعداداً لمونديال 2030.
وفي زيارة الرئيس ماكرون تم التوقيع على 22 اتفاقية شراكة باستثمارات تقدر بنحو 10 مليارات يورو، بحسب ما أعلنت الرئاسة الفرنسية، تخص عدداً من المجالات، تتعلق أساساً بتحديث وتطوير شبكة السكك الحديدية وتوسيع خطوط القطار الفائق السرعة نحو مراكش، وكذا تطوير صناعة الطيران وإنشاء موقع لصيانة وإصلاح محركات الطائرات، فضلاً عن التعاون في مجال الطاقات المتجددة، خاصة إنتاج الهيدروجين الأخضر بتعاون مع مؤسسات مغربية في مقدمتها المكتب الشريف للفوسفات.
وتعمل في المملكة أكثر من ألف شركة فرنسية توفر حوالي 150 ألف وظيفة مباشرة، ما يجعل المملكة الوجهة الإفريقية الأولى للاستثمارات الأجنبية المباشرة الفرنسية.
وتتركز الاستثمارات الفرنسية في المغرب بشكل رئيسي في العقارات والصناعة، بما في ذلك السيارات، والتجارة والأنشطة المالية.
وقالت وزيرة الاقتصاد والمالية المغربية نادية فتاح، الثلاثاء، في لقاء جمع رجال الأعمال الفرنسيين والمغاربة في الرباط، إن الشراكة الاقتصادية بين المغرب وفرنسا "متينة ومتطلعة نحو المستقبل".
وأضافت "نود تكثيف مشاريعنا، لا سيما في قطاعات المستقبل مثل تكنولوجيا المعلومات، والتنقل المستدام، والصناعات الزراعية والصحة"، لافتة إلى أن فرنسا تعتبر شريكاً رائداً في قطاعات رئيسية، بينها صناعة السيارات، والطيران، والطاقة والبنيات التحتية.
تحديات مشتركة
وتعد قضايا الهجرة إحدى أهم الملفات التي تطرح في العلاقات المغربية الفرنسية وفي دائرة اهتمام مختلف البلدان الأوروبية التي تتقاسم سواحل المتوسط مع المملكة.
وفي خطابه أمام البرلمان المغربي أكد الرئيس ماكرون ضرورة تطوير التنسيق مع المملكة في مجال إدارة تدفقات الهجرة، خاصة وأن الرباط تعتبر شريكاً مهماً في هذا المجال.
وأوقف المغرب 87 ألف مهاجر غير نظامي في 2023، فيما تعول باريس على المزيد من التعاون بشكل سلس مع الرباط، في مكافحة الهجرة غير النظامية، والحرب على الإرهاب خاصة في منطقة الساحل والصحراء التي تشهد تحديات سياسة وأمنية، خصوصاً بعد الانسحاب الفرنسي.
لذا تعول باريس على تعاون استراتيجي مع الرباط في تحقيق الأمن والاستقرار بالمنطقة، كما تنظر فرنسا إلى المغرب كبوابة اقتصادية للوصول إلى الأسواق الإفريقية.
ورغم المد والجزر الذي تشهده العلاقات المغربية الفرنسية، إلا أن الروابط التاريخية والثقافية تظل قوية بين البلدين، فيما تؤسس الشراكة الجديدة المعلنة لثوابت سياسية تضمن استقرار العلاقات بين الجانبين.