خبراء: عودة عائلات "داعش" إلى أوروبا أكثر أمناً من البقاء في سوريا

امرأة من نساء "داعش" تحمل طفلة داخل متجر في مخيم الهول في سوريا - 8 يناير 2020 - REUTERS
امرأة من نساء "داعش" تحمل طفلة داخل متجر في مخيم الهول في سوريا - 8 يناير 2020 - REUTERS
دبي -الشرقبالشراكة مع "نيويورك تايمز"

تعاني دول أوروبية عدة من معضلة عودة "عائلات داعش"، خاصة النساء اللواتي التحقن بصفوف التنظيم في العراق وسوريا، وأنجبن أطفالاً من مقاتليه. 

وعلى الرغم من أن العديد من الدول كانت ترفض السماح بعودة أفراد أُسر التنظيم، إلا أنها أصبحت تستمع الآن إلى نصائح الخبراء الأمنيين والجماعات الحقوقية، الذين يؤكدون أن "العودة هي الخيار الأكثر أمناً"، وأن ترك النساء والأطفال في سوريا يشكل "خطراً أكبر"، وفق صحيفة "نيويورك تايمز".

200 امرأة و650 طفلاً

ونشرت الصحيفة الأميركية أرقاماً جمعها توماس رينارد، الباحث في "معهد إغمونت" (مركز أبحاث في بروكسل)، تفيد بأنه بعد عامين من خسارة تنظيم "داعش" آخر معاقله في سوريا، تعيش "أكثر من 200 امرأة من 11 دولة أوروبية، برفقة أطفالهن البالغ عددهم 650 طفلاً، في مخيمين في سوريا، هما الهول وروج". 

ويمثل الأوروبيون شريحة صغيرة من 60 ألف شخص محتجز في هذين المخيمين، إذ إن معظمهم من العراقيين والسوريين. 

وتواجه الحكومات الأوروبية ضغوطاً متزايدة لإعادة البالغين وتقديمهم إلى المحاكمة، وسط تأكيدات بأن تقاعس هذه الدول يمثل انتهاكاً لالتزامها بحقوق الإنسان، لكن معظم الدول الأوروبية قالت إنها غير ملتزمة قانوناً بمساعدة مواطنيها القابعين في المخيمات، وإن البالغين الذين انضموا إلى "داعش" يجب محاكمتهم في العراق وسوريا.  

مخاطر البقاء 

ووفق "نيويورك تايمز"، يقر الخبراء الأمنيون والجماعات الحقوقية ومحامو الأفراد الذين ذهبوا إلى مناطق سيطرة "داعش" سابقاً، بأن الحكومات الأوروبية تواجه مخاوف أمنية "مشروعة" من وقوع هجمات إرهابية على أراضيها.

لكن أعداداً متزايدة من المسؤولين الحكوميين والاستخباراتيين قالوا إن ترك المواطنين الأوروبيين في سوريا سيجلب "مخاطر أكبر"، بما فيها إمكان انضمام هؤلاء إلى جماعات إرهابية تستهدف أوروبا.

 وفي هذا الإطار، قال وزير العدل البلجيكي، فنسنت فان كويكنبورن، إن حكومة بلاده "ستنظم عمليات إعادة 13 امرأة وأطفالهن الـ27 خلال شهور" بعدما أفادت الأجهزة الاستخباراتية لبلاده بأن تنظيم "داعش" يكتسب قوة في مخيمي الهول وروج، وفقاً لما نقلته "نيويورك تايمز". 

وأضاف الوزير، أن السلطات تلقت "نصيحة واضحة" بأن إعادة النساء والأطفال إلى بلجيكا تمثل "الخيار الأكثر أمناً"، لكنه اشترط على أي امرأة ترغب في العودة أن تثبت أنها "لن تلحق أي ضرر بالبلاد".

وتابع: "إذا لم ينأين بأنفسهن عن أيديولوجيا داعش فسيبقين في مخيماتهن".

وكانت وثيقة داخلية تابعة للاتحاد الأوروبي، هذا العام، وصفت مخيم "الهول" بأنه "دولة خلافة مصغرة". 

ونقلت "نيويورك تايمز" عن الباحث رينارد قوله: "سيفرض العائدون مخاطر طوال الوقت، بعضها منخفض وبعضها مرتفع"، مشيراً إلى أنهم يمكن أن "ينشروا الفكر الراديكالي بين النزلاء في السجون، أو يحاولوا تنفيذ هجمات"، لكنه حذر من أن "عواقب عدم العودة تفوق بكثير هذه المخاطر".

"فرصة ثانية"

وعندما أعلنت بلجيكا، في مارس الماضي، أنها ستعيد بعض النساء اللواتي انضممن إلى تنظيم "داعش"، برفقة أطفالهن، رحبت المدعوة جيسي فان إيتفيلدي (43 عاماً) بالقرار، على الرغم من معرفتها أن هذا سيعني على الأرجح قضاء مدة عقوبة داخل السجن.  

وكانت فان إيتفيلدي، وهي موظفة صندوق سابقة ولدت قرب أنتويرب شمال بلجيكا، سافرت إلى مناطق سيطرة "داعش" عام 2014، برفقة زوجها، وتعيش مع طفليها منذ عامين على الأقل في معسكرات الاعتقال في سوريا، وتأمل الآن الخروج من مخيم روج، والعودة إلى وطنها لتنجو بنفسها وطفليها اللذين يبلغان من العمر 3 و5 سنوات. 

وفي يناير الماضي، أدانت محكمة بلجيكية فان إيتفيلدي غيابياً لمشاركتها في "أنشطة تنظيم إرهابي"، وحكمت عليها بالسجن لمدة 5 سنوات.

 وعبّرت المرأة لصحيفة "نيويورك تايمز"، عن حلمها بأن يذهب طفلاها إلى المدرسة في بلجيكا، وفي مقابل ذلك، "مستعدة تماماً أن أدفع ثمن انضمامي إلى هذه الجماعة المسلحة في عام 2014، إذا كانت بلجيكا ستوافق على عودتنا"، وفق تعبيرها.

وقالت للصحيفة في رسالة صوتية على تطبيق "واتس آب": "ربما يدركون أن هؤلاء الذين يريدون العودة نادمون ويبحثون عن فرصة ثانية".

معضلة المراهقين

وتعاني دول أوروبية أيضاً من قلق أمني بشأن المراهقين الذكور الذين سافروا أطفالاً مع أمهاتهم المولودات في أوروبا إلى مناطق سيطرة "داعش"، ويواجهون خطر التطرف بدرجة أفدح.

وأفادت "نيويورك تايمز" بأن هؤلاء المراهقين "تُركوا بعدما فتحت بلادهم أبوابها للأطفال الأصغر سناً فقط".

ونقلت الصحيفة عن ليتا تايلر، الباحثة الأولى في مكافحة الإرهاب بمنظمة "هيومن رايتس ووتش" قولها إن الحكومات الأوروبية كانت "تقسم الأطفال إلى فئات، أكثرها قبولاً هي فئة اليتامى، فيما تقبع فئة المراهقين الذكور في ذيل القائمة". 

مراهق من أبناء مقاتلي
مراهق من أبناء مقاتلي "داعش" يحمل الخبز في مخيم الهول في سوريا- 8 يناير 2020 - REUTERS

وتقول جماعات حقوقية، من بينها منظمة "أنقذوا الأطفال" البريطانية غير الحكومية، إن الأطفال "لم يرتكبوا جرماً، ويعانون من الأمراض وسوء التغذية والاعتداء الجنسي، والعديد منهم ماتوا، وتم الإبلاغ عن عشرات الحالات المصابة بفيروس كورونا في المخيمين". 

عودة صعبة

ونقلت "نيويورك تايمز" عن منظمة "ريبريف" الحقوقية، قولها إن "العديد من النساء في مخيمي الهول وروج تعرضن للاتجار والاغتصاب، وأجبرن على الزواج والسخرة المنزلية". 

لكن على الرغم من ذلك، تبقى عمليات إعادة هؤلاء النساء إلى أوطانهن الأوروبية "غير واردة"، حسبما صرح مسؤول استخباراتي فرنسي لـ"نيويورك تايمز" طالباً عدم الكشف عن هويته.

ويعود جزء من هذا الإحجام إلى أن النساء العائدات قد يعاقَبن بأحكام مخففة بالسجن أو لا يعاقبن مطلقاً، وفقاً لمحللين أمنيين.

كانت بريطانيا نزعت جنسيتها عن 20 امرأة تقريباً ممن انضممن إلى "داعش"، وفي بعض الحالات أحالتهن إلى المحاكمة لمنع عودتهن على الإطلاق، كما أبدت هولندا والسويد موافقتهما على استعادة الأطفال، لكن دون أمهاتهم. 

أما فرنسا، صاحبة أكبر مجموعة من المواطنين في مخيمي الهول وروج إلى جانب القابعين في سجون العراق وسوريا، فرفضت العديد من طلبات العودة، نظراً لما عانته لسنوات من الهجمات، وعلى الرغم من أنها استقبلت 35 طفلاً من المخيمات كحالات منفردة، لا تزال 100 امرأة يحملن الجنسية الفرنسية، وأطفالهن الـ200، عالقين في مخيم روج، وفقاً لما قاله مدير "مركز تحليل الإرهاب" في باريس، جان تشارلز بريسارد للصحيفة.

وكان مقرراً أن تعيد باريس 160 منهم على الأقل في بداية عام 2019، وفقاً لوثائق استخبارية كشفت عنها صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية أخيراً، لكن مسؤول المخابرات الفرنسية قال إن الوضع في المخيمين بات "شديد التقلب"، وهو ما دفع الحكومة إلى التخلي عن هذه الخطة.

مسألة وقت

وفي الدنمارك أعلنت السلطات هذا الشهر، أنها ستعيد 3 نساء و14 طفلاً، فيما أعادت ألمانيا وفنلندا 5 نساء و18 طفلاً في ديسمبر الماضي.

وقال ناطق باسم وزارة الخارجية الألمانية، الشهر الماضي، إن الحكومة تعمل "بأقصى سرعة ممكنة" لاستعادة أطفال من والدات ألمانيات من مخيمي الهول وروج.

ونقلت "نيويورك تايمز" عن الدبلوماسي الفنلندي، جوسي تانر، وهو المسؤول عن ملف العودة في بلاده، قوله إن عودة النساء والأطفال ليست مسألة "إذا، بل متى وكيف". 

وأضاف: "إعادتهم بأسرع وقت ممكن أفضل من وجهة النظر الأمنية، بدلاً من ادعاء اختفاء المشكلة كلما أشحنا عنها بوجوهنا"، مؤكداً: "يمكنك أن تتركهم هناك، لكنهم سيعودون على أي حال". 

وكانت دول مثل الولايات المتحدة وكازاخستان وتركيا، استعادت العديد من مواطنيها لمحاكمتهم، ولإعادة دمجهم في المجتمع في بعض الحالات.

اقرأ أيضاً: