تبذل الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية جهوداً مُكثفة من أجل التوصل إلى اتفاق جزئي في غزة لتبادل الأسرى، فيما تتمسك حركة "حماس" الفلسطينية بربط أي اتفاق بـ"اتفاق أشمل" يتضمن 3 عناصر أساسية، هي وقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي- حتى لو كان تدريجياً من القطاع- وعودة النازحين.
وتتباين الدوافع الأميركية والإسرائيلية التي تقف وراء هذه الجهود، فبينما تسعى إدارة الرئيس جو بايدن إلى تحقيق إنجاز يساهم في تعزيز فرص فوز المرشحة الديمقراطية كمالا هارس قبيل الانتخابات التي تتقارب فيها مع فرص المرشح المنافس دونالد ترمب، يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تحقيق آخر هدف له من الحرب، وهو عودة المحتجزين الإسرائيليين، بعدما زعم تحقق الأهداف الأخرى للحرب، كما يراها الشارع الإسرائيلي.
وكشفت مصادر مطلعة على المفاوضات لـ"الشرق"، أن الجانب الأميركي يسعى من خلال الوسيط القطري إلى إقناع قيادة "حماس" بالتوصل إلى اتفاق جزئي لوقف الحرب لمدة شهر مقابل تبادل أسرى، ويشمل إطلاق سراح النساء وكبار السن من المحتجزين الإسرائيليين وعدد متفق عليه من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
كما يحاول الجانب الأميركي إقناع "حماس" بقبول مثل هذا العرض بدعوى أن هذا الاتفاق سيفتح الطريق أمام استكمال عملية تبادل الاسرى، وتمديد وقف الحرب تباعاً، وصولاً إلى نهاية تدريجية لها، وفق المصادر.
وفي السياق ذاته، قدمت مصر اقتراحاً شبيهاً بوقف مؤقت للحرب لمدة 10 أيام مقابل تبادل أسرى جزئي يشمل 4 رهائن إسرائيليين وعدد متفق عليه من الأسرى الفلسطينيين، يجري تمديده في سلسلة اتفاقات مماثلة تقود في النهاية إلى وقف طبيعي "غير معلن" للحرب.
وترافقت الجهود الأميركية المعلنة مع جهود إسرائيلية موازية حيث سافر رئيسا جهازي الأمن الداخلي (الشاباك) و"الموساد" رونين بار ودافيد بارنياع إلى القاهرة والدوحة أكثر من مرة، في الأسبوع الأخير، لهذا الغرض.
قراءة "حماس"
بحسب المصادر، قرأت "حماس" تسارع الجهود الأميركية والإسرائيلية في سياقات الوضع الداخلي في كلا البلدين، ففي الولايات المتحدة تبدو إدارة بايدن في أمس الحاجة الى إنجاز كبير يلفت نظر الناخبين إلى المرشحة الديمقراطية التي تواجه تهديداً جدياً في المنافسة على البيت الأبيض للسنوات الأربع المقبلة.
وفي إسرائيل، تتزايد الضغوط على نتنياهو للتوصل إلى اتفاق ينقذ المحتجزين الإسرائيليين، خاصة بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" يحيى السنوار، وهو ما رأى فيه كثير من الإسرائيليين تحقيقاً لأهداف الحرب التي لم يتبق منها حسب قول الكثيرين سوى إطلاق سراح الرهائن.
وترى "حماس" في حاجة الطرفين الأميركي والإسرائيلي إلى انفراجة في قضية المحتجزين فرصة لتحقيق هدفها المركزي في هذه المرحلة، وهو إنهاء الحرب والانسحاب الإسرائيلي وعودة النازحين إلى الشمال.
وقف حرب غزة
وقال مسؤولون في الحركة، لـ"الشرق"، إن القضية المركزية الملحة أمامهم ليست تبادل الأسرى، وإنما "وقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي من القطاع وعودة النازحين".
وأكد أحد القادة في "حماس" أن "الحرب دمرت غزة بصورة كبيرة، وحصدت أرواح عشرات الآلاف"، محذراً من أن "الخطر الأكبر القادم هو ما يقوم به نتنياهو من تأسيس لاحتلال دائم خاصة في كامل المحور الحدودي مع مصر، المسمى محور فيلادلفيا، وتهجير سكان شمال قطاع غزة إلى الجنوب مستخدماً في ذلك القصف والقتل والتجويع، وإقامة شريط عازل دائم في الشمال".
وأضاف القيادي في الحركة طاهر النونو، لـ"الشرق"، أن "حماس" ترفض فكرة الوقف المؤقت للقتال، وأنها مع أي اقتراح يقود إلى "وقف كلي" للحرب الإسرائيلية على القطاع.
وشدد على أن موافقة "حماس" على أي عرض يشترط "تلبية المطالب الأربعة للمقاومة"، والمتمثلة في وقف النار والانسحاب من القطاع وعودة النازحين، وإدخال المساعدات بكميات كافية، وصفقة جادة لتبادل الأسرى، تمهيداً لإعادة إعمار القطاع.
ورقة "حماس" الوحيدة
ويرى كثيرون أنه لم يعد لدى "حماس" ما تخسره، وأن الورقة الوحيدة التي ما زالت بحوزتها هي ورقة المحتجزين الإسرائيليين.
ومع تزايد الأصوات التي تطالب نتنياهو بوقف الحرب بعد أن حققت أهدافها المعلنة، المتمثلة في تدمير القدرات العسكرية لحركة "حماس" وإبعادها عن حكم قطاع غزة والوصول إلى المسؤولين عن هجوم السابع من أكتوبر، ترى الحركة أن الوقت قد حان لاستخدام ورقة المحتجزين لتحقيق هدفها في وقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي وعودة النازحين.
وأبلغ مسؤولون في "حماس" الوسيطين المصري والقطري أن الحركة لا ترفض الاقتراحات المقدمة، لكنها تطالب بربط هذه المقترحات بالمسار التفاوضي السابق الذي يقود إلى نهاية الحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية وعودة النازحين ورفع الحصار لبدء الإعمار.
ومن المقرر ان يصل وفد من حركة "حماس" الى العاصمة المصرية القاهرة، الجمعة، لبحث ملف الحرب وتبادل الاسرى، ولعقد لقاء مع وفد من حركة "فتح" بشأن إدارة قطاع غزة.
وقال مسؤولون إن ملفي الحرب وإدارة غزة متشابكان الى حد بعيد، حيث يمهد وقف الحرب إلى التوافق على إدارة قطاع غزة وإغاثة السكان والشروع في إعادة إعمار ما دمرته الحرب.
مصلحة نتنياهو
وترى "حماس" أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى إلى مواصلة حالة الحرب لأهداف سياسية وشخصية، وأنه يحاول إجراء عملية تبادل أسرى دون أن يتعهد بوقف الحرب والانسحاب والسماح بعودة النازحين والشروع في إعادة الإعمار.
وقال أحد المسؤولين في الحركة: "نتنياهو لا يخفي هدفه في مواصلة الحرب، حتى لو حقق ما يريد، كي يحول دون تفجر حرب داخلية حول مسؤوليته عن السابع من أكتوبر، لذلك يريد تحقيق هدفه في إعادة المحتجزين دون إنهاء الحرب".
وأضاف: "نعلم جيداً ما يريده نتنياهو، ولن نعطيه ما يريد، بالعكس نحن اليوم أكثر تمسكاً بمسالة إنهاء الحرب والانسحاب وعودة النازحين قبل أي شيء آخر".