"تحالفات أوروبية جديدة" تترقب عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الأميركي السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترمب يلتقي أنصاره خلال تجمع انتخابي في ولاية فرجينيا- 2 نوفمبر 2024 - Reuters
الرئيس الأميركي السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترمب يلتقي أنصاره خلال تجمع انتخابي في ولاية فرجينيا- 2 نوفمبر 2024 - Reuters
دبي-الشرق

يستعد أقرب حلفاء واشنطن في أوروبا لاحتمالية عودة الرئيس السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، حيث يبذلون جهوداً مكثفة للتعامل مع ما قد يترتب على ذلك من تغييرات في العلاقات عبر المحيط الأطلسي. 

وبحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، يستعد حلفاء الولايات المتحدة في القارة العجوز لاحتمال حدوث انقطاع في العلاقات عبر الأطلسي في حال فوز ترمب في انتخابات الرئاسة المقررة الثلاثاء، إلّا أن صناع السياسات الأوروبيين يقولون إنهم باتوا أكثر استعداداً لولايته الثانية المحتملة، لأنهم تعلموا كيفية ممارسة الدبلوماسية المطلوبة، بالإضافة إلى قيامهم بإعداد خطط طوارئ مختلفة بشأن الأمن والتجارة.

مع ذلك، يقول المسؤولون الأوروبيون إن هذه الاستعدادات لم تُقلل من حدة المخاوف بشأن عودة الرئيس السابق الذي هدد سابقاً بتفكيك حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وتعهد بفرض تعريفات جمركية باهظة على الواردات، وقال إنه سيعيد انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ مرة أخرى.

أوروبا دون قائد

ويعترف هؤلاء المسؤولون، بأن أوروبا الآن أقل استعداداً في بعض الجوانب للتعامل مع ترمب مما كانت عليه من قبل، ففي المرة الأخيرة التي كان فيها في البيت الأبيض، واجه الرئيس السابق "صاحبة القرار الأوروبي" وهي المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، لكن القارة تفتقد اليوم وجود قائد بنفس مكانتها ليكون بمثابة ثقل موازن، إذ بات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضعيف سياسياً بعد خسارته الأغلبية الحاكمة.

كما أن المستشار الألماني أولاف شولتز عالق في صراعات داخل الائتلاف الحكومي ويواجه صعود اليمين المتطرف، فيما وصلت معدلات تأييد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق بعد ما يقارب الـ4 أشهر فقط على وصوله إلى منصبه.

ونقلت الصحيفة عن 15 من صناع السياسات والسياسيين والدبلوماسيين والمحللين البارزين في 5 دول أوروبية أنه بغض النظر عمَّن سيفوز في الانتخابات الأميركية، فإن أوروبا تتوقع اختباراً قادماً بشأن مدى اعتمادها على الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من إعلان نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس أن حلف شمال الأطلسي سيظل مُحصناً، فإن بعض كبار المسؤولين والدبلوماسيين الأوروبيين يعتقدون أنها ستتبع خُطى الرئيس السابق باراك أوباما وليس جو بايدن، وأنها ستحول انتباه الولايات المتحدة نحو شرق آسيا في حال فوزها في الانتخابات.

صفقة أكثر واقعية

ومن المؤكد أن مستشار هاريس للأمن القومي، فيليب جوردون، هو خبير في الشؤون الأوروبية وداعم لاستمرار تقديم المساعدات لأوكرانيا، لكنه يدعو أيضاً إلى تبني "صفقة أكثر واقعية بين أوروبا والولايات المتحدة".

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية مايكل شتيمبفل: "هناك شيء واحد واضح الآن وهو أننا لا نجلس هنا خائفين ولا نعرف كيف نتصرف، فبغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الأميركية، فإن تركيز انتباه الولايات المتحدة في المستقبل سيتوجه بشكل متزايد نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ولذلك فإنه سيتعين على الأوروبيين بذل المزيد من الجهود من أجل أمنهم".

لكن المخاوف التي أعرب عنها المسؤولون الأوروبيون تتركز بشكل كبير على ترمب، إذ نقلت الصحيفة عن دبلوماسيين قولهم إن هناك فريق عمل في مقر الاتحاد الأوروبي يُركز الآن بشكل أساسي على وضع بعض الاستراتيجيات استعداداً لعودته.

الاستعداد لحرب تجارية

كان ترمب فرض رسوماً جمركية على الصلب والألومنيوم الوارد من الاتحاد الأوروبي في ولايته الأولى، لكنه يقول إنه سيذهب إلى أبعد من ذلك في حال فوزه، إذ يروج لأكبر زيادة في التعريفات الجمركية منذ ما يقرب من قرن من الزمان.

وقالت الصحيفة إن مسؤولي الاتحاد الأوروبي أعدوا قوائم برسوم جمركية انتقامية، بينما يضعون أيضاً استراتيجيات للتفاوض، إذ يعتقدون أنهم قد يتمكنوا من تهدئة ترمب من خلال تقديم التعاون ضد الممارسات التجارية الصينية غير العادلة أو التعهد بزيادة الواردات الأميركية، وفقاً لما نقلته عن مسؤولين أوروبيين.

ويعتقد دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: "أن هناك شعوراً بأننا يجب أن نكون مستعدين بشكل أفضل، وألا نعتقد بأنه لمجرد أننا نأمل ألا تحدث حرب تجارية، فإنها لن تحدث".

أمن أوروبي "مُحصَن ضد ترمب"

وذكرت "واشنطن بوست" أن المناقشات الجارية في بروكسل، العاصمة الإدارية للاتحاد الأوروبي ومقر "الناتو"، باتت تتضمن محادثات بشأن تبني ترتيبات أمنية لتحصين القارة ضد ترمب.

ولفتت الصحيفة في التقرير الذي نشرته السبت، إلى أن التزام المرشح الجمهوري في دعم أوكرانيا ضد روسيا لا يبدو مؤكداً، وذلك بالنظر إلى أنه يلقي باللوم على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، كما أنه رفض التصريح بأنه يريد انتصار كييف في هذه الحرب، فضلاً عن إشارته، سراً، إلى أنه سينهي الحرب بالضغط على الأخيرة للتنازل عن الأراضي، وفقاً لما نقلته عن مصادر مطلعة على خطط الرئيس السابق.

وللتحوط ضد احتمال حدوث تغيير في سياسة البيت الأبيض تجاه أوكرانيا، أصرّ المسؤولون الأوروبيون على دفع حزم المساعدات قبل انتخابات نوفمبر الجاري، كما تولت قيادة جديدة لحلف شمال الأطلسي بعض مسؤوليات وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون"، فيما يتعلق بتنسيق المساعدات العسكرية لكييف.

وتابعت الصحيفة: "لا يوجد الكثير من الحديث عن جيش أوروبي في الوقت الحالي، لكن الحديث يتركز على الدفع نحو الاستقلال الاستراتيجي، والذي يشمل جهوداً تهدف إلى تعزيز إنتاج الأسلحة وتشكيل شراكات أمنية إقليمية".

ومع ذلك، فإنه في خضم هذه الجهود، يعترف المسؤولون الأوروبيون بأن خسارة الدعم الأميركي في مجال الدفاع سيوجه ضربة قاصمة للقارة، إذ كشفت الحرب في أوكرانيا مدى صعوبة وخطورة تحرك الأوروبيين بمفردهم.

خارطة تحالفات جديدة

كما قد تنطوي ولاية ترمب الثانية المحتملة، وفقاً للصحيفة الأميركية، على توترات دبلوماسية مع بعض حلفاء واشنطن التقليديين، كما أنها قد تشهد في نفس الوقت صعوداً لشخصيات من أقصى اليمين الأوروبي.

وقال دبلوماسيون أوروبيون إنهم تعلموا كيفية التعامل مع ترمب، وهو ما يتمثل في كيفية "إرضاء غروره"، والسماح له بأن يزعم بأنه حقق شكلاً من أشكال النصر، مشيرين إلى أن الحكومات الأوروبية سعت أيضاً إلى تطوير المزيد من الاتصالات داخل معسكر الرئيس السابق والحزب الجمهوري مقارنةً بولايته الأولى.

لكن المرشح الجمهوري لديه أشخاص مفضلين بشكل واضح في أوروبا، ومن بينهم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي أعلن الخميس، أنه "يأمل" في فوزه بالانتخابات.

ويقول بيتر كريكو، وهو مدير مركز "بوليتيكال كابيتال" للأبحاث، ومقره بودابست: "سيواجه ترمب صعوبة في بناء علاقات جيدة مع الحكومتين الألمانية أو الفرنسية، ولذلك سيبحث عن قنوات خلفية، وسيكون أوربان سعيداً بأن يكون واحداً منها".

ورأت "واشنطن بوست" أن أوربان قد يظهر كمبعوث لترمب في أوروبا بشأن قضايا مثل سحب الدعم لأوكرانيا، ولكن ليس من الواضح عدد الزعماء الأوروبيين الآخرين الذين يمكن لرئيس الوزراء المجري أن يجعلهم إلى جانبه.

ووفقاً للصحيفة، فإن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني يمكن أن تكون حليفة أكثر تأثيراً، إذ تتشارك النجمة الصاعدة في أقصى اليمين في أوروبا مع ترمب في صداقة وثيقة مع الملياردير إيلون ماسك، وقد وصفها مسؤولو إدارته السابقة علناً بأنها "شريكة طبيعية".

مع ذلك، فإن هذه الشراكة ليست مضمونة بأي شكل، إذ يشير المسؤولون الإيطاليون إلى أن ميلوني كانت داعمة قوية لأوكرانيا وتتمتع بعلاقة ودية مع بايدن، كما أن انخفاض الإنفاق الدفاعي في روما سيصطدم بأكبر شكوى لترمب في أوروبا، وهي أن دول القارة لا تبذل جهداً كافياً في "الناتو"، ومن المرجح أيضاً أن تنظر رئيسة الوزراء الإيطالية إلى أوروبا باعتبارها أولوية قبل العلاقة مع الولايات المتحدة في حالة اندلاع حرب تجارية بسبب الرئيس السابق.

وقال مسؤول أوروبي رفيع المستوى، مطلع على السياسة الإيطالية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته : "لن تخاطر (ميلوني) من أجل ترمب، لأنها بحاجة إلى أوروبا".

تصنيفات

قصص قد تهمك