أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أنه لا يخطط للترشح لولاية ثانية بعد انتهاء فترة حكمه الحالية في عام 2024.
وقال تبون إن الظروف التي أودت إلى الحراك الشعبي في عام 2019 "تغيرت ولم تعد هناك كلمة حراك"، مضيفاً أنه يلمس عدم معارضة أغلبية الجزائريين لإجراء الانتخابات التشريعية المبكرة، بعكس ما يشاع في وسائل الإعلام المحلية.
وخلال مقابلة مع مجلة "لو بوان" le point الفرنسية، نُشرت الخميس، دعا الرئيس الجزائري، فرنسا إلى الاعتذار عن جرائمها في حقبة الاستعمار وتنظيف مخلفات تجاربها النووية على الأراضي الجزائرية "التي لا تزال تودي بضحايا".
ورأى ضرورة الاستفادة من عهد الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون، الذي وصفه بـ"المستنير"، لتحقيق المصالحة بين البلدين.
وتطرق تبون إلى العلاقة مع المغرب، قائلاً إن الحدود مع البلد المجاور "ستبقى مغلقة، لأنه يهاجم بلدنا بشكل يومي"، وذكر أن اعتراف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بسيادة الرباط على الصحراء "لا يعني أي شيء".
وأكد أن الجزائر لن تطبّع علاقاتها مع إسرائيل قبل قيام الدولة الفلسطينية، داعياً إلى إصلاح الجامعة العربية.
لا ولاية ثانية
وخلال المقابلة المطولة مع "لو بوان" في قصر المرادية، التي وصفتها المجلة بـ"دليل على صحة تبون الجيدة"، إثر دخوله المستشفى مرتين جراء إصابته بفيروس كورونا ومضاعفاته، صرح الرئيس الجزائري البالغ من العمر 75 عاماً، بأنه لا يفكر في الترشح لولاية رئاسية ثانية.
وقال: "لا أعتقد أنني سأترشح لولاية ثانية، فمهمتي هي إعادة بلدي للوقوف على قدميه، ومحاربة الامتيازات، وإعادة بناء المؤسسات، وجعل الجمهورية ملكاً للجميع. ولاية أخرى؟ لا أعرف. نحن فقط في بداية ولايتي".
وانتُخب تبون رئيساً للجزائر في ديسمبر 2019، بعد استقالة سلفه عبد العزيز بوتفليقة، تحت ضغط الحراك الشعبي. وتستمر مدة العهد الرئاسي في الجزائر 5 سنوات.
"اندثار الحراك"
وعن اعتقالات المتظاهرين في المسيرات الأخيرة للحراك، اعتبر الرئيس الجزائري أنه لم يعد هناك كلمة "حراك" لأن الأمور تغيرت.
وقال إن "الحراك الوحيد الذي أؤمن به هو الحراك الأصيل والمبارك الذي جمع بشكل عفوي ملايين الجزائريين في الشوارع، هذا الحراك اختار طريق العقل بالذهاب إلى الانتخابات الرئاسية، ولم يذعن للأصوات التي حثته على التحرك نحو فترة انتقالية. ذهب 10 ملايين جزائري للتصويت، وأقليةٌ رفضت الانتخابات. أعتقد أن لكل جزائري الحق في التعبير عن نفسه، لكنني أرفض إملاءات الأقلية".
وتابع: "اليوم، في ما تبقى من الحراك، نجد كل شيء. البعض يدعو إلى دولة إسلامية، والبعض يرفض الإسلام، ربما يعبرون عن غضبهم لكنه ليس الحراك الأصيل".
وقال إنه في بداية عهده الرئاسي، كانت المسيرات تضم ما بين 20 و25 ألف متظاهر في كافة أنحاء البلاد، وكان "أول من مدّ يده للحراك" من خلال إشراك قرابة 5 وزراء منه في حكومته الأولى رغم "أنني رأيتهم يهينونني في مقاطع فيديو".
وأضاف تبون: "بعد ذلك، بدأنا إطلاق سراح المعتقلين الذين بلغ عددهم قرابة 120، لكن الناس ظلوا ينتقدونني. أعتقد أن هذا تم تفسيره على أنه ضعف، كانوا مخطئين".
الانتخابات المبكرة
وعن الانتخابات التشريعية المبكرة المقررة في الـ12 من يونيو والتي اختارت المعارضة مقاطعتها، قال تبون: "ما ألاحظه في كافة أنحاء البلاد لا يقول إن الجزائريين، في أغلبيتهم، يعارضون الانتخابات التشريعية".
وأضاف: "بالنظر إلى أدوات القياس المتوفرة لدينا، فإن هذه الأقلية (المعارضة) تقدم نفسها كأغلبية بفضل التغطية الإعلامية المفرطة، خصوصاً في الخارج. بعض السفراء، للأسف، لا يرون سوى هذه الأقلية ويعيشون معها فقط، ويتجاهلون أغلبية الجزائريين، ويضللون الدول التي ينتمون إليها".
العلاقة مع فرنسا
وعن العلاقات الجزائرية الفرنسية، أكد تبون أن "الجزائريين ينتظرون اعتراف فرنسا بكافة جرائمها" التي ارتكبتها خلال حقبة الاستعمار و"تنظيف مواقع التجارب النووية ومعالجة ضحاياها".
وأردف: "ما نريده هو ذاكرة سلمية معترف بها. فنحن لن ننسى أبداً أن العديد من الفرنسيين انضموا إلى القتال الجزائري، واليوم ننحني لذكراهم. وبمجرد تسوية الملف، فإن ذلك سيسمح بصداقة دائمة بين البلدين".
واعتبر تبون أن التعويض المالي سيكون بمنزلة "تخفيض رتبة للشهداء الجزائريين". وقال: "نحن لسنا شعباً متسولاً، نحن شعب فخور ونبجل شهداءنا".
وتابع: "نطلب من فرنسا أن تأتي لتنظيف مواقع التجارب النووية، وهي عملية جارية على قدم وساق. لأنه لغاية اليوم، يودي التلوث بضحايا.. لقد حشد العالم من أجل تشيرنوبيل، في حين أن التجارب النووية في الجزائر لم تؤدِّ إلا إلى ردود فعل قليلة، رغم أنها وقعت في العراء وقرب السكان".
وعن تقرير المؤرخ بنجامين ستورا الذي كلفته فرنسا بملف الذاكرة والذي تطرق فيه إلى الاستعمار والحرب الجزائرية، قال تبون إن "بنجامين ستورا هو مؤرخ لم يسبق له أن تجاوز الحد، ودائماً يكون قريباً من الحقيقة. كتب تقريراً موجهاً إلى رئيسه ولكنه ليس موجهاً إلينا".
وتابع: "لكن إذا قارنا ما فعله الرؤساء الفرنسيون وما يفعله إيمانويل ماكرون اليوم، فلدينا انطباع بأنه هو من ذهب إلى أبعد الحدود. ماكرون ينال احترامي.. هو الأكثر استنارة بين جميع أسلافه.. وإذا فشلنا في بناء جسور متينة بين البلدين في ظل رئاسته، فلن يحدث ذلك أبداً، وستظل بلداننا على الدوام تحافظ على الكراهية المتبادلة".
العلاقة مع المغرب
وبشأن الحدود مع المغرب، قال تبون إنها "ستبقى مغلقة لأنه جوار يهاجم بلدنا بشكل يومي".
وأضاف أن "الصحراء الغربية كانت دائماً موضع خلاف بين الجزائر والمغرب، لكنها ليست سبباً للحرب"، معتبراً أن "على المغرب اختيار العقل".
وعما إذا كان يعتقد أن على الرئيس الأميركي جو بايدن التراجع عن اعتراف سلفه دونالد ترمب بسيادة المغرب على الصحراء، قال تبون إن "هذا الاعتراف لا يعني أي شيء. جميع قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالصحراء مقدمة من الولايات المتحدة. لا يمكننا العودة لفظياً عن كل ما فعلته واشنطن" .
تصنيف الإرهاب
وعن القرار الأخير للمجلس الأعلى للأمن الجزائري الذي صنّف حركتي "الماك" و"رشاد" كـ"منظمتين إرهابيتين"، قال تبون: "لأنهم أعلنوا أنفسهم كذلك، بدأت رشاد التعبئة في كافة الاتجاهات، وأعطت التعليمات لمواجهة الأجهزة الأمنية والجيش، وحاولت الماك استعمال السيارات المفخخة. للصبر حدود في وجه دعوات العنف".
وتأسست حركة "رشاد" عام 2007، وأبرز عناصرها هم من قياديي "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" التي تم حلها في مارس 1992، ومن بينهم مراد دهينة، ومحمد سمراوي، وعباس عروة، ورشيد مصلي، ومحمد العربي زيتوت، المقيمون بالخارج.
ويُقصد بـ"الماك" ما يُعرف بـ"الحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبائل"، وهي حركة انفصالية تأسست عام 2002، وتطالب باستقلال منطقة القبائل عن الجزائر، يتزعمها مؤسسها فرحات مهني، وهو مغنٍّ سابق وناشط سابق في الحركة الثقافية الأمازيغية، ويتواجد مع معظم قادتها في فرنسا .
الساحل الإفريقي
وعن تدخل الجزائر عسكرياً في منطقة الساحل الإفريقي في حال انسحاب قوات عملية "برخان" التي تقودها فرنسا ضد الجماعات المتطرفة، قال تبون إن "الدستور الجزائري يصرح الآن بهذا النوع من التدخل، لكن الحل غير موجود. لن تسمح الجزائر أبداً لشمال مالي (المحاذي لها) بأن يصبح ملاذاً للإرهابيين، ولن تسمح بتقسيم البلاد".
ورأى أنه "لحل المشكلة في شمال مالي، يجب إعادة انتشار الدولة هناك". وأضاف: "من خلال اتفاقات الجزائر، نحن هناك لمساعدة باماكو، وهو ما نقوم به بالفعل عبر تدريب الجنود الماليين".
لا تطبيع
وعن القضية الفلسطينية، قال تبون إن "هناك خطة سلام التزمتها كل الدول العربية" تقوم على مبدأ "الأراضي ضد السلام".
واعتبر أن "كل دولة حرة في تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، لكن الجزائر لن تفعل ذلك حتى تكون هناك دولة فلسطينية".
ورأى تبون أن الجامعة العربية "بحاجة إلى إصلاح كامل تطلبه الجزائر منذ 30 عاماً".
كورونا وفتح الحدود
وعن قرار فتح الحدود المغلقة بسبب وباء كورونا للسماح بعودة آلاف الجزائريين إلى البلاد ابتداءً من الأول من يونيو، قال تبون إن "فتح أو إغلاق الحدود أمر يقرره المجلس العلمي اعتماداً على تطور الوضع الوبائي"، موضحاً أن "إغلاق الحدود ليس لمعاقبة السكان، بل لحمايتهم".
وعن وتيرة التطعيم ضد الفيروس، قال إن "اللقاحات متوفرة لمن يطلبها ولا نريد فرضها على الجزائريين. لكننا بصدد إطلاق حملات توعية كبيرة".
وختم الرئيس الجزائري بأنه سيقوم بزيارة تونس قريباً، وأنه تلقى دعوات من روسيا وتركيا وإيطاليا وقطر، "أما بالنسبة إلى فرنسا، فالدعوة متبادلة".