الرئيس الفرنسي يسعى لتشكيل ائتلاف من الوسطيين قادر على الصمود حتى 2027 وردع التجمع الوطني

ماكرون أمام رهان "تحرير" حكومته وما تبقى من ولايته من قبضة اليمين المتطرف

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه في باريس قبيل إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام. 7 ديسمبر 2024 - Reuters
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه في باريس قبيل إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام. 7 ديسمبر 2024 - Reuters
دبي-الشرق

يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تحرير حكومته من قبضة زعيمة التجمع الوطني اليميني المتطرف مارين لوبان من خلال تشكيل ائتلاف من الوسطيين قادر على الصمود حتى عام 2027، وفق وكالة "بلومبرغ".

وسيسعى ماكرون إلى تجنب إجراء انتخابات تشريعية جديدة لأكثر من عامين، وهو الموعد الذي تنتهي فيه ولايته، وفقاً لما نقلته "بلومبرغ" عن مسؤول مقرب من الرئيس. وذلك على عكس التوقعات التي تذهب إلى إجراء انتخابات جديدة في يوليو 2025، لكسر الجمود السياسي في فرنسا.

وتعود الفوضى الحالية إلى يونيو، عندما دعا ماكرون إلى انتخابات تشريعية مبكرة بعد اقتراع أوروبي كارثي. وقد أتى هذا القرار بنتائج عكسية، مما أدى إلى انقسام الجمعية الوطنية (البرلمان) إلى ثلاث كتل لا يمكن التوفيق بينها - تحالف يساري، ووسط أقل قوة يدعم ماكرون، ومجموعة قومية يمينية موسعة بقيادة مارين لوبان.

وتمت الإطاحة بالحكومة السابقة بقيادة رئيس الوزراء ميشيل بارنييه الأسبوع الماضي، عندما انضم التجمع الوطني إلى الائتلاف اليساري في تمرير اقتراح بحجب الثقة.

وقال المسؤول الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته مساء الثلاثاء، إن الرئيس الفرنسي سيسعى إلى تسمية رئيس وزراء جديد في غضون 48 ساعة.

ماكرون يبحث عن تنازلات

وفي محاولة لتشكيل حكومة قادرة على النجاة من تصويت بحجب الثقة، التقى ماكرون بمعظم الأحزاب الرئيسية الثلاثاء، باستثناء حزب التجمع الوطني بزعامة لوبان وحزب جان لوك ميلينشون اليساري المتطرف.

وقال مكتب الرئيس، الاثنين، إنه سيعمل مع "جميع الأحزاب السياسية التي أشارت إلى استعدادها للتسوية" لتشكيل إدارة جديدة.

وقالت لوبان الأربعاء، إنها لم تتلق دعوة لحضور الاجتماع في قصر الإليزيه ولا ترغب في المشاركة في أي نوع من حكومات ماكرون.

وهذه ليست المرة الأولى التي يسعى فيها ماكرون إلى توحيد مجموعة من الأحزاب من الشيوعيين ذوي الميول اليسارية إلى الجمهوريين من يمين الوسط. وأشارت بعض التعليقات التي أعقبت اجتماع الثلاثاء، إلى أنه لا يزال هناك مجال للتسوية.

وقال أوليفييه فوري، رئيس الاشتراكيين، إن مجموعته اقترحت فكرة "تبادل الممارسات الجيدة"، حيث وافقت الحكومة على عدم استخدام تدبير دستوري يسمح لها بتمرير مشروع قانون دون تصويت وفي المقابل لن تدعم المعارضة اقتراح حجب الثقة.

وقال فوري بعد الاجتماع: "ربما يمنحنا هذا منطقة للبحث عن حلول وسط"، فيما اعتبرت لوبان الأربعاء، أن مثل هذه الصفقة "مروعة" لأنها ستتجاوز الأدوات الدستورية لمحاسبة الحكومة.

وبدا المشاركون الآخرون في الاجتماع الثلاثاء، أقل إيجابية من فوري، مسلطين الضوء على الصعوبة التي يواجهها ماكرون. وقالت رئيسة حزب الخضر مارين تونديلييه إن الرئيس فشل في تقديم أي تنازلات أو تسويات.

واعتبرت أن ماكرون "أصر عدة مرات على حقيقة أنهم جميعاً ملتزمون بعدم وضع أنفسهم في أيدي التجمع الوطني، وعدم الاعتماد على التجمع الوطني للحكم".

"الاحتفاظ بالسيطرة"

وترى مجلة "بوليتيكو" أنه مع إبعاد ماكرون لبعض القوى الأكثر تطرفاً عن طاولة المفاوضات، فإنه يأمل في إقناع الأحزاب المتبقية بالامتناع عن التصويت على مقترحات حجب الثقة مثل تلك التي أطاحت ببارنييه الأسبوع الماضي.

ومن أبرز المرشحين لتولي منصب رئيس الوزراء، وزير العدل السابق فرانسوا بايرو ووزير الدفاع الحالي سيباستيان ليكورنو، وكلاهما من ائتلاف ماكرون، مما يشير إلى رغبته في الحفاظ على بعض السيطرة وحماية سياساته، بما في ذلك إصلاح المعاشات التقاعدية الذي لا يحظى بشعبية ويريد غالبية المشرعين إلغاءه.

ويطالب الخضر والاشتراكيون والشيوعيون ماكرون بأن يقود ائتلاف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري أي حكومة مستقبلية، بعدما فاز بأكبر عدد من المقاعد في انتخابات يوليو، ويشمل هذا الائتلاف "فرنسا الأبية".

ومن غير الواضح ما إذا كان ماكرون لا يزال يملك النفوذ السياسي للتوسط في صفقة، في وقت يريد فيه غالبية المواطنين الفرنسيين الآن استقالته.

ولا تزال الجمعية الوطنية منقسمة كما كانت في الصيف، عندما أخطأ ماكرون التقدير ودعا إلى انتخابات مبكرة أسفرت عن برلمان معلق. واختار بارنييه في سبتمبر، على أمل أن يتمكن المفاوض السابق في "بريكست" من التعامل مع هذه الوضعية السياسية الصعبة، بالنظر إلى سمعته كـ"صانع صفقات" فعال.

لكن لم ينجح الأمر. ومع رحيل بارنييه وافتقار فرنسا إلى حكومة وقانون ميزانية للعام المقبل، تسعى باريس إلى طمأنة الأسواق المالية من خلال الدفع بتدابير مؤقتة لتجنب الإغلاق الحكومي.

تدابير مؤقتة

واستغرق الأمر من ماكرون ما يقرب من شهرين لاختيار بارنييه للخروج من الموقف الصعب بعد الانتخابات التشريعية في الصيف. والآن، يتعرض لضغوط للتحرك بشكل أسرع، وفق "بلومبرغ".

ويعتمد استمرار عمل المؤسسات على التشريعات الطارئة التي أعدتها الحكومة المنتهية ولايتها بالفعل للحفاظ على عمل الدولة بحلول يناير.

ويريد ماكرون تجنب انهيار حكومي آخر، نظراً للتكلفة السياسية لعدم الاستقرار الذي أصبح واضحاً الأسبوع الماضي. وسيحاول الرئيس أولاً إيجاد ائتلاف ناجح، ثم سيسعى إلى تعيين رئيس وزراء.

ولكن أي رئيس وزراء يسميه ماكرون سيواجه نفس القيود السياسية التي واجهها بارنييه، وقد تكون فترة ولايته قصيرة الأجل.

وتأتي الدفعة الجديدة قبل اجتماع لمجلس الوزراء المنتهية ولايته بقيادة بارنييه الأربعاء، لمناقشة مشروع قانون الإنفاق المؤقت الذي سيسمح للحكومة بمواصلة العمل بدون ميزانية كاملة لعام 2025 بحلول يناير.

ووفقاً لوزارة المالية، سيسمح مشروع قانون التمويل للحكومة بمواصلة زيادة الضرائب اعتباراً من الأول من يناير. وسيسمح بعد ذلك للحكومة بالموافقة على الحد الأدنى من الإنفاق الحيوي للحفاظ على عمل الدولة.

وقال وزير الميزانية لوران سان مارتن، الاثنين، إن الميزانية الكاملة لعام 2025 قد تستغرق أسابيع أو أشهر للانتهاء منها، مما يعرض الأسر لفواتير ضريبية أعلى محتملة ويمنع الدولة من التعهد بالتزامات إنفاق جديدة.

وأضاف: "يجب على الشعب الفرنسي أن يدرك أن انتقاد الحكومة له ثمن".

تصنيفات

قصص قد تهمك