أفادت وكالة "بلومبرغ" بأن الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، زعما تحقيقهما نصراً، خلال القمة التي جمعتهما في جنيف الأربعاء.
وأضافت أن الرئيسين أظهرا مدى اختلاف تفسيرهما للهدف الذي حدده بايدن من اللقاء، وهو وضع "قواعد" للعلاقات بين الجانبين التي تعاني تآكلاً منذ سنوات.
وأشارت الوكالة إلى أن بوتين نال أمراً كان يتوق إلى تحقيقه وهو الشرعية على المسرح الدولي، فيما أعلن بايدن أنه واجه الرئيس الروسي بشأن الهجمات الإلكترونية، وتعامل موسكو مع ناشطين مؤيّدين للديمقراطية، والحاجة إلى التعاون بشأن الأسلحة النووية والقطب الشمالي.
لكن ثمة صعوبة في تحديد الإنجازات الملموسة وفقاً لـ"بلومبرغ"، فبوتين تجاهل أسئلة تتعلّق بحقوق الإنسان في روسيا، وأمضى جزءاً كبيراً من مؤتمره الصحافي بعد القمة، ينتقد الولايات المتحدة بشأن ملفات، تتراوح من منشآت سرية لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه"، في مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إلى اقتحام أنصار للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، مقرّ الكونغرس في الـ6 من يناير الماضي.
"ماذا عن غوانتانامو؟"
وسأل بوتين: "ماذا عن (معتقل) غوانتانامو، إنه لا يزال يعمل. وهو لا يخضع لأي نوع من القانون، لا الدولي، ولا الأميركي، ولا شيء. سجون (سي آي إيه) التي فُتحت في دول كثيرة، وشهدت تعذيباً، هل يندرج ذلك في إطار حقوق الإنسان؟".
أما بايدن فذكر أنه سلم بوتين لائحة تضمّ 16 نوعاً من البنية التحتية الحيوية، مشدداً على وجوب أن تكون في منأى عن القرصنة، ومشيراً إلى أن المسؤولين الروس أُعجبوا بحجته ضد هجمات "برامج الفدية"، مثل تلك التي أغلقت خط الأنابيب الذي تديره شركة "كولونيال بايبلاين" الأميركية الشهر الماضي.
وقال بايدن، في إشارة إلى بوتين: "لفتُّ انتباهه إلى أن لدينا قدرة سيبرانية ضخمة، وهو يدرك ذلك. إنه لا يعلم ماهيتها بالضبط، لكنها مهمة. إذا انتهكوا هذه القواعد الأساسية، فسنردّ".
وذكرت "بلومبرغ"، أن وضع خطوط حمراء جديدة لبوتين، قد يعني أن هجوماً إلكترونياً ضخماً آخر، يُنسب إلى روسيا، من شأنه أن يُرغم الولايات المتحدة على الردّ بشكل واضح، ما يمكن أن يطيح بأيّ نية حسنة تخرج من القمة.
لكن الرئيس الأميركي اعتبر أن الاجتماع شكل فرصة مهمة لتحديد موقف الولايات المتحدة، وجهاً لوجه مع نظيره الروسي.
وقال: "أعلم أنه كان هناك كثيراً من الضجيج بشأن اللقاء، ولكن الأمر كان واضحاً جداً بالنسبة لي. إنه يتعلّق بكيفية تحرّكنا بعد القمة".
اعتراف أميركي ببوتين
وذكرت "بلومبرغ" أن أحداً لم يكن يتوقع أن يؤدي اجتماع جنيف إلى تسوية المشكلات الكثيرة بين الولايات المتحدة وروسيا.
وأضافت أن واشنطن تريد أن تخرج موسكو من شبه جزيرة القرم التي ضمتها من أوكرانيا في عام 2014، وتنهي تدخلها في الانتخابات التي تنظمها دول أخرى، وتسمح بنقاش ديمقراطي في الداخل، وتوقف دعمها زعماء، من بيلاروسيا إلى فنزويلا.
وفي المقابل يريد بوتين رفع العقوبات الأميركية المفروضة على بلاده، وإعادة التأكيد على إحساسٍ باحترام روسيا في الخارج، علماً أن شعبيته تراجعت، في ظلّ أزمة فيروس كورونا المستجد وتسارع التضخم.
وبشأن احترام روسيا نال بوتين بعضاً ممّا أراده من بايدن الذي وصف روسيا بأنها "قوة عظمى" وأمة "فخورة"، بعدما اكتفى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما باعتبارها "قوة إقليمية".
وقال أندري كورتونوف رئيس "المجلس الروسي للشؤون الدولية" الذي أسّسه الكرملين، إن القمة اعتُبرت نجاحاً في موسكو، مضيفاً أن "بوتين نال الاعتراف الذي أراده من بايدن".
"عواقب مدمّرة"
لكن الرئيس الأميركي قال أيضاً إنه لم يفوت فرصة الضغط على نظيره الروسي، بشأن حقوق الإنسان وملف الزعيم المعارض المسجون أليكسي نافالني.
وأضاف: "كيف يمكنني أن أكون رئيساً للولايات المتحدة، وألا أتحدث عن انتهاك حقوق الإنسان. لذلك سنبدي مخاوفنا، بشأن ملفات مثل أليكسي نافالني".
وتابع أنه أوضح لبوتين أن لموت نافالني في السجن "عواقب مدمرة بالنسبة إلى روسيا". وتجاهل بوتين ذلك، منتقداً زعيم المعارضة، بسبب سعيه إلى تلقي علاج طبي خارج روسيا، بعد تسميمه، وقارن الاحتجاجات المؤيّدة للديمقراطية التي قادها نافالني، بالعنف الذي شهدته تظاهرات مناهضة للعنصرية في الولايات المتحدة العام الماضي، مشيراً إلى أنه لم يُرِد حصول الأمر ذاته في بلده.
كذلك حذر بايدن بلطف، من أن تشديد عقوبات على موسكو سيؤدي إلى "فرصة ضائعة أخرى" بالنسبة إلى واشنطن، وفق "بلومبرغ".
عودة السفيرين
كان الإعلان الأكثر واقعية الذي صدر عن القمة لوجستياً إلى حد كبير، وتمثل في قرار بإعادة سفيرَي البلدين إلى عملهما.
وذكرت "بلومبرغ" أنه حتى هذا الأمر كان معقداً، إذ إن روسيا استدعت السفير أناتولي أنتونوف، بعدما فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة، فيما ذكر مسؤولون أميركيون أن السفير جون سوليفان سيعود إلى موسكو، بعد قضائه فترة مع أسرته.
واتفق الرئيسان على بدء حوار بشأن الاستقرار الاستراتيجي، بما في ذلك خطط لإبدال "معاهدة ستارت الجديدة" للأسلحة النووية باتفاق آخر أكثر قوة عندما ينتهي العمل بها في عام 2026. كذلك أشاد بوتين بدعم بايدن لاتفاق مينسك، من أجل تسوية النزاع في شرق أوكرانيا.
واعتبرت "بلومبرغ" أن اللقاء حفِل بالرمزية ففي القمة الأخيرة بين الدولتين، التي عُقدت في هلسنكي عام 2018، بين بوتين وترمب، أعلن الأخير، في المؤتمر الصحافي الذي تلا الاجتماع، دعمه خلاصات أجهزة الاستخبارات الروسية، بشأن اتهام موسكو بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأميركية، في عام 2016، علماً أن استنتاجات أجهزة الاستخبارات الأميركية كانت معاكسة.
وخلال القمة بين بايدن وبوتين أعلنت ليتوانيا وإستونيا أن مقاتلات روسية انتهكت مجالهما الجوي. وذكّرت "بلومبرغ" بحدوث ذلك سابقاً، مستدركة أن الأمر الذي استهدف الدولتين، وهما عضوان في حلف شمال الأطلسي، حصل خلال أسبوع شهد لقاء بايدن قادة الحلف في بروكسل.
ونقلت الوكالة عن تيم موريسون الذي كان مدير الشؤون الروسية في البيت الأبيض، خلال عهد ترمب، قوله: "لا يمكننا أن نريد علاقة مع روسيا أفضل مما تريده روسيا معنا. وأخشى أننا نواجه هذا الخطر، إذ إننا نواصل التعامل مع الزعيم ذاته لروسيا، فلاديمير بوتين. تريد إدارة بايدن تهدئة التوترات، وليس واضحاً أن بوتين يريد ذلك".
"الاتفاق على قواعد اللعبة"
مع اختتام المؤتمرين الصحافيين للرئيسين في جنيف، غادرا سويسرا متفائلين، إذ أشاد بوتين ببايدن، ووصفه بأنه "شخص بناء، ومتوازن جداً". وشارك الرئيس الأميركي تقييمه، بأن مجرد عقد القمة شكل نصراً.
وقال الرئيس الروسي: "من أجل جعل الوضع متوقعاً حقاً علينا الاتفاق على قواعد اللعبة. أعتقد بأننا نستطيع الاتفاق على كل ذلك. على الأقل، هذا انطباعي من لقائي مع الرئيس بايدن".
وأشارت "بلومبرغ" إلى أن بايدن، ومساعديه جاؤوا إلى القمة وهم يتطلعون إلى تهدئة الحديث عن تحسن كبير في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا.
واستدركت أن الرئيس الأميركي لم يستطع مقاومة هذا النوع من التفكير المتفائل في نهاية الأمر، والذي ميز سياسة أسلافه إزاء موسكو، قائلاً إن هناك "احتمالاً جوهرياً لتحسين العلاقات بشكل كبير".
وتابع: "فعلت ما جئت لأفعله. واضح أنه ليس من مصلحة أحد، بلدك أو بلدي، أن نكون في وضع نخوض فيه حرباً باردة جديدة".