فريديرش ميرتس يحث على الانفصال عن واشنطن ويخطط لمسار جديد لاقتصاد بلاده

مستشار ألمانيا المقبل.. "سياسي مقامر" أجبرته ميركل على التقاعد 12 عاماً

زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي عقب إعلان فوزه في الانتخابات الألمانية. 23 فبراير 2025 - Bloomberg
زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي عقب إعلان فوزه في الانتخابات الألمانية. 23 فبراير 2025 - Bloomberg
دبي -محمد سعد

يوشك المحامي ورجل الأعمال، فريدريش ميرتس، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي CDU العائد إلى السياسة بعد تقاعد دام 12 عاماً، أن يصبح مستشار ألمانيا الجديد، خلال أسابيع قليلة، بعدما قاد حزبه إلى صدارة الانتخابات الفيدرالية التي أجريت، الأحد.

ويعرف ميرتس "السياسي المندفع" طويل القامة، والذي ينحدر من منطقة جبلية خلابة بغرب ألمانيا، كيف يؤكد نفوذه وسيطرته، وهي أمور ستفيده في التعامل مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي أحدث "انفصالاً تاريخياً لا شك فيه"، عبر الأطلسي، وفق ميرتس الذي لم يتوان عن انتقاد التدخل الأميركي في الانتخابات الألمانية.

ويعد ميرتس المعروف بلهجته الحازمة والجريئة، وثقته في نفسه، خياراً أفضل للتعامل مع ترمب من المستشار الحالي المنتهية ولايته أولاف شولتز، وفق صحيفة "نيويورك تايمز"، التي أشارت لتصريحاته التي انتقد فيها موقف ترمب من أوكرانيا، وخطاب نائبه جي دي فانس في مؤتمر ميونخ للأمن، والذي وبخ فيه قادة ألمانيا وأوروبا.

وحققت كتلة ميرتس (يمين وسط) المكونة من الحزب الديمقراطي المسيحي CDU وشقيقه البافاري الاتحاد الاشتراكي المسيحي CSU، والذي يمثل الحزب في ولاية بافاريا، 28.6% من الأصوات، وهي أكثرية مريحة، تمكنه من تشكيل ائتلاف حاكم، يتوقع أن تستغرق مفاوضات تشكيله وقتاً طويلاً بعد مضاعفة حزب البديل من أجل ألمانيا AfD اليميني المتطرف، لنسب تأييده، وحصده أكثر 20% من أصوات الناخبين، ما وضعه في المركز الثاني وراء CDU، الذي استبعد الدخول معه في ائتلاف.

ويشكل انتصار ميرتس في الانتخابات، عودة مؤزرة للمحامي السابق الذي تقاعد من السياسة لمدة 12 عاماً، قبل أن يعود إلى البرلمان في عام 2021، بعد مغادرة رئيسة حزبه حينها المستشارة السابقة أنجيلا ميركل لموقعها على رأس الحزب والسلطة.

وسيصبح ميرتس (69 عاماً)، أكبر مستشار ألماني سناً منذ كونراد أديناور، أول مستشار للجمهورية الألمانية الجديدة، والذي تولى المنصب في عام 1949 وعمره 73 عاماً.

حضور طاغٍ لسياسي مقامر

وبخلاف دراستهما للمحاماة، لا يتشابه ميرتس مع شولتز، في أي شيء آخر تقريباً، فالمستشار المقبل طويل القامة، يملك حضوراً طاغياً، سواءً كان ذلك في غرفة خاصة، أو على منصة سياسية.

ATTENTION EDITORS - EMBARGOED FOR PUBLICATION UNTIL FEBRUARY 19, 2025 AT 21:15 CET 20:15 GMT.  German Chancellor of the Social Democratic Party (SPD), Olaf Scholz and his conservative rival of the Christian Democratic Union (CDU) Friedrich Merz are pictured in a WELT TV studio ahead of a TV debate between Scholz and Merz, in Berlin, Germany, February 19, 2025. REUTERS/Fabrizio Bensch/Pool
فريدرش ميرتس وأولاف شولتز خلال مناظرة للمرشحين لمنصب المستشار في برلين. 19 فبراير 2025 - REUTERS

وعلى الصعيد الشخصي، يبدو ميرتس ودوداً ومرحاً حتى، رغم أنه لا يترك أفضل انطباع على محاوريه، حين يميل عليهم أثناء الحديث، كما يفعل غالباً، لتأكيد سلطته، وفق تلفزيون "دويتش فيله".

وكون ميرتس ثروته في القطاع الخاص من عمله كمحام، وفي عدد من المجالس التنفيذية لشركات كبرى، وهو معروف بصراحته، وبلهجته الحادة أحياناً.

وميرتس المغرم بالطيران، يملك طائرتين خاصتين، وهو متزوج وله 3 أبناء، وتقول تقارير إن زوجته منعته، من شراء طائرة خاصة حتى يتخرج أولاده من الجامعة، وفق صحيفة "الجارديان".

وانسحب ميرتس من السياسة تدريجياً، بعد صعود أنجيلا ميركل لتصبح زعيمة الاتحاد الديمقراطي المسيحي في عام 2002، وتوليها منصب المستشار في 2005.

وبالمقارنة مع ميركل، التي كان يُنظر إليها على أنها شخص هادئ ويحسب خطواته، فإن ميرتس نوع آخر من السياسيين، أكثر عزماً على المخاطرات السياسية.

ميرتس "المتهور" ينتهك "جدار الحماية"

وفعل ميرتس ذلك، في يناير الماضي، قبل أسابيع على الانتخابات، إذ سعى إلى تمرير قرار في البرلمان بشأن تشديد قواعد الهجرة، معتمداً على أصوات الحزب اليميني المتطرف البديل من أجل ألمانيا AfD، في خطوة أثارت الكثير من الجدل، إذ تنتهك جدار الحماية الناري، الذي نصبته الأحزاب الألمانية، لمنع التحالف أو التعاون مع اليمين المتطرف، أحد محرمات السياسة الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية.

وأدت الخطوة إلى صدمة سياسية، وانتقادات وتظاهرات تدين تعاونه مع اليمين المتطرف، كانتهاك غير مسبوق، ولكن ميرتس رأى الخطوة، كمقامرة تهدف إلى كبح نجاح AfD في استخدام مناهضة الهجرة كورقة رابحة لكسب الأصوات.

وعقب التصويت، ألقت هايدي رايشنيك زعيمة حزب اليسار في البرلمان، كلمة شديدة اللهجة انتقدت فيها ميرتس، الذي بدا غير مرتاح خلال كلمتها الحادة، وحاول الابتسام في البداية، قبل أن تتملكه مشاعر الاستياء.

ورغم ذلك، أكد ميرتس مراراً قبل وبعد انتخابات الأحد، أنه لن يدخل في تحالف حكومي مع AfD، وأنه لن ينتهك جدار الحماية الناري، خلال طاولة مستديرة عقدت عقب ظهور النتائج الأولية للانتخابات، بحضور أليس فايدل زعيمة الحزب اليميني.

التنافس مع ميركل

في بداية الألفية الجديدة، كان ينظر إلى ميرتس على أنه منافس لميركل، وفي عام 2001 تقدم ليترشح لمنصب المستشار في انتخابات عام 2002، ولكن الحزب اختار زعيم فرعه البافاري CSU إدموند ستويبر، والذي ترشح ضد مرشح الحزب الديمقراطي الاجتماعي SPD المستشار جيرهارد شرودر حينها، وخسر.

وابتعد ميرتس تدريجياً عن الساحة السياسية، وعاد لعمله كمحام، وفي 2009، انسحب من الترشح للبرلمان، ليخرج من السياسة تماماً لمدة 12 عاماً.

وينحدر ميرتس المحامي الكاثوليكي مثل أبيه، من منطقة زاودرلاند وهي منطقة جبلية منخفضة في غرب ألمانيا، وحتى اليوم لا يعيش ميرتس بعيداً عن المكان الذي ولد فيه.

فريدريش ميرتس يجلس إلى جوار أنجيلا ميركل في البوندستاج (البرلمان). 17 فبراير 2000
فريدريش ميرتس يجلس إلى جوار أنجيلا ميركل في البوندستاج (البرلمان). 17 فبراير 2000 - Reuters

وفي عام 1989 ترشح ميرتس ليصبح عضواً في البرلمان الألماني عن حزب CDU، وكان عمره حينها،  33 عاماً، وبعدها بخمس سنوات، انتقل إلى البوندستاج (البرلمان)، وصنع اسماً لنفسه سريعاً، ليُعرف بأنه متحدث لامع، وأصبحت كلمته مسموعة في كتلته البرلمانية.

صعود نجم ميرتس في القطاع الخاص

وتلى خروج ميرتس من معترك السياسة صعوده في القطاع الخاص، فبين عامي 2005 و2021، كان جزءاً من شركة محاماة دولية، وتولى مناصب رفيعة في المجالس الإدارية والإشرافية للشركة، وبين 2016 إلى 2020، أصبح مديراً للمجلس الإشرافي لشركة BlackRock، في ألمانيا، أكبر مدير أصول مالية في العالم.

ولكن حين أعلنت ميركل مغادرتها السياسة في 2021، عاد ميرتس إلى السياسة، وصعد تدريجياً عبر المناصب مرة أخرى.

وانتخب CDU ميرتس زعيماً في 2022، في محاولته الثالثة، وهو اقتصادي معروف بتوجهاته الليبرالية. وصوت ميرتس في تسعينيات القرن الماضي لصالح تخفيف قيود الإجهاض، كما صوت ضد تجريم الاغتصاب الزوجي في عام 1997.

وكان مؤيداً للطاقة النووية، ودفع لأجل تحرير أكبر للاقتصاد وتقليص البيروقراطية.

موف أكثر تشدداً من الهجرة

وانتقد ميرتس قبل 25 عاماً، تأثير سياسة الهجرة بألمانيا، وتحدث عن "مشكلات مع المهاجرين"، وأصر على ضرورة وجود ثقافة مهيمنة بألمانيا.

ويعيد ميرتس حالياً إثارة القضية مرة أخرى، ولكن في ألمانيا مختلفة سياسياً واجتماعياً، عما كانت قبل مغادرته السياسة.

فريدريش ميرتس وزوجته تشارلوت بعد مؤتمر صحافي في هامبورج. 7 ديسمبر 2018
فريدريش ميرتس وزوجته تشارلوت بعد مؤتمر صحافي في هامبورج. 7 ديسمبر 2018 - Reuters

وفي يناير 2023، شكا ميرتس من قلة اندماج المهاجرين في المجتمع الألماني، وقال إن هناك أشخاصاً "لا يجب أن يكونوا متواجدين بألمانيا، تم التسامح مع وجودهم هنا لوقت طويل، ولا يتم إرسالهم حيث أتوا، ولا نقوم بترحيلهم، ومن ثم نتفاجأ بوجود تجاوزات".

وتابع: "هناك آباء يمنعون المعلمين، وخاصة المعلمات، من ممارسة أي سلطة على أولادهم، هؤلاء الباشوات الصغار".

وأثار حديث ميرتس حينها الكثير من الجدل بسبب النبرة العنصرية، ولكن قيادة CDU لم تتدخل أو تعارضه.

وبعد نهاية سنوات ميركل، غادر الكثير من مساعديها، وانتهز ميرتس الفرصة ليعيد تشكيل مسار الحزب، وقال إن تكتل الحزب في البرلمان وجد مساراً جديداً في عدة مناطق رئيسية، ليصبح أكثر محافظة.

الانفصال عن واشنطن

أكد ميرتس منذ بداية الحملة الانتخابية وجوده كرجل أعمال ذو كلمة مسموعة، يملك ما يتطلبه الأمر لعقد صفقات وجهاً لوجه مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب. ولكن هذا تغير مع تغيير ترمب لموقفه من الحرب في أوكرانيا.

وبعدما كان ميرتس متفائلاً بالتحالف عبر الأطلسي، بدا أن تغيير ترمب لمواقفه من أوروبا والحرب في أوكرانيا، حوله إلى سياسي واقعي، وفق ما يعكسه تغيير نبرته تجاه الولايات المتحدة.

ولم يخف ميرتس صدمته بعدما بدأ ترمب في إلقاء اللوم على أوكرانيا في إشعال الحرب مع روسيا، ووصف ميرتس تصريحات ترمب بأنها "عكس كلاسيكي لسردية الضحية والجلاد".

وتابع: "هكذا يصور بوتين الأمر منذ سنوات، وأنا مصدوم إلى حد ما بأن ترمب تبنى وجهة النظر هذه"، واعتبر أن الشعور بالسوء تجاه الأمر "لن يأخذ أوروبا إلى أي مكان، الشيء الوحيد الذي يمكننا فعله، إذا كانت لدينا فكرة مختلفة عن الديمقراطية، هي أن نلم شملنا في أوروبا بأقصى سرعة ممكنة".

ووصف ميرتس الصدع في العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة بأنه بلا شك "انفصال تاريخي".

انتقاد التدخل الأميركي

وقبل 10 أيام من الانتخابات، حذّر ميرتس من أن الملياردير الأميركي إيلون ماسك سيواجه "عواقب" لتدخله في الحملة الانتخابية في ألمانيا"، واعتبر أن  "ما حدث في هذه الحملة الانتخابية لا يمكن أن يمر دون رد". وقال إن هذا الرد: "يمكن أن يكون سياسياً أو قانونياً".

كما وجه تحذيراً صارخاً لأوروبا، قبل الانتخابات بيومين، إذ قال إن القارة يجب أن تكون مستعدة للدفاع عن نفسها بدون دعم الولايات المتحدة.

عقب فوزه بالانتخابات، أعلن ميرتس أن أولويته القصوى هي العمل نحو الوحدة في أوروبا من أجل مواجهة التدخل من الولايات المتحدة أو روسيا.

وذكر ميرتس لقناة ZDF، وهيئة الإذاعة والتلفزيون الألمانية ARD، أنه ليس لديه أي أوهام بشأن التحديات في العلاقة مع الولايات المتحدة.

وأضاف "التدخلات من واشنطن لم تكن أقل حدة وفظاعة في نهاية المطاف من التدخلات التي رأيناها من موسكو"، في إشارة إلى الدعم الذي قدمه الملياردير الأميركي إيلون ماسك لليمين المتطرف في ألمانيا خلال الانتخابات.

مسار جديد للاقتصاد الألماني

ويرى ميرتس أن الاقتصاد الألماني الضعيف الذي يواجه التقلص، بحاجة إلى مسار جديد، منتقداً القواعد المعقدة، والبنية التحتية المتقادمة، والأسعار المرتفعة للطاقة، وتقلص العاملة الماهرة، والشيخوخة السكانية، وهي أمور لا يرى حلاً لها إلا بالاستثمار في كل شيء من الدفاع إلى البنية التحتية.

ولكن، للقيام بهذا، سيضطر ميرتس على الأغلب إلى تخفيف القاعدة المحمية دستورياً، والمعروفة بـ"كبح الدين"، والتي استخدمتها برلين لسنوات، كواجهة لـ"الانضباط المالي" الذي مارسته.

وتحت هذه القاعدة، التي قدمتها أنجيلا ميركل في عام 2009، لإظهار أن ألمانيا ملتزمة بموازنة اقتصادها بعد الانهيار المالي في العام نفسه، أصبحت الحكومة الفيدرالية ملزمة بإبقاء الاقتراض السنوي عند 0.35% من الناتج الإجمالي المحلي.

وقد يخفف ميرتس من هذه القاعدة للسماح بتدفق أموال للاستثمار في البنية التحتية للإسكان والسكك الحديدية، وهو ما يدعمه أغلب الألمان، ولكن الأمر لن يمر دون جدل، إذ أن هذه القضية كانت سبباً في انهيار حكومة أولاف شولتز.

أوكرانيا

تعد أوكرانيا جزءاً كبيراً من الجدل السياسي، المثار في ألمانيا، فهناك انقسام واضح بين السكان بين من يرون أن دعم كييف يجلب تهديد الحرب أقرب إلى ألمانيا، وهي حجة استخدمتها سارة فاجينكنيكت (يسار محافظ)، وتحالفها الذي يحمل اسمها، وبين من يرون أن عدم دعم كييف، وإظهار الضعف في وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أكثر خطراً.

وينتمي ميرتس إلى المعسكر الثاني، إذ حذر شولتز من تبني سياسة التقرب إلى روسيا، وزار كييف حتى قبل أن يفعل شولتز.

وألمانيا هي ثاني أكبر مورد للمعدات العسكرية إلى أوكرانيا، ودعم ميرتس إمداد أوكرانيا بصواريخ كروز طويلة المدى من طراز Taurus.

تصنيفات

قصص قد تهمك