أعلنت اللجنة الانتخابية الإيرانية العليا، إغلاق مراكز الاقتراع وبدء عملية فرز الأصوات في الانتخابات الرئاسية، بعد تمديد التصويت للمرة الثالثة حتى الساعة الثانية صباح السبت (21:30 بتوقيت غرينتش)، في بعض اللجان، وسط أرجحية الفوز للمرشح "المتشدد" إبراهيم رئيسي، الخاضع لعقوبات أميركية.
وكانت اللجنة الانتخابية مددت التصويت 3 مرات، وأرجعت وزارة الداخلية التمديد إلى "البروتوكولات الصحية" التي أصدرتها إيران لمكافحة فيروس كورونا.
وعلى تويتر، قال عباس علي كدخدائي، المتحدث باسم هيئة مراقبة الانتخابات، إن التصويت سيستمر بموافقة وزارة الداخلية "طالما" هناك أشخاص ينتظرون في مراكز الاقتراع.
وقبيل الموعد المقرر لإقفال الصناديق منتصف الليل (19:30 ت غ)، مددت السلطات الاقتراع حتى الثانية فجراً. وذكرت وكالة أنباء فارس، أن وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي أقر التمديد مرة أخرى لساعتين إضافيتين، مشيرة إلى عدد كبير من الناخبين المنتظرين في لجان التصويت.
وأفادت قناة "إيران إنترناشيونال" بأن 4 مرشحين (إبراهيم رئيسي، وعبد الناصر همتي، أمير حسين قاضي زاده، محسن رضائي) طلبوا من وزارة الداخلية بشكل منفصل، السماح باستمرار التصويت بعد منتصف الليل حتى الساعة 02:00 صباحاً بالتوقيت المحلي.
وذكرت الوكالة أنه من المتوقع صدور النتائج الأولية للانتخابات التي يتنافس فيها 4 مرشحين، بحلول ظهيرة السبت. وأشارت إلى أن التلفزيون الرسمي نشر مقاطع تظهر وجود الناخبين في مراكز الاقتراع بعدة مدن وبلدات.
وانطلقت عملية الاقتراع في الانتخابات الرئاسية الـ13 في تاريخ الجمهورية الإيرانية، صباح الجمعة، وأدلى المرشد علي خامنئي بصوته بعد 3 دقائق من فتح مراكز الاقتراع عند السابعة صباحاً بالتوقيت المحلي.
وبعد الإدلاء بصوته في مركز اقتراع خاص في حسينية الخميني وسط طهران، قال خامنئي: "بمشارکة الناس ستحقق إيران مكاسب كبيرة على الساحة الدولية، تعالوا، حددوا، اختاروا، وصوّتوا".
وأضاف: "كل ما سيفعله الناس من الصباح إلى الليل سيصنع مستقبلهم ومصيرهم لسنوات عدة، ولهذا السبب فإن العقل والحكمة يقولان بأن يساهم الناس في تحديد مصيرهم بأنفسهم"، بحسب ما أوردت قناة "إيران إنترناشيونال".
وتأتي دعوة خامنئي إثر استطلاعات رأي توقعت ألا تتجاوز نسبة المشاركة 42%، وهي قياسية من حيث تدنّيها، في ظل استياء شعبي من الوضع الاقتصادي الصعب، ووسط ترجيح كفة الفوز للمحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي، الموالي بشدة للمؤسسة الدينية.
تراجع نسبة الإقبال عن 2017
وأفادت وكالة "أسوشيتد برس" بأنه بحلول المساء بدت نسبة الإقبال أقل بكثير مما كانت عليه في الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة عام 2017.
وعرض التلفزيون الحكومي لقطات لأماكن الاقتراع، وبدا أن مشاركة الناخبين قليلة في الساعات الأولى من الانتخابات.
وفي غياب أي إحصاءات رسمية، أفادت وكالة "فارس" التي تعد مقربة من المحافظين المتشددين بأن نسبة الاقتراع حتى الساعة 16:45 بالتوقيت المحلي وصلت إلى نحو 23 %.
من جهته، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني عقب الإدلاء بصوته: "على الرغم من المشاكل والقضايا قبل الانتخابات، فلا يزال يتعين علينا التصويت"، مضيفاً أن "انتخابات عدد قليل من الدول فقط تهم العالم، ومن بينها إيران"، بحسب "إيران إنترناشيونال".
ولكن الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد وصف في رسالة مصورة طريقة إجراء الانتخابات بأنها "على حساب الوطن"، بحسب ما أوردت قناة "إيران إنترناشيونال".
وقال أحمدي نجاد: "كواجب شخصي، لست مستعداً للمشاركة في هذه الخطيئة، ولست مع أحد من المرشحين".
وفي السياق، نظم نحو 100 متظاهر، الجمعة، وقفة احتجاجية أمام مكتب المصالح الإيرانية في واشنطن بالتزامن مع فتح صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية، رافعين لافتات يصفون فيها الرئيس القادم بأنه "قاتل".
أسبقية لرئيسي
عُيّن إبراهيم رئيسي (60 عاماً)، رئيساً للسلطة القضائية منذ عام 2019، وبعد بضعة أشهر من تعيينه، فرضت الولايات المتحدة عليه عقوبات بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان، تشمل إعدام معتقلين سياسيين في الثمانينات، وقمع اضطرابات في 2009، وهي أحداث لعب فيها دوراً، حسبما تقول جماعات حقوقية.
ولم تقر إيران مطلقا بتنفيذ أحكام إعدام جماعية، ولم يتحدث رئيسي نفسه علناً عما يتردد عن دوره في مثل هذه الأحداث.
ويتنافس مع 3 مرشحين آخرين، ويعدّ الأوفر حظاً للفوز بولاية من 4 سنوات خلفاً للرئيس الحالي (المعتدل) حسن روحاني الذي يحول الدستور دون ترشحه لفترة ثالثة.
ويواجه رئيسي، رجل الدين المقرب من المرشد الأعلى علي خامنئي، المحافظَين المتشددين محسن رضائي القائد السابق للحرس الثوري، والنائب أمير حسين قاضي زاده هاشمي؛ أما المرشح الوحيد من خارج التيار المحافظ، فهو الإصلاحي عبد الناصر همتي، حاكم المصرف المركزي منذ عام 2018 حتى ترشحه.
ويُعدّ رئيسي الأقوى بين المتنافسين، إذ حصد 38% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية عام 2017، وكان له حضوره في مناصب عدة على مدى العقود الماضية، خاصة في السلطة القضائية، أحد أبرز أركان الحكم في النظام السياسي الإيراني. وتطرح وسائل إعلام إيرانية اسمه كخلف محتمل للمرشد خامنئي.
وأظهر استطلاع لـ"إيران إنترناشيونال" أن رئيسي سيحصل على نسبة تقارب 76% من أصوات الناخبين الإيرانيين.
وبحسب هذا الاستطلاع، يأتي رضائي بعد رئيسي بنسبة 15%، ويليهما همتي بنسبة 7% من الأصوات.
وصوّت رئيسي داخل مركز في طهران، وقال في تصريحات أوردتها وكالة "أسوشيتد برس"، إن "البعض قد يكون منزعجاً للغاية، لدرجة أنهم لا يريدون التصويت"، في إشارة إلى قرار المقاطعة الذي اتخذه العديد من الإيرانيين.
وقال رئيسي: "أتوسل للجميع، الشباب المحبوبين، وجميع الرجال والنساء الإيرانيين الذين يتحدثون أي لهجة أو لغة، من أي منطقة، ومع أي وجهات سياسية، أن يذهبوا للتصويت ويدلوا بأصواتهم".
ويتم ترجيح فوز رئيسي بعدما استبعد مجلس صيانة الدستور مئات المرشحين، خصوصاً الإصلاحيين والمعتدلين، ومنح الأهلية لـ7 أشخاص فقط لخوض انتخابات الرئاسة من أصل نحو 600 مرشح، ما أعطى انطباعاً بأن النتيجة حُسمت.
وضمت القائمة النهائية 5 محافظين متشددين و2 من الإصلاحيين، لكن 3 مرشحين أعلنوا انسحابهم الأربعاء.
مرشح الإصلاحيين وحيداً
الإصلاحيون يواجهون خياراً صعباً عقب إقصاء أبرز مرشحيهم، وذلك بين المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها.
ويرى مؤيدو المقاطعة أن استبعاد أبرز المرشحين الإصلاحيين كان جزءاً من "عملية التزوير"، حتى يمهّد المتشددون الطريق لفوز مرشحهم المفضل، إبراهيم رئيسي.
وبدلاً من الاتحاد بشأن المرشح الوحيد المتبقي، المقرّب من الإصلاحيين، لرفع نسبة حظوظه الانتخابية، فشلت أطراف هذا التيار في التوصل إلى إجماع لدعم محافظ البنك المركزي السابق عبد الناصر همتي.
وسيعزز فوز رئيسي، في حال تحقق، إمساك التيار المحافظ بمفاصل هيئات الحكم، بعد فوزه العريض في انتخابات مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) العام الماضي.
واختتمت الخميس حملة امتدت 3 أسابيع من دون حماسة تُذكر لموعد انتخابي يأتي في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية سببها الأساسي العقوبات الأميركية، وزادتها حدة جائحة فيروس كورونا.
ودُعي أكثر من 59 مليون إيراني ممن أتموا الثامنة عشرة من العمر إلى مراكز الاقتراع التي ستبقى مفتوحة حتى منتصف الليل، وقد تُمدّد حتى الثانية فجراً بسبب الإجراءات الوقائية الصحية وتفادياً للاكتظاظ.
تحديات اقتصادية
وتطوي الانتخابات عهد روحاني الذي بدأ في عام 2013، وتخلله انفتاح نسبي على الغرب تُوّج بإبرام اتفاق عام 2015 بين طهران والقوى الكبرى بشأن برنامج إيران النووي، بعد أعوام من التوتر.
وأتاح الاتفاق رفع عقوبات عن طهران، مقابل الحدّ من أنشطتها النووية؛ ولكن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، قرر الانسحاب بشكل أحادي من الاتفاق في 2018، وأعاد فرض العقوبات على إيران.
وتتزامن الانتخابات مع مباحثات فيينا بين إيران وأطراف الاتفاق النووي، وبمشاركة أميركية غير مباشرة، سعياً لإحيائه. وأبدى المرشحون تأييدهم لأولوية رفع العقوبات والتزامهم بالاتفاق النووي إذا تحقق ذلك.
وقال مسؤولون إيرانيون إن فوز رئيسي، لن يفسد مسعى إيران لإحياء الاتفاق والتخلص من عبء العقوبات النفطية والمالية القاسية، إذ إن لخامنئي، وليس للرئيس، القول الفصل في سياسات البلاد النووية والخارجية، ومن ثم فإن فوز رئيسي لن يعطل محاولة إيران إحياء الاتفاق النووي، والتحرر من وطأة العقوبات النفطية والمالية القاسية.
وتدرك المؤسسة الدينية الحاكمة أن مستقبلها السياسي يعتمد على معالجة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وإلا فستكون الاحتجاجات الشعبية بالمرصاد، كما حدث في شتاء 2018 وخريف 2019.