من طموحات ترمب وحربه التجارية إلى الانتخابات المبكرة.. استحقاقات تواجه حكومة كندا الجديدة

مارك كارني بعد فوزه بزعامة الحزب الليبرالي الحاكم في كندا وخلافته جاستن ترودو في منصب رئيس الوزراء خلال تجمع مع أنصاره في أونتاريو. 9 مارس 2025 - Reuters
مارك كارني بعد فوزه بزعامة الحزب الليبرالي الحاكم في كندا وخلافته جاستن ترودو في منصب رئيس الوزراء خلال تجمع مع أنصاره في أونتاريو. 9 مارس 2025 - Reuters
أونتاريو -بلقيس دارغوث

شكّل انتخاب مارك كارني زعيماً للحزب الليبرالي ورئيساً للوزراء في كندا، مفاجأة كبيرة نتيجة انتقاله السريع في نحو شهرين فقط من عالم الاقتصاد إلى معترك السياسة.

وفاز كارني الذي لم يتم انتخابه مسبقاً لأي منصب في حياته، بزعامة حزب الليبراليين باكتساح إذ حصل على نحو 86% من الأصوات، ليتخطّى فوزه ما حققه رئيس الوزراء المنتهية ولايته جاستن ترودو بعد سباق الزعامة الخاص به عام 2013.

ولكن لم تكد تمر 24 ساعة على فوزه، حتى استيقظ الكنديون على تصعيد جديد من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، هدّد كندا من خلاله بدفع "ثمن باهظ"، وجدد نواياه بشأن ضم كندا إلى بلاده لتصبح الولاية الأميركية 51.

ورغم السباق المحموم على تأييد الناخبين، لا سيما بين الليبراليين والمحافظين، إلا أن هجوم ترمب المستمر حرّك الإحساس الوطني عند الكنديين، وأدّى إلى توحدهم في مواجهة خطابه الذي يسعى إلى خفض رتبة بلدهم من دولة، إلى ولاية.

‫وفي ضوء التطورات المتسارعة التي تشهدها كندا، يبدو انتخاب كارني الكاسح لقيادة الحزب الليبرالي، خلفاً لترودو المستقيل، مجرد محطة من محطات عديدة، تنتظره قبل أن يبدأ عهده، الذي قد لا يطول في ضوء ما سيواجهه من تحديات، بينما تلوح في الأفق ملامح انتخابات فيدرالية مُبكرة.

لم يصبح كارني رئيساً للوزراء بعد، إذ يتعين عليه أن يؤدي اليمين أمام الحاكم العام لكندا، ماري سيمون، في قاعة ريدو في العاصمة أوتاوا، وحتى ذلك الحين، يظل كارني هو رئيس الوزراء المُعيّن، وتم تحديد موعد توليه منصبه كرئيس الحكومة الرابع والعشرين، الجمعة 14 مارس، وبالتالي فهو غير مخوّل بإجراء أي محادثات مباشرة مع ترمب بعد.

عقبات لوجستية

ومن الناحية الإجرائية، من المقرر أن يزور ترودو الحاكم العام في كندا، ماري سيمون، الجمعة، ويقدم استقالته رسمياً، ثم يؤدي كارني اليمين الدستورية والولاء.  كما يتوجب أن يكشف رئيس الوزراء الجديد عن حكومته الجديدة، والتي تضم جميع مرشحيه في الحكومة.

وفي هذا السياق، يواجه كارني وفريقه عقبات لوجستية، كالحصول على التصاريح الأمنية المناسبة للأشخاص الجدد الذين سيعينهم تحت إدارته، وهو الأمر الذي سوف يستغرق بعض الوقت، حيث أن هذه التصاريح قد تستغرق في كثير من الأحيان أكثر من أسبوعين.

وقال ترودو إنه سيبقى في منصبه لبضعة أيام أو أسابيع للمساعدة في عملية انتقال السلطة وإنجاز ما تبقى من مهام، وبمجرد أداء كارني اليمين الدستورية، سيستقيل ترودو رسمياً.

وبحسب ما ذكرت وسائل إعلام كندية، بدأت بالفعل المكالمات والمشاورات لتحديد من سيعمل في مكتب كارني، حيث شرع في اختيار فريقه في المرحلة المقبلة، إلا أنه لم يُعلن بعد عن الأسماء المشاركة.

انتخابات فيدرالية مبكرة؟

من المحتمل أن تتجه كندا نحو إجراء انتخابات فيدرالية قبل موعدها، لكن دون تحديد الأفق الزمني. ومن المرجح أن يواجه كارني مباشرةً تساؤلات بشأن نواياه فيما يتعلق بالدعوة إلى انتخابات مبكرة، علماً أنها كانت مقررة دستورياً في أكتوبر من العام الجاري 2025.

وبمجرد أدائه اليمين الدستورية، ستكون لدى كارني الصلاحية للدعوة إلى انتخابات مبكرة، أو المخاطرة بطرح سؤال الثقة بحكومته الجديدة في مجلس العموم في وقت لاحق من هذا الشهر.

ولعلّ اللافت أن كارني ليس عضواً منتخباً في البرلمان الحالي، وليس له مقعد في مجلس العموم، وهذا ما أثار تكهنات وتلميحات من كارني نفسه، بأن الانتخابات ستُعقد قريباً، حتى قبل الموعد المقرر لعودة البرلمان في 24 مارس.

لكن قبل أن يتمكن كارني من اتخاذ هذا القرار، سيتعين عليه تعيين حكومة، وهنا تطرح تساؤلات بشأن قدرته على الاحتفاظ بحكومة ترودو الحالية إلى حد كبير أو اختيار فريق مؤقت.

وفي حديث لـ"الشرق"، قالت النائبة عن الحزب الديمقراطي الجديد، ليندساي ماثيسون، إن الحزب يتحضر للمشاركة في هذه الانتخابات، إذا ما دعا كارني إليها مبكراً، وذلك عبر تحضير برامج تستهدف دعم العمال الكنديين، الذين سيكون الأكثر تضرراً جراء الحرب التجارية مع الولايات المتحدة.

ماذا عن تهديدات ترمب؟

في خطاب النصر، تعهّد كارني بمواصلة الوقوف في وجه التهديدات المستمرة لترمب بفرض رسوم جمركية على السلع الكندية التي تدخل الولايات المتحدة، والتي قال إنها "تهاجم العمال والأسر والشركات الكندية".

وكان ترمب صعّد خطابه ضد كندا، وأعلن إضافة تعريفة جمركية إضافية بنسبة 25%، لتصل إلى 50%، على جميع واردات الفولاذ والألومنيوم الواردة إلى الولايات المتحدة من كندا، وذلك بعدما فرضت مقاطعة أونتاريو رسوماً جمركية على إمداداتها الكهربائية لبعض الولايات الحدودية، رداً على ما فرضه ترمب قبل ذلك.

لكن الرئيس الأميركي عاد وتراجع عن رفع الرسوم الجمركية إلى 50% بعدما صرّح رئيس وزراء مقاطعة أونتاريو، دوج فورد، الثلاثاء، أن وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك، اتصل به، ووافق على إلغاء الرسوم الإضافية التي كان أعلنها، الاثنين، وأعرب عن ثقته في أن الرئيس الأميركي سيتراجع أيضاً عن خططه الخاصة بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الصلب والأولمنيوم الكندي.

وقبل أن يتراجع، هدّد ترمب بأن كندا ستدفع "ثمناً مالياً كبيراً جداً لدرجة أنه سيُقرأ في كتب التاريخ لسنوات عديدة قادمة"، معتبراً أن "ضم كندا هو الطريقة الوحيدة التي يمكنها بها تجنب محاولاته لتدمير الاقتصاد"، بعد رفعه للرسوم الجمركية على منتجات الفولاذ والألمنيوم بنسبة 50%.

اقتصاد لا يعتمد على الولايات المتحدة

النائبة عن الحزب الديمقراطي الجديد، ليندساي ماثيسون، رأت أن "تسريح العمال وإضعاف اقتصادنا هو بالضبط ما يريده ترمب".

وأضافت في تصريحات لـ"الشرق": "بدلاً من ذلك، نحتاج إلى بناء اقتصاد لا يعتمد على الولايات المتحدة، اقتصاد يضع كندا أولاً والعمال أولاً، ويكون مرناً على المدى الطويل. بهذه الطريقة يمكن لكندا أن تنتصر في حرب دونالد ترمب التجارية وتشق طريقها عبر هذه الأزمة".

وبينما وصفت ترمب بـ"المتنمر"، الذي يدرك معنى القوة، أكدت ماثيسون أن حزب الديمقراطيين الجُدد مستعد للقتال بشراسة في هذه الحرب التجارية، مشيرة إلى أنه بصدد تقديم برنامج ضخم جديد للبنية التحتية العامة لخلق فرص عمل، والذي سيشترط تصنيع الصلب الكندي ومواد البناء الأخرى داخل كندا.

غالباً ما يحرص زعماء الأحزاب الجدد في كندا على ضم صاحب المركز الثاني في السباق على زعامة الحزب، في حكومتهم كنوع من إظهار "وحدة الحزب".

وقال فرانك بايليس، رجل الأعمال السابق في مونتريال، والنائب البرلماني الذي حل في المركز الرابع في السباق بنسبة 3%، إن الكنديين يحتاجون إلى الاصطفاف متحدين خلف قائد جديد.

وفي حديث لـ"الشرق"، أضاف بايليس: "لقد لمسنا تنامياً قوياً في الوحدة الوطنية، من الساحل إلى الساحل، حيث توّحد الكنديون صفاً واحداً لمواجهة تهديدات ترمب. أرى في هذا فرصةً للمضي قدماً في قضايا لم تحظَ سابقاً بإجماعٍ يُذكر، مثل مساعدة ألبرتا على تصدير منتجاتها النفطية إلى الأسواق الخارجية، والتعاون لتحديث الرعاية الصحية وتحقيق أهدافنا المناخية.

كما لفت إلى ضرورة تعزيز العلاقات مع دول أخرى، مثل بريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا وكذلك مع الشرق الأوسط.

وكانت وزيرة المالية السابقة، كريستيا فريلاند، حلّت في المرتبة الثانية بفارق كبير، الأحد الماضي، وقالت للصحافيين إنها ستترشح في الانتخابات الفيدرالية المقبلة. وبخصوص ما إذا كانت ستلعب دوراً في حكومة كارني، لفتت فريلاند إلى أن الأمر متروك لكارني لاختيار من يريده إلى جانبه.

سباق محموم بين المحافظين والليبراليين

يبدو أن الحزب المحافظ الذي كان حتى الأمس متقدماً على الحزب الليبرالي الحاكم، على وشك توديع أي فرصة له بالفوز بغالبية برلمانية، إذ كشف استطلاع أسبوعي للرأي نشر الثلاثاء، أن الليبراليين الآن متأخرين بنقطة واحدة فقط وفقاً لأحدث أرقام وكالة "نانوس".

وبينما حصل المحافظون على 3% من الدعم، ارتفع نصيب الليبراليين، تحت قيادة مارك كارني، إلى 35% من الدعم، بينما حصل الحزب الديمقراطي الجديد على 15%.

وتُشير البيانات إلى أن استقالة رئيس الوزراء جاستن ترودو، والسباق الحزبي بشأن استبداله، إلى جانب تدهور العلاقات بين كندا والولايات المتحدة، أدت إلى تحول كبير في الرأي العام الكندي، فخلال حملة انتخابات قيادة الحزب الليبرالي، لفت كارني أكثر من مرة إلى أن زعيم المحافظين بيار بواليفير "يقدس" ترمب و"يستخدم لغته، وبالتالي فهو ليس القائد المناسب لكندا في لمرحلة المقبلة".

بدورها، قالت ماثيسون إن بواليفير "سيستخدم أي عذر لخفض برامج الدعم للعمال، وخفض الاستثمارات، وتوجيه المزيد من الأموال إلى الأثرياء للغاية". وأضافت: "يقول إن كندا ضعيفة، وفقيرة، ومعزولة، هذا غير صحيح - كندا قوية، ويمكننا استخدام قوتنا لتنمية اقتصادنا وبناء أمتنا”.

في 27 فبراير الماضي شهدت مقاطعة أونتاريو، انتخابات طارئة، دعا إليها رئيس وزرائها، دوج فورد. وكان من المقرر أن تقام هذه الانتخابات في أواخر 2026، لكن فورد قرر إجراءها مبكراً كنوع من استفتاء شعبي، في المقاطعة التي تضم نحو 40% من سكان كندا.

وحققت هذه الخطوة هدفين لفورد، الأول تعزيز موقفه بعدما حظي بغالبية في الانتخابات الأخيرة وهو القادم بدعم المحافظين التقدميين، وذلك تحضيراً لمواجهة سياسات ترمب الاقتصادية، أما الهدف الثاني فهو محاولة لتثبيت أقدام المقاطعة الأكثر اكتظاظاً بالسكان قبل تغيير الليبراليين قيادتهم والتحضير لخوض معركة انتخابية على مستوى البلد بأكمله.

وبعد فوزه بالغالبية للمرة الثالثة، وهي سابقة تاريخية، أعلن فورد، حزمة قرارات، منها إلغاء أونتاريو صفقتها البالغ قيمتها 100 مليون دولار مع شركة "ستارلينك" لخدمات الإنترنت، المملوكة للملياردير الأميركي إيلون ماسك، المقرب من ترمب، إلى جانب حظر الشركات الأميركية من عقود المشتريات، وفرض تعريفات جمركية على الطاقة الكهربائية التي تزود كندا بها أكثر من 1.5 مليون مستهلك أميركي يعيشون في الولايات الحدودية، وذلك قبل أن يتراجع رئيس وزراء المقاطعة عن رفع الرسوم إلى 50%، آنفة الذكر، فيتراجع ترمب في المقابل.

وهكذا، تعكس انتخابات أونتاريو المزاج الانتخابي في كندا المشحون بالمشاعر الوطنية، وذلك رداً على "مطامع" ترمب تحت عنوان "كندا ليست للبيع".

تصنيفات

قصص قد تهمك