واصلت الولايات المتحدة شن غارات "متوالية" على أهداف تابعة لجماعة "الحوثيين" في اليمن، فيما ذكر سكان ومصادر محلية لـ"الشرق"، فجر الأحد، أن مقاتلات أميركية استهدفت مناطق وأحياء عدة، أبرزها في محافظات صنعاء وصعدة والبيضاء وذمار.
وقال شهود عيان إن غارات أميركية، في السابعة والنصف صباحاً بالتوقيت المحلي، استهدفت مواقع عسكرية للحوثيين في مدينة تعز جنوب غرب اليمن.
وأوضحت المصادر أن "المقاتلات الأميركية استهدفت أحياء شعوب والتلفزيون والمطار ومحيط معسكر الأمن المركزي سابقاً، ومبنى الأمن القومي في صنعاء"، فيما طال القصف "موقعاً عسكرياً في جبل ثرة بمديرية مكيراس بمحافظة البيضاء، ومناطق في منطقة الشغف التابعة لمديرية ساقين التابعة لمحافظة صعدة".
وأفادت مصادر محلية لـ"الشرق" بانقطاع التيار الكهربائي عن مدينة ضحيان في محافظة صعدة، إثر استهداف الطيران الأميركي لمحطة توليد الكهرباء في المحافظة.
وقالت وزارة الصحة التي يديرها "الحوثيون" إن "الضربات الأميركية على اليمن أسفرت عن سقوط 31 وإصابة 101 آخرين.
والضربات، التي قال أحد المسؤولين الأميركيين إنها قد تستمر لأيام وربما لأسابيع، هي أكبر عملية عسكرية أميركية في الشرق الأوسط منذ تولي ترمب منصبه في يناير، وتأتي في الوقت الذي تصعد فيه الولايات المتحدة ضغوط العقوبات على إيران بينما تحاول جلبها إلى طاولة المفاوضات على برنامجها النووي.
ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مصدرين، قالت إن إدارة ترمب أطلعتهما على التفاصيل، قولهما إن الموجة الحالية من الضربات الأميركية على الحوثيين في اليمن لها ثلاثة أهداف.
وقال المصدران إن الغارات الأميركية تستهدف على المدى القصير قاذفات الصواريخ الحوثية التي كانت تتحرك نحو الساحل استعداداً لهجمات جديدة على السفن المارة في البحر الأحمر. كما تستهدف الغارات قيادات الحوثيين. وأخيراً، ترسل الضربات رسالة إلى إيران مفادها أنها يمكن أن تكون التالية، وما هي القدرة العسكرية والقوة التي يمكن نشرها واستخدامها.
وفي وقت متأخر من مساء السبت (بالتوقيت المحلي الأميركي)، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترمب أوامر للجيش بشن "عمل عسكري حاسم وقوي" ضد أهداف حوثية، متعهداً باستخدام "قوة قاتلة ساحقة" حتى تحقق واشنطن أهدافها.
وقالت القيادة المركزية الأميركية CENTCOM في تدوينة على حسابها بموقع "إكس"، إن العمليات تأتي "في إطار جهودها لحماية الملاحة الدولية وردع التهديدات المتزايدة في البحر الأحمر".
وأفادت مصادر محلية لـ"الشرق" بأن "الضربات الأميركية العنيفة على مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن استمرت حتى الساعة الثالثة والنصف بالتوقيت المحلي".
وقال متحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) إن الحوثيين هاجموا السفن الحربية الأميركية 174 مرة والسفن التجارية 145 مرة منذ عام 2023، ويقول الحوثيون إن الهجمات تأتي في إطار "التضامن مع الفلسطينيين" بشأن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
ويقول مسؤولون أميركيون تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم إن ترمب أمر باتباع نهج أكثر عدوانية.
وقال مسؤولون إن طائرات مقاتلة من حاملة الطائرات هاري إس ترومان، التي تتمركز في البحر الأحمر، نفذت بعض الضربات.
ووصفت القيادة المركزية للجيش الأميركي التي تشرف على القوات في الشرق الأوسط الضربات بأنها بداية لعملية واسعة النطاق في جميع أنحاء اليمن.
وأعاد وزير الدفاع بيت هيجسيث نشر تدوينة لوزارته على منصة X، جاء فيها: "اليوم، أمر الرئيس ترمب بسلسلة من العمليات العسكرية للدفاع عن أصول الشحن الأميركية في البحر الأحمر وردع تهديدات العدو للمصالح الأميركية.. لن يتم التسامح مع هجمات الحوثيين على السفن والطائرات الأميركية (وقواتنا!)".
ووصف المكتب السياسي للحوثيين الهجمات بأنها "جريمة حرب"، وقال، في بيان، إن قواتهم "مستعدة تماماً للرد على التصعيد بالتصعيد".
وقالت وزارة الخارجية الروسية، الأحد، إن الوزير سيرجي لافروف حث الولايات المتحدة على وقف الضربات التي تنفذها على جماعة الحوثي في اليمن.
وأضافت الوزارة أن لافروف تحدث هاتفياً مع نظيره الأميركي ماركو روبيو، وأن الوزير الروسي "شدد على الحاجة إلى وقف فوري لاستخدام القوة وأهمية مشاركة كل الأطراف في حوار سياسي من أجل التوصل إلى حل يمنع المزيد من إراقة الدماء".
"قوة قاتلة ساحقة"
وذكر ترمب، في بيان، أن الحوثيين "شنّوا حملة لا هوادة فيها من القرصنة والعنف والإرهاب ضد السفن والطائرات الأميركية، وغيرها من الأصول الجوية والبحرية"، مشيراً إلى أن رد الرئيس السابق جو بايدن "كان ضعيفاً بشكل مثير للشفقة".
وتعهد الرئيس الأميركي بأنه "لن يتم التسامح مع الهجوم الحوثي على السفن الأميركية.. سنستخدم قوة قاتلة ساحقة حتى نحقق هدفنا".
وأضاف: "لقد خنق الحوثيون حركة الشحن في واحدة من أهم الممرات المائية في العالم، مما أدى إلى شلل أجزاء واسعة من التجارة العالمية، وهاجموا المبدأ الأساسي لحرية الملاحة الذي يعتمد عليه الاقتصاد والتجارة الدولية".
وأعلن ترمب أن "الجيش الأميركي يشن هجمات جوية على قواعد تابعة لجماعة الحوثيين وقادتها وأنظمتها الدفاعية الصاروخية"، مشيراً إلى أن الخطوة تهدف إلى حماية السفن والمجال الجوي والأصول البحرية الأميركية، وإعادة حرية الملاحة.
وزاد: "إلى جميع إرهابيي الحوثيين، انتهى وقتكم، ويجب أن تتوقف هجماتكم، اعتباراً من اليوم.. إذا لم تفعلوا ذلك، سينهال عليكم الجحيم بطريقة لم تشهدوها من قبل!". وتابع: "لن يسمح لأي قوة إرهابية بمنع السفن التجارية والتابعة للبحرية الأميركية من الإبحار بحرية عبر الممرات المائية العالمية".
وكانت جماعة "الحوثيين" قالت، الأسبوع الماضي، إنها ستستأنف حظر عبور السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر أو بحر العرب أو مضيق باب المندب أو خليج عدن بـ"أثر فوري"، بعد توقف بدأ في يناير مع وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وعقب ذلك بأيام، هدد "الحوثيون" باستئناف عملياتهم البحرية ضد السفن الإسرائيلية، إذا لم تتراجع تل أبيب عن منع إدخال المساعدات إلى غزة خلال أيام.
وفي الثاني من مارس، منعت إسرائيل دخول شاحنات المساعدات إلى غزة، قبل أن تعلن، الأحد، وقف إمداد القطاع بالتيار الكهربائي، فيما ذكرت مصادر إسرائيلية لـ"هيئة البث الإسرائيلية" أن "المرحلة المقبلة ستكون وقف إمداد شمال القطاع بالمياه".
تعطيل الشحن الدولي
وفقاً للبيت الأبيض، أشار تقرير صادر عن وكالة استخبارات الدفاع الأميركية عام 2024 إلى أن عمليات شحن الحاويات عبر البحر الأحمر انخفضت بشكل حاد بسبب هذه هجمات الحوثيين.
وقبل بدء الهجمات الحوثية، كانت 25 ألف سفينة تجارية تعبر البحر الأحمر سنوياً، أما الآن، فقد انخفض العدد إلى حوالي 10 آلاف سفينة سنوياً، حيث تم إعادة توجيه واردات الولايات المتحدة من السلع الاستهلاكية والسيارات، وكذلك صادراتها الزراعية من منطقة الخليج الأميركي، بسبب هجمات الحوثيين.
وفي نوفمبر 2023، استولى الحوثيون على السفينة "M/V Galaxy Leader"، وبدأوا في مهاجمة سفن تجارية بصواريخ مضادة للسفن ومركبات غير مأهولة.
وتسببت هجمات الحوثيين في إعادة توجيه نحو 75% من السفن المرتبطة بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة للإبحار حول قارة إفريقيا بدلاً من عبور البحر الأحمر، حيث يؤدي هذا المسار، وفقاً للبيت الأبيض، إلى زيادة زمن الرحلة بمعدل 10 أيام إضافية، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الوقود بحوالي مليون دولار إضافي لكل رحلة.
وأدت الزيادة في تكاليف الشحن الناتجة عن هجمات الحوثيين إلى رفع معدل التضخم العالمي لأسعار السلع الاستهلاكية بنسبة تتراوح بين 0.6% و 0.7% في عام 2024.
ويُعد البحر الأحمر ممراً رئيسياً للتجارة بين أوروبا وآسيا، حيث تمر 95% من السفن المتجهة بين القارتين عبره.
وذكر بيان البيت الأبيض أن من بين أكبر 10 دول مستوردة عبر البحر الأحمر (من حيث القيمة)، 5 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وأكد ترمب أن الولايات المتحدة لن تسمح لأي تنظيم بإملاء شروطه على حرية الملاحة الدولية أو تهديد الأمني الاقتصادي والعسكري الأميركي، وقال إن الإجراءات التي اتُخذت تهدف إلى "إنهاء تهديد الحوثيين وحماية المصالح الأميركية وحلفائنا حول العالم".