العام هو 2030. الرئيس التنفيذي لشركة "أبل"، تيم كوك، يعتلي المسرح، يلوح بعصاه السحرية الجديدة "أبل ماجيك واند"، ويهتف قائلاً: "أبل-كادابرا!" قبل أن يزيح قطعة قماش سوداء. إنه "الآيفون" المصنوع في أميركا.
هاتف صُنع بكثير من المال، الجهد، الوقت، وبعض من "غبار الجنيَّات"، هكذا تصوَّرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الوضع بعد خمس سنوات.
على المدى القصير، قد تؤدي الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إلى ارتفاع أسعار هواتف "آيفون". أما الهدف على المدى الأطول، فيتمثل في إعادة عمليات تصنيع التكنولوجيا المتقدمة إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك منتج "أبل" الأهم الذي يدرّ عليها الأرباح.
وقال وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك، في مقابلة مع برنامج Face the Nation على شبكة CBS نهاية الأسبوع: "جيش الملايين من البشر الذين يثبتون البراغي الصغيرة لتجميع هواتف آيفون، هذا النوع من العمل سينتقل إلى أميركا". وأضاف: "سيكون ذلك مؤتمتاً (أوتوماتيكياً)".
"تدريب النسر أسهل"
لكن هواتف "آيفون" تحتوي على خليط من الأجزاء المتطورة، تُستورد من دول متعددة، ويتم تجميعها بشكل أساسي في الصين، حيث تطورت صناعة الإلكترونيات عبر أجيال.
وقالت "وول ستريت جورنال" إن الولايات المتحدة لا تمتلك منشآت شبيهة بتلك الموجودة في الصين، كما أنها تفتقر إلى الأيدي العاملة الماهرة اللازمة لتجميع أجهزة "آيفون" على هذا النطاق الواسع.
وأضافت الصحيفة أنها شكَّلت لجنة من الخبراء في مجالي التصنيع والتكنولوجيا لمعرفة مدى صعوبة نقل إنتاج هواتف "آيفون" إلى الولايات المتحدة. وخلصت إلى أنه "من الأسهل تدريب نسر أصلع (شعار الولايات المتحدة) على استخدام مفك براغي".
وأجمع الخبراء على أن تصنيع كل مكونات هاتف "آيفون" وتجميعه بالكامل داخل الولايات المتحدة "أمر مستحيل"، أما نقل جزء من التصنيع إلى أميركا فـ"لا يبدو ضرباً من الجنون"، بحسب الصحيفة.
وقالت "وول ستريت جورنال" إن "أبل" رفضت التعليق على إمكانية تصنيع أجهزة "آيفون" في الولايات المتحدة.
تعاون عابر للحدود
وقال جاري جيريفي، الأستاذ الفخري في جامعة ديوك والمتخصص في دراسة التصنيع العالمي منذ عقود، للصحيفة إن أجهزة "آيفون" تحتوي على أجزاء من أكثر من 40 دولة مختلفة، وأن أكثر المكونات تعقيداً وتخصصاً تأتي من نحو 6 دول.
وفي الوقت الحالي، يتم تصنيع الكثير من تلك الأجزاء في الصين، أو بالقرب منها، وهي تستفيد من قربها الجغرافي من تايوان وكوريا الجنوبية واليابان.
ويقول جيريفي إن السبيل الواقعي الوحيد لتجميع هواتف "آيفون" في الولايات المتحدة يكمن في "إعادة بناء سلسلة التوريد الخاصة به"، من خلال نقل بعض مكونات التصنيع الأساسية إلى منطقة أميركا الشمالية بشكل أوسع، بحيث تُصنع بعض الأجزاء في المكسيك وكندا، وربما حتى في أوروبا الغربية.
لكن أي عملية تجميع داخل الولايات المتحدة خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة ستظل تعتمد أيضاً على قطع غيار مستوردة من آسيا، بحسب جيريفي.
وعندما بدأت "أبل" تصنيع جهاز "ماك برو" المكتبي في الولايات المتحدة، كانت من أولى العقبات التي واجهتها هي صعوبة الحصول على قطع الغيار، بما في ذلك البراغي، محلياً.
وحتى في حال غياب العوائق التمويلية، يقدر جيريفي أن الأمر سيتطلب من ثلاث إلى خمس سنوات لبناء القدرة والجودة اللازمة، لتحقيق ما وصفه بـ"الانسجام الأميركي العظيم" في التصنيع.
نقص في الأيدي العاملة
وبالحديث عن الأيدي العاملة، فإن تجميع "آيفون" في الولايات المتحدة سيتطلب زيادة ضخمة في عددها، سواء أكانت بشرية أم آلية.
ويرى تينجلونج داي، الأستاذ الجامعي في جامعة جونز هوبكنز، والمتخصص في سلاسل الإمداد العالمية، أن شراء معدات التصنيع اللازمة "ليس مستحيلاً"، لكن توفير عدد كافٍ من الأشخاص القادرين على تشغيلها ربما يكون كذلك. وقال: "نواجه نقصاً حاداً في الأيدي العاملة، كما فقدنا مهارة التصنيع على نطاق واسع".
وفي وقت سابق، قالت شركة "فوكسكون"، المسؤولة عن تجميع هواتف "آيفون"، إنها توظف 300 ألف عامل في مدينة تشنجتشو الصينية، المعروفة بـ"مدينة الآيفون".
وفي مواجهة الرسوم الجمركية، تخطط "أبل" للحصول على المزيد من الأجهزة المجمَّعة في الهند، التي تملك أيضاً قوة عاملة ضخمة في قطاع التصنيع، حسبما ذكرت "وول ستريت جورنال" في تقرير سابق.
وقالت الصحيفة إن الولايات المتحدة لا تمتلك قوة عاملة بهذا الحجم، مضيفة أن التوظيف يمثل أحد أكبر التحديات التي تواجه المصانع الأميركية القائمة حالياً.
فجوة مهارات
وإلى جانب نقص العمالة، هناك فجوة في المهارات؛ ففي مقابلة عام 2017 مع مجلة "فورتشن"، قال كوك إن الحافز للتصنيع في الصين لم يكن العمالة الرخيصة. وأضاف: "المنتجات التي نصنعها تتطلب أدوات متقدمة للغاية"، مشيراً إلى المعدات المتطورة المستخدمة في صناعة أجهزة "آيفون".
وتابع كوك: "في الولايات المتحدة، قد نعقد اجتماعاً لمهندسي الأدوات، ولا أعتقد أننا سنملأ الغرفة. أما في الصين، فيمكنك أن تملأ عدة ملاعب كرة قدم".
ويقول داي إن الروبوتات يمكن أن تساعد في عمليات التغليف والاختبار، لكن مهام مثل تمديد الأسلاك، وإضافة المواد اللاصقة، وتثبيت البراغي الصغيرة، ما زالت تتطلب أيادي بشرية.
أموال طائلة
وقالت "وول ستريت جورنال" إن كل ما سبق يتطلب "أموالاً طائلة". وكان ترمب قد أشار إلى استعداد شركة "أبل" لإنفاق 500 مليار دولار على التصنيع في الولايات المتحدة. لكن هذا الالتزام يتركز بالدرجة الأولى على مصنع في هيوستن مخصص لصناعة خوادم الذكاء الاصطناعي، وليس هواتف "آيفون".
وأضافت الصحيفة أن "أبل" ستحتاج إلى إنفاق مبالغ أكبر لبناء منظومة تصنيع متكاملة لإنتاج "آيفون" مصنوع بالكامل في الولايات المتحدة، لكن الخبراء يرون أن الشركة - حتى لو فعلت ذلك - لن تستطيع الحفاظ على جودة الهاتف وبيعه بنفس سعره الحالي.
وقال داي إن جهاز "آيفون" بسعر 1000 دولار مصنوع بالكامل في الولايات المتحدة سيكون "منتجاً منخفض الجودة"، على الأقل في البداية.
وأضاف: "الولايات المتحدة تملك القدرة على تصنيع أجزاء الهواتف الذكية في بعض المجالات، لكنها ليست الأفضل في جميعها".