قال مسؤولون أميركيون وصينيون، إن الصين أقرت بشكل ضمني، خلال اجتماع سري عُقد في جنيف، بمسؤوليتها عن استهداف البنى التحتية الأميركية بهجمات إلكترونية خلال السنوات الماضية، مبررة ذلك بتقديم الولايات المتحدة دعماً عسكرياً لتايوان، حسبما أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال".
وحضر الاجتماع رفيع المستوى، الذي لم يُعلن عنه سابقاً، حوالي 12 ممثلاً من كلا البلدين، بمن فيهم مسؤولون كبار من وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي ووزارة الدفاع "البنتاجون" ووكالات الاستخبارات الأميركية.
وذكر مسؤولون أن الاجتماع ترأسه نيت فيك، السفير المتجول لشؤون الفضاء الإلكتروني والسياسة الرقمية في إدارة الرئيس السابق جو بايدن، إذ تم إطلاع كل من البيت الأبيض في عهد بايدن وفريق الرئيس دونالد ترمب الانتقالي على الاجتماع، وقدما ملخصات مفصلة بعد ذلك.
وفي التفاصيل، ذكر وانج لي، وهو مسؤول سيبراني رفيع المستوى بوزارة الخارجية الصينية، أن عمليات اختراق البنية التحتية نتجت عن الدعم العسكري الأميركي لتايوان، وهي جزيرة تُعلن بكين ملكيتها لها.
وقال المسؤولون الأميركيون إن وانج أو غيره من المسؤولين الصينيين لم يُصرّحوا مُباشرةً بأن الصين مسؤولة عن عمليات القرصنة، لكن المسؤولين الأميركيين الحاضرين وغيرهم ممن اطلعوا على تفاصيل الاجتماع لاحقاً اعتبروا هذه التعليقات "تأكيداً لدور بكين"، وكان الهدف منها تخويف الولايات المتحدة من التدخل، حال اندلاع صراع في مضيق تايوان.
وجاءت تعليقات وانج، بعد أن أكدت الولايات المتحدة، أن الصين "لا يبدو أنها تدرك مدى خطورة التمركز المسبق في البنية التحتية المدنية الحيوية، وإلى أي مدى ستعتبره الولايات المتحدة عملاً حربياً".
وأضاف مسؤول أميركي أن إدارة بايدن أرادت أيضاً التعبير عن شكوكها في أن القيادة السياسية والعسكرية الصينية، بما في ذلك الرئيس شي جين بينج، كانت على دراية كاملة بأنشطة المتسللين.
عمليات Salt Typhoon
وبحسب الصحيفة، فقد انعقدت قمة جنيف وسط سلسلة من الاكتشافات بشأن مدى عمليات الصين السيبرانية واسعة النطاق والعدوانية بشكل غير عادي، والتي تُعرف باسم Salt Typhoon "سولت تايفون"، والتي استهدفت شبكات الاتصالات الأميركية، بما في ذلك تلك التابعة لشركتيْ AT&T وVerizon.
وسمحت تلك الحملة لقراصنة يعملون لدى وزارة أمن الدولة الصينية بالتجسس على المكالمات والرسائل النصية غير المشفرة لعشرات من كبار المسؤولين الحكوميين والشخصيات السياسية، بمن فيهم أعضاء في الحملتين الرئاسيتين لدونالد ترمب وكامالا هاريس (نائبة بايدن).
ورغم أن هذه القضية طُرحت أيضاً خلال اجتماع جنيف، إلا أنه تم تأجيلها إلى حد كبير للتركيز على اختراق البنية التحتية المدنية الحيوية بشكل منفصل من قِبل "فولت تايفون"، نظراً لاعتباره استفزازاً غير مقبول.
وتُعتبر عمليات اختراق الاتصالات، رغم اعتبارها "فشلاً تاريخياً في مكافحة التجسس"، أقرب إلى التجسس السيبراني التقليدي الذي تمارسه الولايات المتحدة ضد خصومها.
ولم تُعلق وزارة الخارجية الأميركية على الاجتماع، لكنها قالت إن الولايات المتحدة أوضحت لبكين أنها "ستتخذ إجراءات رداً على النشاط السيبراني الصيني الخبيث"، واصفةً الاختراق بأنه "من أخطر التهديدات وأكثرها استمراراً للأمن القومي الأميركي".
ولم تُجب السفارة الصينية في واشنطن على أسئلة مُحددة عن الاجتماع، لكنها اتهمت الولايات المتحدة "باستخدام الأمن السيبراني لتشويه سمعة الصين ونشر معلومات مُضللة حول ما يُسمى بتهديدات القرصنة".
وفي الأشهر التي تلت الاجتماع، تدهورت العلاقات بين واشنطن وبكين إلى مستويات غير مسبوقة، حيث دخلتا في حرب تجارية تاريخية.
وصرح كبار مسؤولي إدارة ترمب بأن البنتاجون سيواصل شن المزيد من الهجمات الإلكترونية الهجومية ضد الصين، إذ قال مسؤولون ومشرعون أميركيون إن بكين "واصلت استغلال وصولها الاستثنائي إلى شبكات الاتصالات الأميركية"، والذي مكّنها من تنفيذ اختراق منفصل، يُنسب إلى هجوم "سولت تايفون".
الاختراقات الصينية.. تقلق إدارة ترمب
يأتي ذلك فيما تخطط الإدارة الأميركية لتسريح مئات العاملين في مجال الأمن السيبراني في إطار تخفيضات شاملة للوظائف، إذ أطاحت الأسبوع الماضي بمدير وكالة الأمن القومي ونائبه، ما أثار مخاوف بعض مسؤولي الاستخبارات والمشرعين من إضعاف قدرة الحكومة على التصدي للهجمات.
ويقول المسؤولون إن استهداف القراصنة الصينيين للبنية التحتية المدنية في السنوات الأخيرة يُمثل من بين أكثر التهديدات الأمنية إثارة للقلق التي تواجه إدارة ترمب.
وقال داكوتا كاري، الخبير في الشؤون الصينية بشركة الأمن السيبراني "سينتينيل وان"، إنه من المرجح ألا يُقرّ مسؤول صيني بالاختراقات، إلا إذا أُمر بذلك من قِبَل أعلى مستويات الحكومة الصينية.
وأضاف أن هذا الاعتراف الضمني بالغ الأهمية، لأنه قد يعكس وجهة نظر في بكين مفادها أن الصراع العسكري الأكثر ترجيحاً مع الولايات المتحدة سيكون حول تايوان، وأنه من الضروري إرسال إشارة أكثر وضوحاً إلى إدارة ترمب بشأن مخاطر التدخل.