توتر جديد بين الجزائر وفرنسا بعد اعتقال موظف قنصلي في باريس

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يتحدث إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على هامش قمة مجموعة السبع في إيطاليا. 13 يونيو 2024 - @AlgerianPresidency
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يتحدث إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على هامش قمة مجموعة السبع في إيطاليا. 13 يونيو 2024 - @AlgerianPresidency
دبي-الشرق

عادت أجواء التوتر لتطبع العلاقات الجزائرية الفرنسية، بعدما شهدت الأيام القليلة الماضية تقارباً بين البلدين بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى الجزائر، الأسبوع الماضي.

واستدعت الخارجية الجزائرية السفير الفرنسي ستيفان روماتيه، السبت، وأبلغته احتجاجها "الشديد"، بعد توقيف موظف قنصلي جزائري ووضعه رهن الحبس، بعد اتهامه في قضية تتعلق بـ"اختطاف" تعود لسنة 2024، لناشط جزائري مقيم في فرنسا، يدعى أمير بوخرص ويلقب بـ"أمير ديزاد"، والذي ينشط على وسائل التواصل الاجتماعي ويعرّف نفسه كـ"معارض للنظام الجزائري".

وأفاد بيان لوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية أن الأمين العام للوزارة لوناس مقرمان، أبلغ السفير الفرنسي "احتجاج الجزائر الشديد" على "قرار السلطات القضائية الفرنسية توجيه الاتهام" لأحد موظفيها القنصليين العاملين في فرنسا و"وضعه رهن الحبس المؤقت"، وذلك "في إطار فتح تحقيق قضائي على خلفية قضية الاختطاف المزعوم" لأمير بوخرص.

وإلى جانب هذا "الاحتجاج الشديد"، رفضت الجزائر "رفضاً قاطعاً، شكلاً ومضموناً، الأسباب التي قدمتها النيابة الفرنسية لمكافحة الإرهاب قصد تبرير قرارها بوضع الموظف القنصلي رهن الحبس الاحتياطي"، حسب نص البيان.

وذكر البيان أنه "من حيث الشكل، تذكر الجزائر أن الموظف القنصلي تم توقيفه في الطريق العام ووضعه تحت الحجز دون إشعار عبر القنوات الدبلوماسية، وذلك في انتهاك صارخ للحصانات والامتيازات المرتبطة بوظائفه في القنصلية الجزائرية في كريتاي، وكذلك للممارسات المتعارف عليها في هذا الإطار بين الجزائر وفرنسا".

مطالب بالإفراج الفوري

وقالت الخارجية الجزائرية إن "من حيث المضمون، تؤكد الجزائر على هشاشة وضعف الحجج التي قدمتها أجهزة الأمن التابعة لوزارة الداخلية الفرنسية خلال التحقيقات"، معتبرة أنها "تفتقر إلى الجدية والاتساق"، بسبب أنها "تستند على مجرد كون هاتف الموظف القنصلي المتهم قد يكون تم رصده بالقرب من عنوان منزل المدعو أمير بوخرص".

وطالبت الجزائر بـ"الإفراج الفوري" عن الموظف القنصلي الموضوع رهن الحبس المؤقت، وشددت على ضرورة "الاحترام التام للحقوق المرتبطة بوظيفته، سواء في إطار الاتفاقيات الدولية أو الثنائية"، لتمكينه من "الدفاع عن نفسه بشكل لائق وفي الظروف الأساسية المواتية".

وأضاف البيان أن "هذا المنعطف القضائي غير المسبوق في تاريخ العلاقات الجزائرية الفرنسية، ليس من قبيل الصدفة، بل حيث يأتي في سياق محدد وبهدف تعطيل عملية إعادة بعث العلاقات الثنائية التي اتفق عليها رئيسا البلدين (الجزائري عبد المجيد تبون والفرنسي إيمانويل ماكرون) خلال مكالمتهما الهاتفية الأخيرة".

واعتبرت الجزائر أن "هذا التحول المؤسف وغير اللائق يدل على أن بعض الجهات الفرنسية لا تحمل نفس الإرادة لإعادة تنشيط العلاقات الثنائية"، وأن "درجة التزام البعض منها يخلو من حسن النية والصدق الكفيلين بتهيئة الظروف المناسبة لاستئناف طبيعي وسلس للعلاقات الثنائية".

"ضرر بالغ في العلاقات الجزائرية الفرنسية"

وبرزت هذه القضية بعد أقل من أسبوع من زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، يوم 6 أبريل، والتي شهدت إعادة إطلاق التعاون الثنائي في مختلف المجالات، وأقل من أسبوعين من المكالمة الهاتفية بين تبون وماكرون، التي أنهت أزمة دامت ثمانية أشهر بين البلدين.

وقالت الخارجية الجزائرية في بيانها: "لا يسعنا إلا أن نستغرب الاختيار الساخر الذي اتخذه معرقلو إحياء العلاقات الثنائية بشأن المجرم الذي تم استخدامه لأداء لهذا العمل المدبر"، في إشارة إلى أمير بوخرص، الذي سبق وأن أدانه القضاء الجزائري بالسجن 20 عاماً بعد اتهامه بالانتماء إلى "تنظيمات إرهابية".

واعتبرت الخارجية الجزائرية أن "التسرع المفضوح في استغلال" اسم أمير بوخرص "كواجهة جديدة للخطاب المعادي للجزائر، يقابله تماطل السلطات الفرنسية في التعامل مع طلبات السلطات الجزائرية بتسليمه".

واختتم البيان بالتحذير من أن "هذا التطور الجديد وغير المقبول من شأنه أن يلحق ضرراً بالغاً بالعلاقات الجزائرية الفرنسية، ولن يسهم في التهدئة. وإذ تجدد الجزائر حرصها التام على تحمل مسؤوليتها الكاملة في حماية موظفها القنصلي، فإنها تؤكد عزمها على عدم ترك هذه القضية دون تبعات أو عواقب".

مديرية الأمن الداخلي الفرنسي

ووجه الادعاء الفرنسي التهم إلى 3 أشخاص، الجمعة، من بينهم موظف في قنصلية الجزائر في كريتاي، بتهم "التوقيف والاختطاف والاحتجاز أو الاعتقال التعسفي" لأمير بوخرص، وذلك في إطار "علاقة بعمل إرهابي"، بحسب ما أعلنه الادعاء العام الفرنسي المختص بمكافحة الإرهاب.

ويُلاحق الأشخاص الثلاثة أيضاً بتهمة "تكوين جمعية أشرار ذات طابع إرهابي إجرامي". وقد تم وضعهم رهن الحبس المؤقت.

وأمير بوخرص، الذي يحمل صفة "لاجئ سياسي" في فرنسا، زعم أن عناصر مزيفين من الشرطة أوقفوه ثم احتجزوه، قبل أن يطلقوا سراحه في وقت لاحق. كما زعم أنهم "حاولوا قتله أو اقتياده نحو الجزائر".

وذكرت بيان الخارجية الجزائري أن الجهة المشرفة على التحقيق في هذه القضية هي مديرية الأمن الداخلي الفرنسي (DGSI) التابعة لوزارة الداخلية، التي يقودها برونو روتايو.

ويعتبر وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو من أبرز المنتقدين للحكومة الجزائرية في فرنسا، كما أنه قاد حملة خلال الأشهر الأخيرة من أجل إلغاء اتفاق 1968 للهجرة، واتخاذ إجراءات تصعيدية ضد الجزائر.

كما سبق للرئيس الجزائري أن صرح لصحيفة "لوبينيون" الفرنسية، أن الجزائر قررت وقف التعاون مع DGSI لأن "كل شيء يأتي من روتايو مشكوك فيه".

ويسعى روتايو إلى رئاسة حزب "الجمهوريين" (اليميني)، المتحالف مع حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، وهي كتلة سياسية معروفة بسياستها المناوئة للجزائر، وسبق للخارجية الجزائرية أن اتهمت هذه الكتلة بالوقوف خلف التوترات الأخيرة بين البلدين.

ويسعى روتايو إلى رئاسة "الجمهوريين" استعداداً للترشح للانتخابات الرئاسية المقررة في 2027، كما يقول اليسار الفرنسي إنه يستخدم ملف الهجرة لكسب مزيد من النقاط استعداداً لهذه الاستحقاقات.

تصنيفات

قصص قد تهمك