جدد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الاثنين، رغبته في إرسال الأميركيين الذين يرتكبون جرائم عنيفة إلى سجون السلفادور، قائلاً إنه سيحتاج إلى بناء "5 سجون أخرى لاستيعاب الوافدين الجدد المحتملين".
وجاءت تصريحات ترمب خلال استقباله الرئيس السلفادوري نجيب أبو كيلة في البيت الأبيض، إذ عرض مساعدة الولايات المتحدة في ما وصفها بـ"المشاكل المتعلقة بالإرهاب والجريمة"، وقال: "نعلم أن لديكم مشكلة جريمة وإرهاب، ويمكننا المساعدة".
وأكد ترمب أن الأمر سيقتصر على "الأشخاص العنيفين" فقط، في إشارة إلى أنهم من المدانين بجرائم داخل الولايات المتحدة، رغم أنه سبق أن طرح هذه الخطوة كعقوبة لمن يهاجمون معارض شركة "تسلا" احتجاجاً على إدارته وحليفه الملياردير إيلون ماسك.
وأوضح الرئيس الأميركي أن إدارته تحاول إيجاد وسائل "قانونية" لنقل مواطنين إلى هناك، إذ سبق ورحلت بالفعل مهاجرين إلى سجن "سيكوت" سيئ السمعة في السلفادور، والذي يُعرف بظروفه القاسية بحسب وكالة "أسوشيتد برس".
ولكن يُرجح أن تشكل هذه الخطوة "انتهاكاً" للدستور الأميركي، إذ لا يجوز من الناحية القانونية إرسال مواطن أميركي مولود في الولايات المتحدة قسراً إلى سجن أجنبي، بل إن هذا الإجراء قد ينتهك بنداً في قانون وقعه ترمب بنفسه خلال ولايته الأولى.
ما الفرق بين ترحيل المهاجرين والأميركيين؟
يمكن ترحيل المهاجرين من الولايات المتحدة، أما المواطنين فلا يمكن ترحيلهم، إذ تخضع هذه العمليات لقوانين الهجرة، التي لا تسري على المواطنين الأميركيين.
ومن أبرز ما يميز صفة المواطنة أنه لا يمكن إجبار الشخص على مغادرة البلاد أو إرساله قسراً إلى دولة أخرى.
أما المهاجرون فيمكن ترحيلهم، وهذا ما يحدث بالفعل في السلفادور، إذ تستقبل البلاد مواطنيها الذين ترحلهم الولايات المتحدة، إلى جانب مهاجرين من فنزويلا وربما من دول أخرى ترفض استقبال مواطنيها الذين ترحلهم واشنطن، أما الفنزويليون الذين أُرسلوا إلى هناك الشهر الماضي، فلم تُتح لهم فرصة للرد على الأدلة المقدمة ضدهم أو المثول أمام قاضٍ.
وكان هذا هو الاتفاق الذي أبرمته إدارة ترمب مع رئيس السلفادور نجيب بوكيلة، إذ أرسلت الولايات المتحدة أشخاصاً إلى السلفادور وكوستاريكا وبنما وغيرها، حتى وإن لم يكونوا من مواطني هذه الدول، غير أنه، وبموجب الاتفاقيات الدولية، لا يجوز ترحيل الأشخاص إلى دول قد يتعرضون فيها للاضطهاد أو التعذيب.
لماذا تسعى إدارة ترمب لترحيل أشخاص إلى السلفادور؟
يصف نجيب أبوكيلة نفسه بأنه "ألطف ديكتاتور في العالم"، وقد شن حملة قمع على حقوق الإنسان خلال فترة حكمه، لكنه نجح في تحويل السلفادور من واحدة من أكثر دول العالم عنفاً إلى بلد يُعد الآن آمناً نسبياً، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".
ويوجه إرسال مهاجرين من دول مثل فنزويلا إلى السلفادور رسالة إلى المهاجرين المحتملين في دول أخرى بشأن مخاطر محاولة الوصول إلى الولايات المتحدة أو البقاء فيها.
وأضافت الوكالة أن هناك فائدة أخرى للإدارة الأميركية، مُوضحة أن المُرحلين يصبحون خارج نطاق اختصاص المحاكم الأميركية بمجرد إرسالهم إلى السلفادور، حيث لا يمكنهم إصدار أوامر بإطلاق سراح من تم ترحيلهم إلى هناك أو إعادتهم إلى الولايات المتحدة، لأن الحكومة الأميركية لم تعد تملك السيطرة عليهم.
وتشكل هذه ثغرة قانونية محتملة، دفعت قاضية المحكمة العليا، سونيا سوتومايور، إلى إصدار تحذير شديد اللهجة في رأيها المخالف لحكم صدر بالإجماع عن المحكمة العليا، قضى بعدم أحقية الإدارة في ترحيل أفراد يُشتبه بانتمائهم لعصابات فنزويلية إلى السلفادور من دون جلسة استماع قضائية، رغم استناد ترمب إلى قانون يعود للقرن الـ18، استُخدم آخر مرة خلال الحرب العالمية الثانية للمطالبة بصلاحيات زمن الحرب.
وكتبت سوتومايور أن "ما يترتب على موقف الحكومة هو أن الأمر لا يقتصر على غير المواطنين، بل قد يشمل أيضاً المواطنين الأميركيين، الذين يمكن أن يتم اعتقالهم في الشوارع، ويُجبروا على الصعود إلى الطائرات، ويُودَعوا في سجون أجنبية من دون أي فرصة للحصول على حقوقهم".
واعترفت الإدارة الأميركية بأنها رحلت بالخطأ رجلاً من ولاية ماريلاند يُدعى كيلمير أبريجو جارسيا إلى السلفادور. والرجل، وهو مهاجر من السلفادور، لم يُتهم بأي جريمة، وكان هناك أمر قضائي يمنع ترحيله، ومع ذلك أُرسل إلى سجن "سيكوت"، إذ سخر كل من بوكيلة وترمب من فكرة إعادته إلى الولايات المتحدة، رغم أن المحكمة العليا أمرت الإدارة الأميركية بـ"تسهيل" عودته.
هل يمكن إرسال أميركيين إلى السلفادور؟
ورأت "أسوشيتد برس" أن هذا الأمر لم يُطرح في التاريخ الأميركي من قبل، واستبعدت أن يكون ذلك ممكناً، موضحة أن هناك حواجز قانونية أخرى إلى جانب حقيقة أنه لا يمكن ترحيل المواطنين الأميركيين.
وأضافت أن الولايات المتحدة ترتبط باتفاقيات لتسليم المطلوبين مع عدد من الدول، تتيح لها تسليم مواطن أميركي متهم بارتكاب جريمة في تلك الدول لمحاكمته هناك، ويبدو أن هذا هو السبيل القانوني الوحيد المتاح حالياً لإخراج مواطن أميركي قسراً من البلاد بموجب القانون الساري.
كما يحظر الدستور الأميركي "العقوبات القاسية وغير المألوفة"، وإحدى السمات البارزة لسجن "سيكوت" أنه أشد قسوة من السجون الأميركية.
وكتبت لورين بروك آيزن، من مركز "برينان للعدالة" في نيويورك: "من غير القانوني ترحيل مواطنين أميركيين بسبب ارتكاب جريمة"، وأضافت أنه حتى إذا حاولت الإدارة نقل سجناء فيدراليين إلى هناك بحجة أنهم مسجونون بالفعل، فقد تصطدم بقانون "الخطوة الأولى" الذي أيده ترمب بنفسه ووقعه عام 2018.
ويقضي هذا القانون بأن تسعى الحكومة لإبقاء السجناء الفيدراليين في سجون قريبة من أماكن سكنهم، حتى يتمكن أقاربهم من زيارتهم، ويُلزم بنقل أي سجين موجود على بُعد أكثر من 500 ميل من منزله إلى منشأة أقرب.
هل هناك ثغرة أخرى؟
ثمة ثغرة محتملة واحدة قد تسمح للإدارة بإرسال مجموعة صغيرة من المواطنين إلى السلفادور، إذ يمكنها محاولة إسقاط الجنسية عن أولئك الذين حصلوا عليها بعد الهجرة إلى الولايات المتحدة.
وقالت "أسوشيتد برس"، إن الأشخاص الذين مُنحوا الجنسية بعد الولادة قد يفقدونها بسبب بعض المخالفات، مثل تمويل منظمات إرهابية أو الكذب في طلبات التجنيس.
وفي هذه الحالة، يعودون إلى وضعية "حاملي البطاقة الخضراء" Green Cards، وقد يصبحون عرضة للترحيل، حال إدانتهم بجرائم خطيرة أخرى، ورغم أن هذه الفئة صغيرة، إلا أنها موجودة بالفعل.
وربما يكون أهم ما في الأمر أن إسقاط الجنسية يجب أن يسبق أي ترحيل، أي أنه لا يزال من غير المرجح وجود طريقة قانونية لإخراج مواطن أميركي من بلده قسراً. لكن عدداً محدوداً منهم قد يواجه مخاطر قانونية حقيقية.