تعتزم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب استخدام مفاوضات الرسوم الجمركية الجارية، كوسيلة للضغط على شركاء الولايات المتحدة التجاريين، للحد من تعاملاتهم مع الصين، وبالتالي "عزل" الدولة الآسيوية اقتصادياً، حسمبا نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مصادر مطلعة.
وتهدف الخطة إلى الحصول على تعهدات من الدول المتعاملة تجارياً مع واشنطن بعدم السماح للصين بتمرير بضائعها عبر أراضيها، أو إقامة شركاتها فيها للتحايل على الرسوم الأميركية، إضافة إلى منع دخول السلع الصناعية الصينية الرخيصة إلى اقتصاداتها، في مقابل تخفيف الحواجز التجارية والجمركية الأميركية.
وتأمل واشنطن من خلال هذه الإجراءات في توجيه ضربة لاقتصاد الصين المتعثر، وبالتالي دفْع بكين إلى طاولة المفاوضات وهي في وضْع أضعف، وذلك قبيل لقاء محتمل بين الرئيس الأميركي ونظيره الصيني شي جين بينج.
وقال مسؤولون أميركيون إن إدارة ترمب طرحت الفكرة في محادثات أولية مع بعض الدول، فيما ألمح ترمب إلى هذه الاستراتيجية، الثلاثاء، خلال مقابلة مع Fox Noticias.
وأشار ترمب إلى أنه قد يطلب من الدول أن تختار بين الولايات المتحدة والصين، وذلك رداً على سؤال بشأن قرار بنما بعدم تجديد مشاركتها في مبادرة "الحزام والطريق"، وهي برنامج البنية التحتية العالمي الذي تقوده الصين ويستهدف الدول النامية.
وخلال إحاطة إعلامية الثلاثاء، قرأت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، بياناً من ترمب يشير إلى أن التوصل إلى اتفاق مع الصين "ليس وشيكاً".
وقالت ليفيت: "الكرة في ملعب الصين. على بكين أن تبرم صفقة معنا. نحن لسنا مضطرين لإبرام صفقة معها. الصين تريد ما نملكه... المستهلك الأميركي".
خطة سكوت بيسنت
ويُعد وزير الخزانة سكوت بيسنت، أحد العقول المدبرة وراء هذه الاستراتيجية، حيث لعب دوراً قيادياً في مفاوضات التجارة منذ إعلان ترمب في 9 أبريل الجاري، عن تجميد الرسوم الجمركية المتبادلة مع معظم الدول لمدة 90 يوماً، باستثناء الصين.
ووفقاً لما نقلته "وول ستريت جورنال"، فإن بيسنت عرض الفكرة على ترمب خلال اجتماع في منتجع مار إيه لاجو في 6 أبريل الجاري، مشيراً إلى أن الحصول على تنازلات من الشركاء التجاريين للولايات المتحدة قد يمنع بكين وشركاتها من "التحايل" على الرسوم الجمركية الأميركية، وضوابط التصدير، والإجراءات الاقتصادية الأخرى.
وتندرج هذه الخطة ضمن استراتيجية أوسع يدفع بها بيسنت إلى "عزل الصين اقتصادياً"، والتي بدأت تكتسب زخماً داخل أوساط إدارة ترمب مؤخراً.
ورغم استمرار النقاشات بشأن نطاق وشدة الرسوم الجمركية الأميركية، يبدو أن هناك اتفاقاً عاماً بين المسؤولين حول خطة بيسنت تجاه الصين.
وتشمل الخطة قطع الروابط الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين عبر الرسوم الجمركية، بل وقد تصل إلى حد شطب الشركات الصينية من البورصات الأميركية.
وفي مقابلة حديثة مع Fox Business، لم يستبعد بيسنت إمكانية أن تسعى الإدارة إلى شطب الأسهم الصينية من الأسواق الأميركية، ومع ذلك، لا يزال الهدف النهائي من سياسة الإدارة الأميركية تجاه الصين غير واضح.
ولفت بيسنت أيضاً إلى أن هناك مجالاً لإجراء محادثات بشأن صفقة تجارية محتملة بين الولايات المتحدة والصين، مشيراً إلى أن مثل هذه المحادثات ستتطلب مشاركة مباشرة من ترمب وشي.
وأظهر بيسنت في السابق رغبته في الحصول على تعهدات من شركاء الولايات المتحدة التجاريين ضد الصين، وفي أواخر فبراير، قال إن المكسيك عرضت فرْض الرسوم الجمركية الأميركية نفسها المفروضة على الصين، وذلك في إطار مفاوضات تتعلق برسوم ترمب على المكسيك بسبب تجارة مخدر "الفنتانيل"، فيما وصف عرْض المكسيك بأنه "بادرة لطيفة"، لكنه أشار إلى أن الفكرة لم تلق رواجاً كبيراً داخل الإدارة.
ومن المقرر أن يلتقي وزير الخزانة الأميركي بنظيره الياباني المعني بإنعاش الاقتصاد، الأربعاء، ووضع قائمة بدول يعتقد أنها قد تبرم اتفاقيات قريباً مع الولايات المتحدة، من بينها اليابان وبريطانيا وأستراليا وكوريا الجنوبية والهند.
دبلوماسية الصين
ومن غير الواضح ما إذا كانت اللهجة المعادية للصين قد طُرحت في مفاوضات الولايات المتحدة مع جميع الدول، فبعض الدول لم تتلق مطالب من المفاوضين الأميركيين تتعلق بالصين، رغم إقرارهم بأن المفاوضات لا تزال في مراحلها الأولية. ويتوقع كثيرون أن تطرح إدارة ترمب مطالب تتعلق بالصين عاجلاً أم آجلاً.
في المقابل، تنخرط الصين في دبلوماسية تجارية خاصة بها، وهذا الأسبوع، سافر شي جين بينج إلى فيتنام، وهي شريك تجاري رئيسي للولايات المتحدة تضرر بشدة من رسوم ترمب، ووقّع العديد من التعهدات الاقتصادية مع حكومة هانوي.
بدوره، قال بيتر هاريل، المدير السابق للشؤون الاقتصادية الدولية في مجلس الأمن القومي بإدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، خلال جلسة نقاشية في كلية القانون بجامعة جورج تاون، إن الصين ترى في خطة ترمب للتجارة المتبادلة "فرصة سانحة".
وأضاف هاريل: "الصين لن تحل محل الولايات المتحدة كمصدر للطلب على المنتجات التي تصنّعها كثير من الدول النامية"، مضيفاً: "لذلك، فإن الجانب الاقتصادي سيكون تحدياً للصين، لكن يبدو أنهم يلعبون الجانب السياسي من هذه المعادلة بذكاء نسبي".
وتبقى قدرة الصين على مواجهة السياسات التجارية الأميركية محدودة، وبينما لا تزال الولايات المتحدة "مستورداً ضخماً"، تعمل الصين على تقليص وارداتها من باقي دول العالم والتركيز على تحقيق الاكتفاء الذاتي.