نقلت مجلة "بوليتيكو" عن مصدرَين مقرّبَين من البيت الأبيض، تحدّثا بشرط عدم الكشف عن هويتهما، قولهما إن وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، حذّر مراراً مسؤولي إدارة الرئيس دونالد ترمب من أن أي محاولة لإقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، قد تُعرض الأسواق المالية لعدم الاستقرار.
وتعكس رسائل بيسنت الخاصة ما يدركه الرئيس دونالد ترمب مسبقاً، لكنها تأتي في وقت يتصاعد فيه غضب ترمب من باول بسبب عدم إظهار أي نية لخفض أسعار الفائدة في الوقت القريب. كما تأتي في ظل الاضطرابات الواسعة التي تشهدها الأسواق نتيجة للحرب التجارية المتصاعدة التي تقودها الإدارة الأميركية.
وانفجر غضب ترمب علناً الخميس، عندما كتب على منصّة "تروث سوشيال" قائلاً إن "إقالته لا يمكن أن تأتي بسرعة كافية".
ومع ذلك، يبدو أن منصب باول آمن في الوقت الراهن.
وفي إشارة إلى إحباطات الرئيس الأميركي الطويلة الأمد تجاه باول ورغبته بإقالته، قال شخص مطلع، طلب عدم الكشف عن هويته: "لا أعتقد أنه سيفعل ذلك، لكن بصراحة، هذه قنبلة موقوتة، لذلك لا توجد ضمانات".
وأشارت المجلة إلى أن أي محاولة لإقالة باول، وهي خطوة مشكوك في قانونيتها سبق أن فكّر فيها ترمب خلال ولايته الأولى، ستؤدي إلى مزيد من الاضطراب في الأسواق التي تُعاني بالفعل من تقلبات الرسوم الجمركية الأخيرة، فثقة المستثمرين في أن البنك المركزي يتخذ قراراته بناءً على مسار الاقتصاد، وليس على اعتبارات سياسية قصيرة الأمد تُعد ركيزة أساسية لسمعة أميركا المالية على الساحة العالمية.
"كبش فداء محتمل"
ورأى حلفاء البيت الأبيض أن منشور ترمب لا يُعد محاولة فعلية للإطاحة الفورية بباول، بل محاولة لزعزعة توازنه، وتقديمه ككبش فداء محتمل لأي مشكلات اقتصادية قد تواجه البلاد لاحقاً.
ويبدو أن المنشور يهدف أيضاً إلى زيادة الضغط على باول للاستسلام. ومع ذلك، تقول "بوليتيكو" إنه لا شيء مؤكد عندما يتعلق الأمر بترمب، إذ يُحذر حلفاؤه من أنه قد يُغيّر رأيه في أي لحظة ويقرر المضي قدماً بجدية نحو إقالة باول.
أما رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، فيتّبع حالياً نهج "الانتظار والترقب" بخصوص تكاليف الاقتراض، إذ يراقب تأثير الرسوم الجمركية على الأسعار والتوظيف، وهو موقف أكده مجدداً الأربعاء، خلال خطاب ألقاه في شيكاجو.
ودقَّ باول "ناقوس الخطر" من أن الحرب التجارية قد تؤدي إلى وضع تعاني فيه الولايات المتحدة من ارتفاع في التضخم، وتباطؤ في النمو في الوقت نفسه، وهما مشكلتان لا يمكن للبنك المركزي مكافحتهما معاً في آن واحد.
ويواصل ترمب دعواته لخفض أسعار الفائدة في ظل الرسوم الجمركية التي فرضها، والتي يخشى بعض الاقتصاديين أن تؤدي إلى ركود، في حين يواصل باول ومسؤولون آخرون في الاحتياطي الفيدرالي الإبقاء على معدلات الفائدة مرتفعة بهدف كبح جماح التضخم.
ويتوقع المستثمرون أن يُقدِم البنك المركزي الأميركي في نهاية المطاف على خفض الفائدة في حال ارتفاع البطالة، حتى لو تسببت الرسوم الجمركية في رفع التضخم. لكن في الوقت الحالي، لا تزال البيانات الاقتصادية قوية، وصرّح باول بأنه وزملاءه في لجنة السياسات النقدية لا يشعرون بالحاجة إلى الاستعجال في تعديل الفائدة.
اختبار لصلاحيات ترمب
يعود استياء ترمب من باول إلى ولايته الأولى، عندما عيّنه في منصب رئيس الاحتياطي الفيدرالي.
ففي عام 2018، رفع البنك المركزي أسعار الفائدة عدة مرات، وهو ما دفع ترمب حينها إلى التفكير في إقالة باول خلال ديسمبر من ذلك العام، وهو تهديد تسبب في تراجع الأسواق، قبل أن تعاود الارتفاع بعد تراجع ترمب عن تهديده.
كما أن محاولة الإطاحة بباول تُمثل اختباراً جديداً لحدود صلاحيات الرئيس التنفيذية. فبينما ظلّت هناك تكهنات منذ فترة بأن ترمب قد يحاول إقالة باول، أشار الأخير إلى أن الرئيس لا يمتلك الصلاحية القانونية للقيام بذلك.
وبموجب القانون الفيدرالي، يُعيَّن أعضاء مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي لفترات متداخلة تمتد 14 عاماً، ولا يمكن للرئيس إقالتهم إلا "لسبب وجيه"، وهو مصطلح يُفهم عموماً على أنه يعني سوء السلوك أو الإخلال بالواجبات.
ويهدف هذا القيد إلى حماية البنك المركزي من التدخلات السياسية. لكن إدارة ترمب تطعن حالياً في دستورية قيود مماثلة تحدّ من صلاحية الرئيس في إقالة رؤساء وكالات مستقلة أخرى.
وفي طعن طارئ تنظر فيه المحكمة العليا حالياً، يُجادل ترمب بأنه يجب أن يتمتع بسلطة مطلقة لإقالة أعضاء مجلس العلاقات العمالية الوطنية ومجلس حماية نظام الجدارة.
ولم يتضح ما إذا كان الحكم المنتظر صدوره من المحكمة العليا سيشمل الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما أشار إليه باول نفسه خلال حديثه في نادي شيكاجو الاقتصادي، الأربعاء.
وقال باول: "هذا قرار يتحدث الناس عنه كثيراً. لا أعتقد أن هذا القرار سينطبق على الاحتياطي الفيدرالي، لكنني لا أعلم. إنها حالة نتابعها عن كثب".
ومع ذلك، فإن أي تحرك لإقالة باول سيُواجه على الأرجح طعناً قضائياً مباشراً. ويُشير حلفاء البيت الأبيض إلى أن باول لم يتبق له سوى عام واحد في ولايته، ما قد يدفع الرئيس للانتظار حتى تنتهي ولايته بدلاً من الدخول في معركة قانونية.
من جهته، قدّم ترمب، عبر منشوره على "تروث سوشيال"، إشادة نادرة بالبنك المركزي الأوروبي، الذي خفّض سعر الفائدة الرئيسي الخميس من 2.5% إلى 2.25%.
وكتب: "من المتوقع أن يخفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة للمرة السابعة"، مضيفاً أن باول "كان ينبغي أن يخفض أسعار الفائدة مثلما فعل البنك المركزي الأوروبي منذ وقت طويل، لكنه بالتأكيد يجب أن يخفضها الآن".