تعقد الولايات المتحدة وإيران الجولة الثانية من المفاوضات في العاصمة الإيطالية روما، السبت، بوساطة عُمانية وسط تهديدات أميركية باستهداف البرنامج النووي الإيراني إذا فشلت المحادثات، وتشبث طهران بمطالبها التي اعتبرتها "خطوطاً حمراء".
والتقى وفدان من كلا البلدين في سلطنة عُمان، السبت الماضي، ووصفا الجولة الأولى بـ"الإيجابية" و"البناءة".
وتُعقد الجولة الثانية من المحادثات في السفارة العمانية بروما، ومن المتوقع أن تبدأ حوالي الساعة العاشرة صباحاً بتوقيت جرينيتش، وتستمر 5 ساعات على الأقل، وفق موقع "أكسيوس" الأميركي.
وتريد الولايات المتحدة أن تُختتم الجولة الثانية من المحادثات بـ"إطار عمل" للخطوات التالية بشأن المفاوضات.
واستقبل وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني نظيره العماني بدر البوسعيدي في روما، الجمعة، و"رحّب بجهود الوساطة التي تقوم بها سلطة عمان"، مؤكداً دعم إيطاليا لـ"مساعي السلام والاستقرار في الشرق الأوسط".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، السبت، إن "هذه الجولة، شأنها شأن الجولة الأولى، ستُعقد بطريقة غير مباشرة، بوساطة وزير خارجية سلطنة عمان بدر البوسعيدي".
وأوضح بقائي أن اختيار مدينة روما لاستضافة المحادثات "جاء بناءً على اقتراح من وزير الخارجية العماني، ووافق عليه الطرفان الإيراني والأميركي".
تهديدات ترمب وموقف طهران
ومنذ الجولة الأولى من المحادثات، تباينت الآراء داخل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بين مطالب متشددة وصفتها إيران بأنها "خطوط حمراء"، ونهج أكثر تصالحية قد توافق عليه طهران، وفق شبكة CNN الأميركية.
وتأتي هذه المفاوضات في ظل تهديدات ترمب بأن الولايات المتحدة ستلجأ إلى ضربات عسكرية ضد المواقع النووية الإيرانية، بمساعدة إسرائيل، في حال فشل طهران في التوصل إلى اتفاق مع أطرافها.
وقال وزير الخارجية الإيراني عراقجي في موسكو، الجمعة، إن الولايات المتحدة أظهرت جدية في الجولة الأولى من المحادثات، لكنه انتقد ما وصفه بـ"الرسائل المتضاربة" من الولايات المتحدة سراً وعلانية. وشدّد على أن "ما يُقال على طاولة المفاوضات هو المهم".
وأضاف عراقجي أنه يمكن التوصل إلى اتفاق إذا لم تُقدم الولايات المتحدة "مطالب غير واقعية". وأوضح أن أحد هذه المطالب هو مطالبة إيران بـ"وقف تخصيب اليورانيوم تماماً".
ورغم التهديدات الأميركية، نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤولين أميركيين أن ترمب حسم مؤخراً "المعركة" الدائرة داخل إدارته بشأن طريقة التعامل مع إيران، باختيار مواصلة المسار الدبلوماسي على العمل العسكري، الذي طالب به عدد من المسؤولين الأميركيين.
وأضاف التقرير أن مستشار الأمن القومي مايكل والتز ووزير الخارجية ماركو روبيو "يؤيدان تنفيذ عمل عسكري لتدمير قدرة إيران المحتملة على امتلاك أسلحة نووية"، وفي المقابل، أعرب نائب الرئيس جي دي فانس ومديرة المخابرات الوطنية تولسي جابارد عن قلقهما من العواقب غير المباشرة لأي صراع جديد في الشرق الأوسط.
وحذر مسؤول إيراني في حديث لوكالة أنباء "فارس" الإيرانية، من أن "استمرار لغة التهديدات ضد إيران، سيكون له تأثير مدمر على عملية التفاوض، وسيدفع إيران إلى إعادة النظر في المقترحات المقدمة في المفاوضات".
وقال مسؤول إيراني لوكالة "رويترز"، الجمعة، إن بلاده أبلغت الولايات المتحدة، خلال محادثات السبت الماضي التي جرت في سلطنة عمان، باستعدادها لقبول بعض القيود على تخصيب اليورانيوم، لكنها تحتاج إلى "ضمانات قوية" بأن ترمب لن ينسحب مجدداً من الاتفاق النووي الجديد.
وأكد المسؤول أن "خطوط إيران الحمراء هي عدم الموافقة أبداً على تفكيك أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم أو وقف التخصيب تماماً أو خفض كمية اليورانيوم المخصب الذي تخزنه إلى مستوى أقل من ذلك الذي وافقت عليه في اتفاق عام 2015، الذي انسحب منه ترمب" عام 2018.
تصريحات متضاربة
قال ترمب إن الاتفاق الذي يسعى إليه مع إيران لن يكون شبيهاً باتفاق 2015 الذي وُقع في عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وأضاف: "سيكون مختلفاً، وربما أقوى بكثير".
لكن تصريحات مبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذي مثّل الولايات المتحدة في اجتماعات سلطنة عمان، تشير إلى خلاف ذلك مؤخراً، وفقاً لـCNN.
وعبّرت إيران في الأسابيع الأخيرة عن عدم تحمسها للتوصل إلى اتفاق نووي مع ترمب، الذي تقول إن له تاريخاً في التراجع عن الاتفاقات، لكن بعد قبولها التفاوض، أعربت عن اعتراضها على أي اتفاق يقضي بتفكيك برنامجها النووي بالكامل، بدلاً من مجرد الحد من تخصيب اليورانيوم للاستخدام المدني فقط، كما نصّ عليه اتفاق 2015.
ويُعرف الاتفاق رسمياً باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA)، وكان يضمن من خلال عدة آليات أن يظل البرنامج النووي الإيراني سلمياً.
لكن التصريحات المتضاربة من المسؤولين الأميركيين قبل وبعد اجتماع السبت الماضي، غيّبت الوضوح بشأن مطالب واشنطن، وفق CNN.
وقال ويتكوف، الذي يمثل الولايات المتحدة في اجتماعات روما مع مدير سياسات التخطيط في الخارجية الأميركية مايكل أنطون، إن المفاوضات المقبلة مع إيران ستدور حول التحقق من برنامجها النووي، لكنه لم يذكر المطالبة بتفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل، كما قال مسؤولون أميركيون في السابق، ما يعني أن الاتفاق قد يكون مشابهاً لذلك الذي تم التوصل إليه في عهد أوباما.
وقال ويتكوف لشبكة FOX News، الاثنين، إن "المحادثات مع الإيرانيين ستركز على نقطتين حاسمتين، الأولى هي التحقق من تخصيب اليورانيوم، والثانية التحقق من التسليح، بما في ذلك الصواريخ وأنواعها التي تم تخزينها هناك".
لكن ويتكوف غيّر موقفه لاحقاً في منشور على منصة "إكس"، حيث قال إن أي اتفاق نهائي مع إيران سيتطلب منها "وقف والقضاء على برنامجها لتخصيب اليورانيوم والتسلح النووي".
وعبّر مسؤولون آخرون عن مواقف أكثر تشدداً بشأن ما تتوقعه الولايات المتحدة من إيران، فبعد يوم من محادثات ويتكوف مع المفاوضين الإيرانيين في عمان، دعا وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث طهران إلى تفكيك برنامجها النووي بالكامل.
وقال هيجسيث لـFOX News، مخاطباً الإيرانيين: "تعالوا إلى طاولة المفاوضات، تفاوضوا، وقوموا بتفكيك كامل لقدراتكم النووية".
ورفض المسؤولون الإيرانيون هذا الاقتراح باعتباره غير قابل للنقاش، واتهموا الولايات المتحدة باستخدامه ذريعة لإضعاف طهران ثم إسقاطها، وأكدوا أن إيران يحق لها بموجب معاهدة أممية امتلاك برنامج للطاقة النووية المدنية.
لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية حذّرت من أن إيران تسرّع وتيرة تخصيب اليورانيوم إلى مستويات مقلقة.
الموقف الإسرائيلي
وتعدّ إسرائيل من أشدّ المؤيدين لتفكيك برنامج إيران النووي بالكامل، وأصدرت رئاسة الوزراء الإسرائيلية بياناً، الخميس، دافعت فيه عن سياسة نتنياهو المتشددة تجاه طهران، وجاء فيه: "لن تسمح إسرائيل لإيران بامتلاك أسلحة نووية".
وتحدث ويتكوف مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، أقرب مستشاري نتنياهو، حول الجولة الأولى من المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران في عُمان.
وكان ديرمر جالساً إلى جانب نتنياهو في واشنطن الأسبوع الماضي، عندما أعلن ترمب فجأة أن المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران ستبدأ قريباً. وقد بدا أن الإعلان المفاجئ عن بدء المفاوضات فاجأ نتنياهو، الذي يزداد دعمه للخيار العسكري ضد إيران.
وقالت مصادر مطلعة لشبكة CNN إن المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران "لم تكن على الإطلاق" محل ترحيب إسرائيلي، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان نتنياهو قد أُبلغ بالمفاوضات مسبقاً أو جرت استشارته بشأنها.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، وخلال جلوسه إلى جانب ترمب في المكتب البيضاوي، دعا نتنياهو إلى اتفاق نووي على غرار نموذج ليبيا، وهو الاتفاق الذي شهد في عام 2003 تفكيك البرنامج النووي الليبي على أمل فتح صفحة جديدة من العلاقات مع واشنطن.
والتقى ديرمر ومدير "الموساد" ديفيد برنيا، الجمعة، مع ويتكوف في باريس قبل الجولة الثانية من المحادثات مع إيران.
وفي وقت سابق من هذا العام، حذّرت وكالات الاستخبارات الأميركية كلاً من إدارتي بايدن وترمب من أن إسرائيل قد تحاول ضرب منشآت رئيسية في البرنامج النووي الإيراني هذا العام، وفقاً لمصادر مطّلعة على تلك التقييمات.
لكن صحيفة "نيويورك تايمز" ذكرت، الأربعاء، أن ترمب حثّ إسرائيل على عدم مهاجمة المواقع النووية الإيرانية في الشهر المقبل لإتاحة الفرصة للمحادثات مع طهران.
ولم تنفِ رئاسة الوزراء الإسرائيلية دقة التقرير، بل أكدت أن تحركات إسرائيل أخّرت البرنامج النووي الإيراني.
ورداً على تقرير الصحيفة بشأن رفضه للهجمات الإسرائيلية، قال ترمب، الخميس: "لن أقول إنني رفضتها"، لكنه أضاف: "لست متعجلاً لفعل ذلك لأنني أعتقد أن أمام إيران فرصة لتكون دولة عظيمة وتعيش بسعادة من دون موت".
وتابع: "آمل أن ترغب إيران في التفاوض، سيكون ذلك جيداً جداً لها إن فعلت، وأود أن أراها تزدهر في المستقبل وتحقق نجاحاً باهراً".