في فترة لا تتجاوز الأسبوعين، خرج ثلاثة رؤساء أميركيين سابقين إلى العلن لتحذير الأميركيين من سياسات الرئيس الحالي دونالد ترمب.
وحث باراك أوباما الأميركيين على مقاومة "تنمر ترمب"، وحذّر جو بايدن من أن ترمب يقوّض "الوعد المقدس" بشأن الضمان الاجتماعي، فيما انتقد بيل كلينتون "السعي إلى الهيمنة".
ورغم أن ترمب وجه انتقادات كبيرة لبايدن خلال فترته الرئاسية، إلا أن التقليد السياسي في الولايات المتحدة، يقضي بعدم انتقاد الرؤساء السابقين لخلفائهم علناً، وفق تقرير "واشنطن بوست".
وقال الرؤساء الديمقراطيون الثلاثة، من خلال ظهورهم وكلماتهم، إن الديمقراطية الأميركية "تمر بمرحلة غير عادية"، وإن "الأعراف تُنتهك"، و"تستلزم الظروف اتخاذ تدابير استثنائية".
الرئيس الأميركي الوحيد على قيد الحياة، الذي لم يدلِ بتصريحات منذ يوم التنصيب، هو الجمهوري جورج دبليو بوش، رغم أنه لم يُخفِ عداءه لترمب.
الاعتراف بالخطأ
وتحدث أوباما في 3 أبريل في "كلية هاميلتون" بشمال ولاية نيويورك، وهي واحدة من أقدم الكليات في البلاد، حيث انتقد استهداف ترمب لـ"الجامعات والمؤسسات الأخرى".
وقال أوباما: "إصلاح هذا الوضع يقع على عاتقنا جميعاً، لن يأتي أحد لينقذنا، أهم منصب في هذه الديمقراطية هو المواطن، الشخص العادي الذي يقول: لا، هذا ليس صواباً".
أما بايدن، فتحدث في شيكاجو، الثلاثاء، خلال مؤتمر وطني لـ"المدافعين والمستشارين وممثلي ذوي الإعاقة"(ACRD) ، منتقداً إجراءات إيلون ماسك لتقليص حجم الضمان الاجتماعي، وذلك في أول ظهور علني له منذ مغادرة المنصب.
وقال بايدن: "آخر ما يحتاجه المستفيدون هو القسوة المتعمدة من حكومتهم"، مضيفاً: "في أقل من 100 يوم، ألحق هذا الحكم ضرراً ودماراً كبيرين"، في إشارة إلى الفترة التي قضاها ترمب في البيت الأبيض منذ عودته في 20 يناير الماضي.
وتحدث كلينتون، صباح السبت، خلال مراسم في مدينة أوكلاهوما لإحياء ذكرى تفجير مبنى "ألفريد بي موراه" الفيدرالي قبل 30 عاماً، والذي أسفر عن سقوط 168 شخصاً.
وقال كلينتون: "الجميع يتجادل حول من له مظالم أهم أو أصدق، ومتى يكون مقبولاً تحريف الحقيقة لتحقيق مكاسب، إذا كانت حياتنا ستُهيمن عليها محاولة السيطرة على من نختلف معهم، فإننا نُعرّض مسيرة الاتحاد الممتدة 250 عاماً للخطر".
وأشاد كلينتون بخدمة الموظفين الفيدراليين، في وقت يقوم فيه ترمب بتقليص القوى العاملة الفيدرالية. كما دعا إلى التواضع قائلاً: "من المفيد أحياناً أن تعترف بأنك كنت مخطئاً".
أمر غير مسبوق
ويقول المؤرخون إن من غير المألوف أن ينتقد رئيس سابق خليفته علناً، نظراً للتقاليد الأميركية القائمة على الانتقال السلس للسلطة ومبدأ أن للبلاد رئيساً واحداً في كل مرة. لكن أن يفعل ذلك ثلاثة رؤساء خلال فترة قصيرة أمر غير مسبوق.
وقال تيموثي نفتالي، المؤرخ في كلية الشؤون الدولية بـ"جامعة كولومبيا": "الرؤساء السابقون مؤهلون بشكل فريد لتحذير الشعب الأميركي إذا كانت البلاد تسلك مساراً خطيراً، يمكن اعتبارهم بمثابة مجلس استشاري للشعب، وعندما يقرع المجلس الاستشاري ناقوس الخطر، ينبغي للناس أن يستمعوا".
وأضاف نفتالي: "الأمر اللافت هو أن هذا يحدث قبل انتهاء المئة يوم الأولى من رئاسة ترمب الثانية، عادةً ما يمنح الرؤساء السابقون الرئيس الجديد مساحة ليثبت نفسه ويتعلم قواعد اللعبة، لكن هؤلاء الرؤساء رأوا بوضوح ملامح التغييرات التي يسعى ترمب إلى تنفيذها".
عداءات شخصية
وتحدث الرؤساء الديمقراطيون الثلاثة عن التقاليد والقيم الأميركية الأساسية. لكن علاقتهم بترمب تشوبها أيضاً عداءات شخصية، إذ وجّه ترمب مراراً هجمات لكل منهم أو لأفراد أسرهم.
فقد سخر ترمب مراراً من بايدن بوصفه "جو النائم"، و"المسن المتهالك الذي لا يدري ما يقول". وبعد ثلاثة أشهر من بدء ولايته الثانية، لا يزال ترمب يهاجم بايدن بانتظام.
وبعد هزيمته أمام بايدن في 2020، زعم ترمب أن الانتخابات سُرقت منه، ولا يزال يتمسك بهذا الادعاء.
وهاجم ترمب نجل بايدن، هانتر، واصفاً إياه بـ"المجرم" و"مدمن المخدرات"، وأنهى مؤخراً الحماية الأمنية لهانتر وابنة بايدن، آشلي.
وعندما ترشّح أوباما لأول مرة، زعم ترمب أنه لم يُولد في الولايات المتحدة، وهو ادعاء اعتُبر عنصرياً.
كما هاجم بشدة زوجة كلينتون، هيلاري، منافسته في انتخابات 2016، ولقّبها بـ"هيلاري الفاسدة"، فيما كانت جماهيره تهتف: "اسجنوها!".
في المقابل، رأى الرؤساء الديمقراطيون أن انتهاكات ترامب للمبادئ القانونية والديمقراطية تجعله غير مؤهل للرئاسة.
ففي عام 2022، وصف بايدن أنصار ترمب بأنهم "تهديد لديمقراطيتنا"، وقال إن الحزب الجمهوري تحت قيادته اتجه نحو "شبه فاشية".
كما صرح بأنه ترشح للرئاسة عام 2020 بسبب "دعم ترمب للعنصريين البيض" بعد أحداث العنف في شارلوتسفيل.
أما أوباما، فقد وصف ترمب خلال الحملة الانتخابية الأخيرة بأنه "ملياردير يبلغ 78 عاماً ولم يتوقف عن التذمر من مشكلاته"، وشبّهه بالرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو "الذي كان يصرخ ويهذي بنظريات مؤامرة مجنونة".
وسخر كلينتون، الذي ترك المنصب قبل 24 عاماً، من عمر ترمب خلال المؤتمر الوطني الديمقراطي في أغسطس الماضي. كما قال، السبت، إنه أصغر سناً منه. وأضاف: "دونالد ترمب.. لا يزال يقسّم، يلوم، ويحتقر".
علاقات رؤساء سابقين
هذا النوع من العداء ليس مألوفاً بين من تولوا أعلى منصب في البلاد. فرغم الخلافات السابقة بين رؤساء، غالباً ما يسود شعور بالزمالة بسبب عبء المسؤولية.
بعد تنافس مرير بينهما عام 1976، طوّر جيمي كارتر وجيرالد فورد ما وصفه كارتر بـ"الاحترام المتبادل" و"صداقة شخصية قوية"، واتفقا على أن من يعيش أطول يتحدث في جنازة الآخر.
وعندما كشف جورج دبليو بوش عن لوحة كلينتون عام 2004، عبّر عن مودة قائلاً: "السنوات أوضحت لنا مزايا هذا الرجل.. بيل كلينتون أحب منصب الرئاسة، ملأ هذا البيت طاقة وفرحاً، إنه رجل مفعم بالحماسة والدفء".
لكن مثل هذه المشاعر نادراً ما ظهرت في السنوات الأخيرة، حتى عندما اجتمع الرؤساء معاً في جنازة كارتر وتنصيب ترمب، في يناير.
ويبدو أن أوباما وبايدن وكلينتون قد أذهلتهم القرارات في بداية ولاية ترمب الثانية. وفي ختام كلمته، السبت، شدد كلينتون على أن الولايات المتحدة تملك مؤسسات وأصولاً قوية.
ولكنه أضاف متسائلاً: "هل سنجازف فعلاً بكل ذلك لمجرد إثبات أننا دائماً على حق، وأن مظالمنا أهم من مظالم الآخرين؟".