جدد مسؤولون إثيوبيون، موقف بلادهم الرافض لتوقيع اتفاق ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، في حين اعتبرت دولتا المصب مصر والسودان، موقف أديس أبابا، تعنتاً واضحاً يضر بمصالح البلدين، ويؤثر على حصتهما في مياه النيل.
واعتبر المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، توقيع بلاده لاتفاق ملزم بشأن سد النهضة الذي تبنيه أديس أبابا بمنزلة "رهن لمستقبل استخدام مياه النيل، وإثيوبيا تمتنع عن ذلك، وتطالب بالتفاوض على اتفاقيات جزئية على مراحل متفرقة"، وهو ما اعتبرته مصر والسودان "تعنتاً واضحاً" من أديس أبابا.
تأتي التصريحات مع تصاعد التوتر بين السودان ومصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة، إثر فشل الجولة الأخيرة من المفاوضات التي عُقدت في أبريل الماضي، للتوصل إلى اتفاق ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، بسبب رفض إثيوبيا كافة اقتراحات القاهرة والخرطوم.
وعند سؤاله عما إذا كانت بلاده ستوقع اتفاقاً ملزماً مع مصر والسودان، قال مفتي في مقابلة مع "الشرق"، إن "رهن مستقبل استخدام مياه النيل هو شيء نمتنع عنه".
"خلافات مرحلية"
وأضاف مفتي: "نحن نعتني بجميع اهتمامات البلدان الواقعة في أسفل التيار، وطالما نفعل ذلك، فلماذا الحاجة إلى شيء مجرد؟ شيء لا نرى تفاصيله؟ لماذا الإصرار على التوقيع فقط على نوع واحد من الاتفاقات؟ يمكننا التعامل مع القضايا الخلافية مرحلة تلو الأخرى".
وتابع: "في هذه المرحلة، دعنا نتفق على طرق الملء، دعونا نتفق على طريقة إدارة هذا الملء، وكما يقول المثل سوف نعبر كل الجسر عندما نصل إليه، سنتعامل مع القضايا خطوة بخطوة".
وأوضح مفتي أن "مصر والسودان على علم بموعد الملء الثاني للسد قبل الشروع فيه، وهو شيء توافقنا عليه عند التوقيع على اتفاق إعلان المبادئ في مارس 2015".
واعتبر مفتي أن "الملء لا يضر السودانيين ولا يضر المصريين"، معتبراً أن "قول عكس ذلك هو تحريف للحقائق على الأرض، فما سيحدث هو أن المياه ستملأ ثم تضرب التوربينات وتنزل إلى السودان ثم إلى مصر، لماذا نمنع الماء من الوصول؟ إنه الماء الذي أعطاه الله لنا جميعاً".
وأعرب عن أمل بلاده "في التوصل إلى تسوية سلمية لهذا النزاع، ونسعى دائماً إلى الوصول إلى وضع تكون فيه كل الأطراف رابحة".
"عرقلة استخدامات النيل"
في السياق ذاته قال قيدون أسفو، مستشار وزير الري الإثيوبي، إن رفض بلاده التوقيع على اتفاق ملزم "لا يعني أنها لن تلتزم" في حال التوصل إلى اتفاق في المفاوضات.
وأضاف في مقابلة منفصلة مع "الشرق": "نحن نحترم أي اتفاقية دولية وقّعناها ونحترم التزاماتنا كل الاحترام، ولكن ما لا نريده هو التوقيع على أحكام في الاتفاق تعرقل استخدامنا الحالي أو المستقبلي للنيل".
واعتبر أسفو أن الاتفاق الملزم الذي تقترحه مصر والسودان "يتضمن أحكاماً عدّة تقلص الحصّة المشروعة لإثيوبيا من نهر النيل"، وأن الحصص المقترحة من مياه النيل خلال فترات الجفاف "يمكنها عرقلة مشروعات البناء في منطقة المنبع (إثيوبيا)".
ضمانات أديس أبابا
وبشأن الضمانات التي تقدمها إثيوبيا لعدم الإضرار بمصالح السودان ومصر، اعتبر أسفو أنه يجب أن يحدث العكس، وقال: "الضمانات يجب أن تأتي من دولتَي المصبّ، وعلى مصر والسودان تقديم ضمانات بالتزامهما بالمبادئ الدوليّة المقبول بها واحترامها، من قبيل التقاسم والاستخدام المنصف والمنطقيّ لنهر النيل".
وتابع: "لسنا نحن من عليه تقديم الضمانات، بل مَن يدّعي احتكار مياه نهر النيل، لا يجب أن يتوقّعوا منّا أيّ ضمانة في هذا الخصوص، هم الذين زعموا باحتكار كافّة مياه النيل".
وأضاف أسفو أنه "قبل الشروع في الملء الثاني للسد، أرسل وزير الري الإثيوبي خطاباً رسميّاً إلى مصر والسودان يتضمّن طريقة الملء الثاني والتفاصيل الفنيّة، ما يمكن السودان من التصرف بعناية في سد الروصيرص، مع العلم بطبيعة التدفق الذي سيصل إلى هذا السد الصغير الذي يبعد بنحو 100 أو 120 كيلومتراً عن سدّ النهضة".
وأشار، إلى أن بلاده "طلبت من مصر والسودان تعيين شخص محدّد نتواصل معه ونتشارك المعلومات المطلوبة بشأن عملية الملء القادمة، إلّا أنّهما رفضا ذلك أيضاً، وهذا أمر غريب لأن أهم مطلب لدى السودان كان تبادل المعلومات بشكل استباقي يمكنه من إدارة سدوده"، بحسب تعبيره.
تضرر السودان
في المقابل، أشار المتحدث الرسمي باسم الحكومة السودانية لملف سد النهضة، السفير عمر الفاروق سيد، إلى وجود أضرار كبيرة تلحق بالسودان نتيجة الملء الأحادي لسد النهضة، والمقرر في يوليو المقبل، معتبراً أن "الجانب الإثيوبي يعلم حجم تلك الأضرار، لأن أثار عملية الملء الأول ظهرت وكانت هناك معاناة للمواطنين من نقص في المياه والكهرباء، وحدوث فيضانات أدت إلي وفاة مواطنين، وتدمير منازل ومرافق حكومية".
وقال في تصريحات لـ"الشرق": "السودان الآن المتضرر الأكبر لأن إثيوبيا ستملأ السد في يوليو وأغسطس، وهو موعد الموسم الزراعي في السودان، ومن أجل تدارك ومواجهة الأثار المتوقعة بدأت الحكومة تخزين المياه التي كان من الأنسب استخدامها في توليد الطاقة الكهربائية".
وأضاف أن القاهرة والخرطوم أطلقتا تحذيرات من الملء الأحادي للسد، سواء عبر المراسلات، أو شفاهة أثناء المفاوضات، موضحاً أن مطالبة بلاده بالتوقيع علي اتفاق ملزم، مبنية علي فرضية تبادل المعلومات من أجل الاستعداد لعملية الملء، لتجنيب السدود السودانية خاصة سد الروصيرص الأخطار المحتملة.
9 جولات من التفاوض
ودلل الفاروق علي ما سماه "تعنت الجانب الإثيوبي" بعدد الجولات التفاوضية التي وصل عددها إلى "أكثر من 9 جولات تفاوضية ولا جديد، بل إن إثيوبيا في كل جولة أو لقاء تتراجع عن النقاط التي تم التوافق حولها من قبل".
وأشار إلى أن بلاده لم تسع لتحقيق مكسب سياسي من ملف السد مثلما تفعل إثيوبيا، موضحاً: "إثيوبيا تستخدم ملف سد النهضة في العمل السياسي لأنها تعاني من أزمات داخلية".
"جهل فني"
وعلق وزير الموارد المائية والري المصري الأسبق، محمد نصر الدين علام، على تصريحات مستشار وزير الري الإثيوبي، بقوله إنها "تنم عن جهل بكثير من الأمور الفنية والسياسية، وفي مقدمتها أن مصر عندما طالبت بتوقيع اتفاقية ثلاثية كانت تهدف لتحديد آليات تشغيل وملء السد، لأن هناك ضرراً تعلمه دولتا المصب من عمليات الملء لذلك تريد توقيع الاتفاقية، ومن غير المعقول أن تطالب دولتا المصب بتوقيع اتفاقية مع كل عملية ملء تحدث وهو أمر غير معقول".
وقال علام، في تصريحات لـ"الشرق"، إن "حديث مستشار وزير الري الإثيوبي بشأن إقامة دولتي المصب مشروعات بشكل أحادي، حديث غير مدروس، لأن مصر عندما شيدت السد العالي كانت تهدف لمنع فقد المياه في البحر، وأعطت السودان حصة مياه مقدارها 14 مليار متر مكعب، لكن هناك فرق حينما تقيم دولة منبع مشروعاً يضر بدول المصب بشكل بالغ، وإقامة دول المصب مشروعات للحفاظ على المياه".
وأضاف: "مصر لم تعترض على بناء السد بدليل توقيعها اتفاق المبادئ، بل وعرضت على الجانب الإثيوبي دفع جزء من تكاليف المشروع، لكن إثيوبيا تريد استئصال حصة من مياه مصر والسودان وهو ظلم واضح، أتمنى ألا يقبل به المجتمع الدولي، لأن مصر لن تسمح بأن يتأثر نصيب الفرد لديها بأي شكل من حصة بلاده في المياه".
"تصريحات متناقضة"
من جانبه، فند وزير الموارد المائية المصري محمد عبد العاطي، "الادعاءات الإثيوبية بأن السد سيوفر الكهرباء لإثيوبيا والدول المجاورة لها"، بحسب بيان لوزارة الري المصرية.
وأشار عبد العاطي، خلال لقائه رئيس جنوب السودان فى العاصمة جوبا، الجمعة، إلى "تناقض تصريحات المسؤولين الإثيوبيين الذين يتحدثون عن أهمية السد في توفير الكهرباء للشعب الإثيوبي المحروم من الكهرباء، في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة الإثيوبية لتصدير الكهرباء للخارج".
وأكد خلال الزيارة، حرص القاهرة "على استكمال المفاوضات مع التأكيد على ثوابت مصر فى حفظ حقوقها المائية وتحقيق المنفعة للجميع في أي اتفاق حول السد، والتأكيد على السعى للتوصل لاتفاق قانوني عادل وملزم للجميع يلبي طموحات جميع الدول في التنمية"، مشيراً إلى "ما أبدته مصر من مرونة في التفاوض خلال السنوات الماضية، والتي قوبلت بالتعنت الواضح من الجانب الإثيوبي".
محاولة للتنصل
والأسبوع الماضي، شدد وزير الخارجية المصري سامح شكري، على أن "مواقف الجانب الإثيوبي بشأن التوصل إلى اتفاق حول ملء وتشغيل السد تؤكد التعنت ومحاولة إثيوبيا التنصل من الهدف".
وقال، خلال مؤتمر صحافى مشترك مع وزير خارجية لوكسمبورغ جان اسيلبورن، بالقاهرة، إن "مصر سعت على مدى 10 سنوات للتوصل إلى اتفاق يؤكد الملكية المشتركة لنهر النيل وأحقية إثيوبيا في التنمية من دون الإضرار بدولتي المصب، وأن مصر والسودان قدما تنازلات، لكن حتى الآن لم نجد الإرادة السياسية من قبل الجانب الإثيوبي للتوقيع على اتفاق تم صياغته في واشنطن، وشارك فيه المفاوض الإثيوبي ووافق على كل بنوده ثم تراجع عن التوقيع عليه".
مجلس الأمن.. والدعم العربي
وطالبت مصر والسودان، مجلس الأمن بعقد جلسة في أقرب وقت ممكن لبحث تطورات الأزمة، إذ أرسل وزير الخارجية المصري سامح شكري، ونظيرته السودانية، مريم الصادق، رسالتين منفصلتين إلى المجلس، طالباه بحث كل الأطراف على الالتزام بتعهداتها بموجب القانون الدولي والامتناع عن اتخاذ أي إجراءات آحادية الجانب.
وفي 15 يونيو، دعا وزراء الخارجية العرب، في اجتماعهم الطارئ بالعاصمة القطرية الدوحة، مجلس الأمن الدولي إلى عقد جلسة عاجلة لبحث الخلاف بشأن السد.
وطالب الوزراء في مشروع قرار البيان الختامي للاجتماع، مجلس الأمن الدولي بـ"تحمل مسئولياته في هذا الصدد"، و"اتخاذ الإجراءات اللازمة لإطلاق عملية تفاوضية فعالة تضمن التوصل، في إطار زمني محدد، لاتفاق عادل ومتوازن وملزم قانوناً بشأن سد النهضة يراعي مصالح الدول الثلاث.
اقرأ أيضاً: