عُقدت في العاصمة العراقية بغداد، الأحد، قمة ثلاثية جمعت رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وملك الأردن عبد الله الثاني، لبحث تعزيز التعاون بين البلدان الثلاثة.
وتأتي القمة في إطار الجولة الرابعة لآلية التعاون الثلاثي التي انطلقت بالقاهرة في مارس 2019.
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في كلمته أمام القمة: "نأمل أن تدشن هذه القمة التاريخية مرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية والتعاون الوثيق بين بلداننا، سعياً نحو الانطلاق خلال السنوات القادمة إلى مرحلة التنمية المستدامة والرخاء لشعوبنا".
والسيسي هو أول رئيس مصري يزور العراق منذ غزو الكويت في عام 1990، مما أدّى إلى توقف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، قبل استئنافها في وقت لاحق، بحسب ما ذكرت وكالة "رويترز".
وثمّن السيسي مواقف العراق والأردن الداعمة لمصر فيما يتعلق بحقوقها المائية، قائلاً: "هو الأمر الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومي العربي، ويشكل جزءاً من الحقوق المائية العربية بشكل عام".
وأكد تأييد مصر لـ"الحقوق المائية للعراق والأردن، في مواجهة التحديات الماثلة أمامهما، وترى أن الحقوق العربية المائية تعد مكوّناً أصيلاً من مكوّنات الأمن القومي العربي، مما يتطلب التنسيق والتعاون فيما بيننا للحفاظ عليها".
"استقرار ليبيا"
في الشأن الليبي، قال السيسي إن "مصر تسعى للتوصل لتسوية سياسية، بناء على مخرجات قمة برلين، وإعلان القاهرة وقرارات الشرعية الدولية، ودعمت المفاوضات التي تضم كافة الأطراف الليبية برعاية الأمم المتحدة، وصولاً لاتفاق لجنة الحوار الوطني الليبي في جنيف، واختيار رئيس الوزراء، ورئيس المجلس الرئاسي، ثم تشكيل الحكومة الليبية المؤقتة".
وأضاف: "وهو ما يشكل في مجمله خطوة هامة على الطريق السليم، إلا أننا نؤكد صعوبة تحقيق الاستقرار المرجو، من دون إنهاء كافة التدخلات الخارجية في ليبيا، وخروج القوات الأجنبية والمرتزقة، مع ضرورة استمرار احترام وقف إطلاق النار، وصولاً للانتخابات الليبية في ديسمبر المقبل".
"الأزمة السورية"
على صعيد الملف السوري، جدد الرئيس المصري "التأكيد على الموقف القاضي بعدم إمكانية حل الأزمة السورية عسكرياً"، وأن "هناك حاجة للتوصل لحل سياسي يُنهي العمليات العسكرية والتدخلات الخارجية، ويحقق المطالب المشروعة للشعب السوري، مع ضرورة الحفاظ على وحدة وسلامة واستقلال الأراضي السورية، وحماية مؤسسات الدولة من الانهيار".
وتابع: في هذا الإطار، تدعم مصر جهود التسوية السياسية للأزمة في إطار عملية جنيف، ووفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254، وجهود المبعوث الأممي".
"القضية الفلسطينية"
وفي الشأن الفلسطيني، قال السيسي إن "مصر تواصل جهودها في دعم القضية الفلسطينية ذات الأولوية، باعتبارها قضية العرب المركزية، عاملة على تثبيت وقف إطلاق النار بين الجانبين، والذي نجحت الجهود المصرية في التوصل إليه، وإطلاق جهود السلام مُجدداً، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وحل الدولتين بهدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية".
وأضاف: "شهدت القاهرة زخماً خاصاً في الأشهر الماضية، واتصالاً بهذا الموضوع عبر اجتماعات الجامعة العربية وغيرها، فضلاً عن جهود التقريب بين الأشقاء الفلسطينيين لإتمام المصالحة فيما بينهم، صوناً لقدرة الشعب الفلسطيني على استعادة حقوقه عبر وحدته وتضامنه".
وعبّر عبد الفتاح السيسي عن تطلع مصر لاستضافة القمة المقبلة، "إيماناً منها بأهمية هذا التعاون المشترك".
تنفيذ المشاريع المشتركة
من جانبه، قال رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، خلال كلمته الافتتاحية: "ركزنا في الاجتماع السابق على الاستثمار والتعاون الاقتصادي، واتفقنا على رؤية مشتركة، ونجحنا في الوصول إلى تصورات"، مضيفاً: "الآن نحن في مرحلة الوصول إلى تنفيذ هذه المشاريع، في مجال الربط الكهربائي والزراعة والنقل، وكذلك الأمن الغذائي الذي طرحه الملك عبد الله في الاجتماع الماضي، وفي مجال العلاقات المالية والمصرفية، وتطوير البنى التحتية لها".
وأضاف: "هناك العديد من مذكرات التفاهم جرى التوقيع عليها في السابق بين الدول الثلاث، وأيضاً سنوقع مذكرات واتفاقيات في المستقبل القريب"، مشيراً إلى أنه سيتم العمل على "إقامة سكرتارية دائمة، لتنسيق العمل بين الدول الثلاث وتطوير ومتابعة ما نتفق عليه".
وتابع الكاظمي: "نعمل على تطوير التنسيق في المجال الأمني والاستخباري، وخصوصاً فيما يتعلق بمواجهة الإرهاب وتمويله، إضافة إلى التنسيق في مجال التعليم والثقافة ومجالات الشباب والرياضة والفنون والصحة".
وزراء الخارجية: تعاون مستمر
وعلى مستوى وزراء خارجية الدول الثلاث، قال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، خلال مؤتمر صحافي مشترك عقب القمة: "لدينا كل العزيمة للتعاون مع العراق والأردن، والاستمرار في تنفيذ مخرجات القمم الثلاثية، والاستمرار في كل النشاطات التي تعود بالنفع للشعوب الثلاثة".
من جانبه، قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، إن "القمة الثلاثية دليل على أن قادة الدول الثلاث في حالة تعاون وتضامن مستمر، من أجل مواجهة التحديات التي تواجهها المنطقة".
بدوره، قال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، إنه "يجب تحييد العراق عن أي خلافات وتداعيات إقليمية"، مضيفاً أن "البلدان الثلاثة تقف اليوم معاً في مواجهة التحديات المشتركة، لأن مصالحنا وأمننا مشترك".
وأكد الصفدي، أيضاً دعم المملكة لمصر والسودان في موقفهما "العقلاني"، بشأن ضرورة التوافق على ملف سد النهضة.
تعزيز التعاون الاقتصادي
وأفادت الرئاسة العراقية في بيان صحافي بأن برهم صالح ناقش، خلال جلسته الثنائية مع السيسي، التعاون الثلاثي بين العراق ومصر والأردن، إذ تم التأكيد على أهمية تعزيز مستوى التنسيق بين البلدان الثلاثة، والاستفادة من التواصل الجغرافي في تنمية آفاق تعاون أوسع في مجالات الاقتصاد والتجارة والتنمية، والتأسيس لمشاريع البنى التحتية، ونقل الطاقة ومد أنابيب النفط.
وأكد اللقاء أهمية مواصلة الجهود من أجل مواجهة التحديات القائمة في مكافحة الإرهاب والتطرف، وتداعيات وباء كورونا، والتغير المناخي وحماية البيئة، وضرورة مواصلة الاجتماع بشكل دوري لتنسيق المواقف وتعزيز التعاون الثلاثي.
وأشارت الرئاسة في العراق إلى أن اللقاء تناول تطورات الأوضاع في المنطقة، والتأكيد على أن "العراق الآمن والمستقر ذا السيادة، وإعادة دوره العربي والإقليمي هو عنصر مهم في ترسيخ الأمن والاستقرار والتنمية في كل المنطقة"، فضلاً عن أهمية التنسيق الثلاثي المشترك في تخفيف التوترات، وتعزيز الاستقرار الإقليمي، وإيجاد حلول للأزمات في سوريا واليمن وليبيا.
دعم أردني
فيما أكد الملك عبد الله وقوف الأردن إلى جانب العراق في الحفاظ على أمنه واستقراره، مشدداً على أهمية الاتفاقيات المبرمة بين البلدين في المجالات الاقتصادية والتجارية، وضرورة تعزيز التعاون الثلاثي المشترك بين العراق والأردن ومصر، بما يحقق المصالح المشتركة، وفقاً للبيان.
وفي تغريدة له عبر "تويتر"، أكد برهم صالح أن تعافي العراق يمهد لمنظومة متكاملة للمنطقة، "أساسها مكافحة التطرف واحترام السيادة والشراكة الاقتصادية".
وأضاف تعليقاً على استقباله للسيسي والملك عبد الله: "علاقاتنا الراسخة في التاريخ مُنطلق لمستقبل واعد لشعوبنا وشبابنا، رسالة بليغة وسط تحديات إقليمية جسيمة".
وتأتي هذه القمة بعد أن تأجلت مرتين، الأولى في مارس الماضي على خلفية سقوط عشرات الضحايا والجرحى في حادث اصطدام قطارين بمحافظة سوهاج في صعيد مصر، بينما تأجلت المرة الثانية في أبريل على خلفية الظروف الأمنية في الأردن.
وكان زعماء مصر والعراق والأردن اجتمعوا بالقاهرة في أول قمة مشتركة عام 2019، عندما استضاف السيسي العاهل الأردني ورئيس الوزراء العراقي آنذاك عادل عبد المهدي، في حين انطلقت الجولة الثانية في أغسطس 2020 بالعاصمة الأردنية عمّان، بحضور رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي.