يسعى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في نيويورك الخميس، بتكليف صريح من الرئيس دونالد ترمب، إلى إطلاق آلية إعادة تفعيل العقوبات الدولية على إيران في مجلس الأمن، المعروفة اصطلاحاً باسم "سناب باك"، بحجة انتهاكها الاتفاق النووي المُبرم عام 2015.
وعلى الرغم من اعتراض مسبق من روسيا والصين، وتردّد الحلفاء الأوروبيين، تبدو إدارة ترمب مصمّمة على إطلاق الآلية، قبل انتهاء حظر السلاح الدولي المفروض على طهران، في أكتوبر المقبل، واستباقاً لانتخابات الرئاسة الأميركية المرتقبة في نوفمبر. وقررت الولايات المتحدة تفعيل بند "سناب باك" في الاتفاق، بعدما أخفقت في تمرير مشروع قرار في مجلس الأمن الأسبوع الماضي، لتمديد هذا الحظر.
ولعلّ أبرز العراقيل التي قد تواجهها إدارة ترمب، تتمثل في انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018. وتعتبر موسكو وبكين أن الولايات المتحدة لم تعد طرفاً في الاتفاق، ولا تملك تالياً الحق في إطلاق آلية تقويضه.
في المقابل، تتسلّح واشنطن بقرار مجلس الأمن رقم 2231، الذي صادق على الاتفاق ووضعها ضمن الأطراف "المشاركين" فيه، وتسعى بذلك إلى فصل المرجعية القانونية التي يمثلها القرار، عن الاتفاق المبرم بين وإيران والدول الست (الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا). وتنص المادة 10 من القرار على أن "المشاركين" في الاتفاق هم "روسيا وألمانيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإيران".
آلية "سناب باك"
ينصّ الاتفاق النووي على إمكان إنهاء العمل بموجباته، في حال قرر أحد الأطراف المشاركين فيه تفعيل الآلية الخاصة بذلك في مجلس الأمن. ويمكن لأي طرف مشارك أن يبلغ المجلس بوجود دولة طرف "لا تفي بالتزاماتها في إطار" الاتفاق.
وفي حال عدم التوصل إلى حلّ، وفق آلية تسوية النزاعات، يمكن لذاك المشارك التعامل مع المسألة التي لم تُحلّ بوصفها أساساً لـ"وقف تنفيذ التزاماته بموجب الاتفاق، كلياً أو جزئياً و/أو إبلاغ مجلس الأمن أنه يعتقد أن المسألة تشكّل تقصيراً كبيراً في الأداء".
وينصّ الاتفاق أيضاً على أنه "بمجرد تسلم (مجلس الأمن) إخطاراً من المشارك المشتكي، يصوّت المجلس على قرار بمواصلة رفع الجزاءات" (العقوبات المفروضة على إيران). ويضيف الاتفاق: "في حال عدم تبنّي المجلس القرار المذكور أعلاه في غضون 30 يوماً من الإخطار، يُعاد حينئذ فرض أحكام القرارات السابقة (العقوبات) الصادرة عن مجلس الأمن، ما لم يقرر المجلس خلاف ذلك".
لغة "فريدة" في الاتفاق النووي
تشكل العقدة المتمثلة بإطلاق الولايات المتحدة آلية "سناب باك"، إجراءً يُعتبر سابقة في قرارات مجلس الأمن، نظراً إلى فرادة اللغة المستخدمة في الاتفاق النووي. وصُمم القرار 2231 من الأطراف المشاركين في الاتفاق، ليكون ضمانة بأن روسيا والصين لن تتمكّنا من استخدام حق النقض، في حال قررت الولايات المتحدة أو حلفاؤها إعادة تفعيل العقوبات على إيران.
وتنص الفقرة 12 من القرار 2231 على أن إعادة العمل بالعقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران قبل إبرام الاتفاق النووي، ستتم بشكل آلي في حال تقديم أي طرف في الاتفاق شكوى ضد إيران وإطلاق آلية "سناب باك" بناءً عليها. وتكمن فرادة القرار 2231 في أنه وجد صيغة تمكّن الدول الغربية من الالتفاف على أي "فيتو" روسي أو صيني، إذ يوضح أن "عدم تبنّي" مجلس الأمن قراراً بإنهاء العقوبات، سيعني حكماً عودة العمل بهذه العقوبات.
وتفيد الفقرة 12 من القرار بأن مجلس الأمن "يقرر إذا لم يتخذ المجلس قراراً يقضي باستمرار سريان أحكام إنهاء العقوبات، أنه اعتباراً من منتصف الليل بتوقيت غرينيتش بعد اليوم الثلاثين من تاريخ إخطار مجلس الأمن، يسري مفعول كل أحكام القرارات 1696 (عام 2006)، و1737 (2006)، و1803 (2008)، و1835 (2008)، و1929 (2010) التي أُنهي العمل بها (عملاً بالاتفاق النووي)، بالطريقة ذاتها التي كانت سارية بها" قبل الاتفاق "إن لم يقرر مجلس الأمن خلاف ذلك".
تداعيات تطبيق "سناب باك"
وفي حال تنفيذ آلية "سناب باك"، ستعود إيران مجدداً إلى مرحلة الخضوع لحزمة ضخمة من العقوبات، كان الاتفاق النووي نصّ على إنهائها، وفق أطر زمنية مختلفة. هذه العقوبات وردت في القرارات 1696 و1737 و1803 و1835 و1929، وتتضمّن نظاماً مكبّلاً لطهران، يطاول قطاعاتها النفطية والتجارية والمصرفية، وصولاً إلى برنامجَيها النووي والصاروخي وحظر استيرادها وتصديرها أسلحة تقليدية.
وأشارت وكالة "أسوشييتد برس" إلى أن "الأوروبيين يخشون من أن تدفع إعادة فرض العقوبات، إيران إلى الانسحاب بالكامل من الاتفاق النووي، والمضيّ في جهود تطوير أسلحة ذرية".
وتحدثت عن "سيناريو يتجاهل فيه العالم الولايات المتحدة، على أساس أنها لم تعد تتمتع بوضع قانوني لاستحضار سناب باك". وأضافت أن "هناك نظرية مفادها أن هيكل العقوبات الأميركية لن يكون قادراً على التعامل بفاعلية" مع تطبيقها، موضحة أن "الدول الأخرى قد تتحوّط في رهاناتها، في انتظار نتيجة انتخابات الرئاسة الأميركية في 3 نوفمبر". وذكّرت بأن المرشح الديمقراطي للرئاسة جوزف بايدن أعلن أنه سيحاول إحياء الاتفاق النووي، إذا فاز في الاقتراع.
مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أوردت أن توقيت تقديم الطلب بتفعيل آلية "سناب باك" تعمّد أن "ينتهي قبل أكتوبر - عندما ينتهي حظر الأسلحة، وأيضاً عندما تتولّى روسيا رئاسة مجلس الأمن: وقت قد تواجه فيه واشنطن مزيداً من العراقيل الإجرائية".
معركة سياسية
واعتبرت أن الأمر هو "معركة سياسية، أكثر منها قانونية"، مضيفة أن إيران هي "الفاعل الرئيس الذي سيقرر مصير الاتفاق النووي"، بعد إعادة العقوبات، في إشارة إلى السياسات التي ستنتهجها في هذا الشأن.
ورجّحت أن ينقسم مجلس الأمن إلى 3 مجموعات في هذا الصدد، أوّلها الولايات المتحدة التي "ستسعى إلى حشد دعم لقضيتها". المجموعة الثانية تضمّ الصين وروسيا اللتين "قد تريان أنه من المفيد السعي للحصول على قرار من محكمة العدل الدولية، بشأن المسألة القانونية المتعلّقة بمطالبة الولايات المتحدة". والمجموعة الثالثة ستقودها فرنسا وبريطانيا وألمانيا، التي "لا تزال متحدة في الاعتقاد بضرورة الحفاظ على (الاتفاق النووي) إلى أقصى حدّ ممكن".
في المقابل، اعتبر "معهد الدفاع عن الديمقراطيات" (مقرّه واشنطن) أن مصطلح دولة "مشاركة" في الاتفاق "مُعرَّف في قرار مجلس الأمن رقم 2231، والذي لا يتضمّن أي بند لتغيير هذا التعريف، بناءً على السلوك أو النشاطات المستقبلية للأطراف المحددة".
وشدد على أن "الولايات المتحدة تبقى إلى الأبد دولة مشاركة في الاتفاق. والطريقة الوحيدة لتغيير هذا الواقع القانوني، تتمثل في تمرير تعديل على شكل قرار جديد لمجلس الأمن، سيخضع لفيتو أميركي". واستدرك المعهد أن القرار رقم 2231 ينهي العمل ببند "سناب باك" بعد عام 2025.