باتت قضية الاستقرار السياسي في ليبيا التي تعاني من صراع عسكري مسلح منذ سنوات، أحد أهم أبعاد الأمن القومي في مصر، الجارة المباشرة لليبيا، خاصة بعد تدخل تركيا عسكرياً لدعم حكومة المجلس الرئاسي في مواجهة قوات الجيش الوطني الليبي.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قال في تصريحات خلال تفقده للقوات المصرية في المنطقة العسكرية الغربية، السبت إن تجاوز خط مدينة سرت (منتصف الساحل الليبي) وقاعدة الجفرة الجوية، يعد "خطاً أحمر" لمصر وأمنها القومي، في تحذير ضمني لقوات حكومة المجلس الرئاسي من التقدم باتجاه سرت.
السيسي اعتبر أن "أي تدخل مباشر من جانب مصر في ليبيا باتت تتوفر له الشرعية الدولية"، ليفتح الباب أمام احتمالات التدخل العسكري المصري المباشر في ليبيا بعد أعوام من تطوير القاهرة لقدراتها العسكرية.
ففي عام 2017 افتتح الرئيس المصري بالقرب من الساحل الشمالي غرب الإسكندرية قاعدة "محمد نجيب" العسكرية التي وصفتها القاهرة بأنها "أكبر قاعدة عسكرية في إفريقيا والشرق الأوسط"، كما دعمت مصر جيشها بصفقات تسليح كبيرة، بينها مقاتلات "رافال" الفرنسية و"ميغ-29" الروسية، وحاملتا مروحيات فرنسيتان من طراز "ميسترال"، وأنواع متعددة من أنظمة الدفاع الجوي والقطع البحرية.
توتر مستمر على الحدود الغربية
تمتد الحدود المصرية مع ليبيا على نحو 1049 كيلومتراً، الأمر الذي يستدعي إمكانات عسكرية كبيرة، لتأمين تلك الحدود التي مثلت في أوقات سابقة مصدراً لتهريب البضائع والأسلحة والعناصر التابعة لبعض التنظيمات المتشددة في ليبيا.
وفي فبراير 2015، شنت القوات الجوية المصرية غارات على مواقع لتنظيم "داعش" في ليبيا، بعد أن أصدر التنظيم مقطع فيديو يصور قطع رؤوس 21 رهينة من المصريين الأقباط.
وشن الجيش المصري غارات جوية في العمق الليبي في مايو 2017، بهدف تدمير المركز الرئيسي لما يسمى "مجلس شورى مجاهدي درنة" و6 مناطق تمركز أخرى لعناصر التنظيم بمدينة درنة، وذلك بعدما اتهمتهم السلطات المصرية بالمشاركة في هجوم استهدف عشرات الأقباط في محافظة المنيا بصعيد مصر.
كما اتخذ الضابط المصري السابق هشام عشماوي مأوى مع عناصر متطرفة داخل ليبيا، قبل أن يقبض عليه الجيش الوطني الليبي في أكتوبر 2018 ويسلمه إلى القاهرة التي نفذت حكماً قضائياً بإعدامه في شهر مارس الماضي لإدانته بتنفيذ عمليات إرهابية.
القاهرة بين "العشرة الكبار"
القدرات العسكرية للجيش المصري، شهدت تطوراً كبيراً خلال السنوات الماضية، ما أسهم في احتلاله المرتبة التاسعة بين جيوش العالم من حيث القوة في عام 2020، وفقاً لتصنيف موقع "غلوبال فاير باور".
الموقع الذي يعتمد على قياس أكثر من 50 عاملاً لتحديد الترتيب، وضع الجيش المصري في المركز التاسع عالمياً، بعد جيش المملكة المتحدة، متقدماً على البرازيل التي جاءت في المركز العاشر.
وفي منطقة الشرق الأوسط، احتل الجيش المصري، الترتيب الأول في المنطقة، ثم تركيا، فإيران، وجاءت السعودية في المركز الرابع، تليها إسرائيل.
ويبلغ مجموع جنود الجيش المصري، وفقاً للموقع، في البلد الذي يتجاوز عدد سكانه 100 مليون نسمة، 920 ألف جندي، بينما يصل عدد الجنود العاملين إلى 440 ألفاً، وعدد قوات الاحتياط إلى 480 ألفاً.
العتاد العسكري
يضم سلاح الجو المصري 1054 طائرة، من بينها 215 طائرة مقاتلة، و59 طائرة نقل، و387 طائرة تدريب، و294 طائرة مروحية.
ويمتلك الجيش المصري 4295 دبابة، و11700 مركبة قتالية مدرعة، و1139 من قطع المدفعية ذاتية الحركة، بالإضافة إلى 1084 قاذفة صواريخ.
وتشغل القوات البحرية 316 قطعة، من بينهما حاملتا مروحيات من نوع ميسترال، و8 غواصات، و7 فرقاطات، و7 طرادات بحرية من طراز كورفيت، و45 سفينة حربية، بالإضافة إلى 31 كاسحة ألغام بحرية.
عين على سد النهضة
تحديات كبرى تواجهها القاهرة على صعيد الأزمة الليبية، قد تمثل اختباراً لقدراتها العسكرية حال تصاعدت الأمور، بينما تبقى أعين المراقبين في القاهرة موجهة أيضاً إلى أزمة "سد النهضة" الإثيوبي واحتمال وصولها إلى مرحلة المواجهة العسكرية رغم تأكيد القاهرة تمسكها بالحلول السلمية، في أعقاب فشل المفاوضات بين إثيوبيا ومصر والسودان في التوصل لاتفاق بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الذي تؤكد مصر أنه يهدد حقوقها المائية، ما دفعها لطلب تدخل مجلس الأمن الدولي في الأزمة.
حضور إقليمي ومشاركة دولية
وعلى صعيد الدور العسكري الإقليمي، تشارك مصر حالياً في التحالف العربي لدعم الحكومة الشرعية في اليمن الذي تقوده المملكة العربية السعودية، في مواجهة جماعة الحوثيين التي استولت على العاصمة صنعاء عام 2014، وقبلها مثلت حرب تحرير الكويت آخر عملية للجيش المصري خارج أراضيه عام 1991.
وتعد مصر ضمن الدول العشر الأكثر إسهاماً بقوات في بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام، إذ تشارك حالياً بنحو 3000 فرد في البعثات الأممية المنتشرة في عدة دول أفريقية، في استمرار لتقليد مصري بدأ للمرة الأول عام 1960 في الكونغو، ومنذ ذلك الحين ساهمت مصر في 37 بعثة لحفظ السلام بالأمم المتحدة بمشاركة أكثر من 30 ألف فرد في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية وأوروبا.





