في صيف عام 1993، فوجئ السودانيون بوضع بلادهم ضمن القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، بدعوى أن نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، "وفر ملاذاً لتنظيمات نفذت عمليات إرهابية" في تسعينيات القرن الماضي.
ولنحو 3 عقود، عانى السودان تبعات القرار الأميركي، بعد أن خضع لعقوبات اقتصادية صارمة، قيّدت تبادلاته التجارية، وتعاملاته المصرفية مع بنوك العالم، وألحقت بالخرطوم خسائر اقتصادية مؤثرة.
ومؤخراً، تعهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بحذف اسم السودان من القائمة، بعد اتفاق تضمن دفع تعويضات تبلغ قيمتها 335 مليون دولار لذوي ضحايا تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في عام 1998، إضافة إلى تفجير المدمرة الأميركية "يو إس كول" أمام سواحل اليمن في عام 2000، والذي أودى بحياة 17 بحاراً أميركياً.
خسائر التعدين
وعدد مدير "الشركة السودانية للموارد المعدنية"، مبارك أردول، في حديثه لـ"الشرق"، خسائر السودان من القرار الأميركي على مدار السنوات الماضية، قائلاً إن "ملايين الدولارات بقطاع التعدين هدرت، والحكومة تفقد السيطرة على تلك الأموال بسبب العقوبات المفروضة على السودان".
وأوضح أن العقوبات أثرت في الكثير من الشركات الضخمة خارج السودان، ومنعتها من المغامرة والدخول إلى السوق، خوفاً من الخسائر الكبيرة التي يمكن أن تتعرض لها.
وأكد أن غياب الشركات العالمية التي تملك أسهماً في البورصات العالمية، كان له شديد الأثر والضرر على الاقتصاد السوداني. متابعاً: "نتطلع الآن للدخول في السوق العالمي الحر، وفق قوانين وقيود تُعيد الثقة لسوق المعادن السوداني".
سوق مصرفي من دون ثقة
المصرفي عثمان الشيخ عبد الرحمن، أوضح في حديثه لـ"الشرق"، أن معظم البنوك الأميركية والأوروبية تنتظر رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب لتتمكن من التعاون، وإعادة بناء علاقات قائمة على الثقة، مضيفاً أن معظم البنوك الأجنبية لا تتعاون في السوق المصرفي السوداني بسبب غياب الثقة، ومن ناحية أخرى بسبب رؤوس الأموال المنخفضة.
وأكد أن القطاع المصرفي تضرر كثيراً، وخاصة مع سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار، مشيراً إلى أن المصرفيين ينتظرون تنفيذ قرار رفع العقوبات بشكل كامل، ليتمكنوا من العودة بصورة قوية.
انهيار الزراعة
وحول خسائر القطاع الزراعي، قالت المهندسة بالبحوث الزراعية، أماني محمد عبد الكريم، لـ"الشرق"، إن العقوبات كان لها ضررها البالغ على الزراعة واحتياجاتها، وأهمها المعدات، الوقود، الأسمدة، المبيدات، فأصبح كل ما سبق غير متوفر بسبب العقوبات الأميركية على السودان.
وأضافت: "كان هناك سياسات تخريب ممنهجة للقطاع الزراعي، وخاصة من خلال رفع أسعار مستلزمات الزراعة وتسويقها، وعدم الاهتمام بالبنية التحتية للريف، حتى إن الأيدي العاملة هاجرت خارج البلاد".
حصار سياسي
المحلل السياسي، الحاج حمد محمد خير، أوضح في حديثه لـ"الشرق"، أن أكثر تأثيرات قرار العقوبات يتمثل في أن الدولة "تصبح غير قادرة على اتخاذ أي قرارات سياسية بشكل متكافئ مع نظرائها من الدول الأخرى".
ودلل على رأيه بما حدث مع نظام الرئيس المعزول عمر البشير الذي قدم كل ما طلبته الإدارات الأميركية المتعاقبة على البيت الأبيض، ورغم ذلك لم تفلح جهوده، حسب قوله.
وأضاف: "ظلت السياسات الخارجية للسودان ونظام البشير طوال الفترة الماضية متأرجحة هنا وهناك، وخسرت في إدارة ملفاتها الدبلوماسية على المستوى الإقليمي والدولي والداخلي أيضاً، ما أدّى إلى حدوث احتجاجات شعبية أطاحت بنظامه العام الماضي".
تفاقم الديون
وأسهم وضع اسم السودان على هذه القائمة، في تفاقم المديونية العامة، إذ يدرج ضمن قائمة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون، بحجم ديون يصل إلى 60 مليار دولار، وفقاً لتصريحات حكومية.
حجم الديون هذا يفوق الناتج المحلي الإجمالي الذي شهد انتكاسة قوية منذ عام 2015، إذ سجل آنذاك نحو 74.2 مليار دولار، ليهبط في 2017 إلى 45.38 مليار دولار، ثم 18.9 مليار دولار في 2019، وفقاً لبيانات البنك الدولي.
ويراهن السودان على رفع اسمه من القائمة الأميركية، لفتح الباب أمام إعفائه من الديون، والحصول على مساعدات اقتصادية يمكنها إعادة إحياء الاقتصاد.
عقوبات صارمة
وأدى وضع السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، إلى فرض عقوبات عديدة، منها حرمانه من الحصول على مساعدات غير إنسانية، مثل المساعدات الاقتصادية والزراعية والعسكرية.
كما شملت العقوبات منع السودان من الاستفادة من قروض وضمانات القروض والتأمينات التي يمنحها بنك التصدير والاستيراد الأميركي، التي تستخدم بشكل عام لتصدير البضائع والمنتجات الأميركية لدول العالم.
كما حظرت أي صادرات عسكرية إلى السودان من سلاح وذخيرة، إن كانت عبر المنح أو القروض، وعبر مؤسسات حكومية أو شركات خاصة. وكذلك حظرت صادرات أي بضائع أو منتجات أو تكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، يمكن أن تسهم في رفع القدرات العسكرية للسودان، من دون الحصول على رخصة وإذن مسبق.