دخلت فضيحة "أوكرانيا غيت" فصلاً جديداً، السبت، بإعلان الحكومة الأوكرانية براءة هانتر بايدن ووالده جو بايدن المرشح لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية، من قضية فساد تتعلق بشركة "بوريسما" للطاقة الأوكرانية، والتي كان هانتر عضواً في مجلس إدارتها.
"أوكرانيا غيت"
تفاصيل قضية نجل بايدن التي أطلق عليها الإعلام الأميركي اسم "أوكرانيا غيت" تشبيهاً بفضيحة "ووترغيت" التي حصلت عام 1972 وأدت إلى استقالة الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، تعود إلى شهر يوليو 2019.
وتتلخص القضية في شكوى تقدم بها في 12 أغسطس 2019 عناصر من أجهزة الاستخبارات الأميركية، لم تكشف هويتهم، حول مكالمة هاتفية أجراها الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم 25 يوليو 2019 مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حث خلالها ترامب نظيره الأوكراني على فتح تحقيق بشأن ضلوع نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في قضايا فساد، خلال فترة عمل ابنه هانتر بايدن مديراً في شركة "بوريسما" الأوكرانية للطاقة.
وتضمنت الشكوى أيضاً ادعاءات بأن ترامب أمر بقطع المساعدات العسكرية الأميركية عن أوكرانيا من دون تقديم أي تفسير، قبل مكالمته مع الرئيس الأوكراني، من أجل استخدامها كوسيلة ضغط ضده للقبول بفتح التحقيق.
وخلال المكالمة التي نشر البيت الأبيض تفاصيلها بعد انتشار شائعات وتسريبات حول فحواها، طلب ترامب من الرئيس الأوكراني التحقيق في الدور الذي لعبه بايدن في إيقاف تحقيقات تجري في أوكرانيا حول أعمال فساد تتعلق بنجل بايدن.
وتحدث ترامب خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس الأوكراني حول الجدل الذي يشهده الشارع الأميركي بسبب الإدعاءات المتعلقة بقضايا فساد خاصة بهانتر نجل بايدن في أوكرانيا، ودور والده في إيقاف التحقيقات الخاصة بابنه، قائلاً للرئيس الأوكراني "الكثير من الناس يرغبون في معرفة ذلك، لذا فإن كل ما يمكنك القيام به مع النائب العام سيكون رائعاً. بايدن تفاخر بأنه أوقف النيابة". ووفقاً لنص المكالمة التي نشرها البيت الأبيض، فإن الرئيس الأوكراني وافق بالفعل على طلب ترامب.
وفي سبتمبر 2019، أطلقت رئيسة مجلس النواب الأميركي، الديمقراطية نانسي بيلوسي تحقيقاً رسمياً لإقالة الرئيس دونالد ترامب، على خلفية المكالمة المذكورة واستخدام المساعدات العسكرية كوسيلة ضغط، باعتبارها إساءة لاستعمال سلطات الرئيس، بهدف التأثير على سير الانتخابات الرئاسية.
وفي المقابل، رد مؤيدو ترامب بأن نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن هو من أساء استغلال سلطته للضغط على أوكرانيا للتراجع عن استكمال تحقيقات جنائية شملت نجله هانتر.
واعترف الرئيس الأميركي في سبتمبر بأنه طلب بالفعل فتح تحقيق بشأن جو بايدن ونجله، ولكنه رفض الاتهامات باستخدام المساعدات العسكرية كوسيلة ضغط على أوكرانيا.
وتحدث ترامب في تصريح للصحافة عن تفاصيل مكالمته مع الرئيس الأوكراني، موضحاً أنها كانت لتهنئته بالفوز بالانتخابات. وقال إنهما تطرقا خلال المكالمة إلى الحديث عن الفساد بشكل عام. وأضاف الرئيس الأميركي: "لا نريد لمواطنينا مثل بايدن وابنه أن يُحدثوا الفساد في أوكرانيا، فأوكرانيا لديها مشاكل متعددة بالفعل".
التحقيقات تبرّئ بايدن
وأسفرت التحقيقات التي باشرتها السلطات الأوكرانية عن تبرئة بايدن وابنه من تهم الفساد التي سعى ترامب لإثباتها من خلال التحقيقات.
وكشف مسؤولون أوكرانيون، السبت، أنه جرى عرض رشاوى عليهم بقيمة 5 ملايين دولار لإنهاء تحقيق مرتبط بمؤسس شركة "بوريسما" للطاقة، وهو التحقيق ذاته الذي شكك ترامب بأن "بايدن له دور في إيقافه"، ولكنهم قالوا إن "عضو مجلس إدارتها السابق هانتر بايدن ووالده جو بايدن لا علاقة لهما بالأمر".
وقال رئيس المكتب الوطني الأوكراني لمكافحة الفساد أرتيم سيتنيك، في تصريحات صحافية، إن"السلطات اعتقلت 3 أشخاص، من بينهم مسؤول ضرائب حالي وآخر سابق، بسبب عرض الرشوة، وهي أكبر رشوة نقدية يتم ضبطها في البلاد".
وصرّح رئيس تحقيقات مكافحة الفساد في النيابة العامة نزار خلودنيتسكي، خلال مؤتمر صحافي أمس السبت، قائلاً: "لنضع حداً لهذا الأمر نهائياً. بايدن الابن وبايدن الأب لا علاقة لهما بهذه الإجراءات (القضائية) تحديداً".
محاكمة تاريخية
وتأتي نتائج التحقيقات في أعقاب فشل الديموقراطيين، بقيادة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، في مساعيهم الهادفة إلى إقالة دونالد ترامب عبر محاكمة تاريخية في الكونغرس.
ووجه مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الديموقراطيون، اتهامين إلى الرئيس ترامب. الأول يتعلق بإساءة استغلال سلطات منصبه عندما طالب أوكرانيا بالتحقيق مع ابن منافسه السياسي جو بايدن، وحجز مساعدات عسكرية كوسيلة ضغط، وذلك بهدف الإضرار بمرشح محتمل في الانتخابات الرئاسية.
أما الاتهام الثاني، فهو محاولة عرقلة العدالة بعدم تقديم شهود ووثائق تخص التحقيق، في تحدٍ لمذكرات استدعاء صادرة عن الكونغرس.
وفي 27 نوفمبر 2019، دعا الكونغرس ترامب إلى حضور جلسة للاستماع إليه بمجلس النواب ضمن إجراءات المحاكمة، غير أنه رفض المشاركة في الجلسة، وأناب عنه فريقاً قانونياً، برئاسة المستشار القانوني للبيت الأبيض بات سيبولوني ومحاميه الخاص.
وفي 18 ديسمبر الماضي، عقد مجلس النواب جلسة للتصويت على التهم الموجهة لترامب دامت أكثر من 14 ساعة، وانتهت بتصويت 230 نائباً في مجلس النواب على محاكمة ترامب بالتهم الموجهة إليه، مقابل معارضة 197 نائباً للقرار.
وبذلك، أصبح ترامب ثالث رئيس يحاكم برلمانياً في تاريخ الولايات المتحدة بعد بيل كلينتون (عام 1998) وأندرو جونسون (عام 1868)، وأول رئيس يحاكم خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى.
وقالت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي خلال الجلسة المذكورة إن ترامب يمثل "تهديداً للأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية"، بإقدامه على إدخال دولة أجنبية في الشؤون الداخلية لأميركا، من أجل ضمان إعادة انتخابه لولاية ثانية.
ورد ترامب عليها بتغريدة على "تويتر"، قائلاً: "تلك الأغلبية الديموقراطية في مجلس النواب، سمحت لبيلوسي بتنفيذ الإجراءات الخاصة بعزل الرئيس الأميركي من منصبه، لكنها لم تحصل على صوت واحد من الجمهوريين داخل مجلس النواب".
وأحيلت قضية عزل ترامب بعد ذلك إلى مجلس الشيوخ الذي عقد في الـ 5 من فبراير الماضي جلسة للتصويت على عزل الرئيس.
وصوّت 48 عضواً لصالح إدانة ترامب بتهمة إساءة استغلال السلطة، بينما صوّت لبراءته 52 عضواً. وفي تهمة تعطيل عمل الكونغرس، صوّت 53 عضواً لبراءة ترامب، مقابل تصويت 47 عضواً على إدانته.
وأسفرت نتائج التصويت عن براءة الرئيس الأميركي من التهم التي وجهها إليه مجلس النواب، في وقت كان من المستبعد قبل الجلسة أن تتم إدانة ترامب، في مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه حزبه الجمهوري بـ53 مقعداً من أصل 100مقعد.
وينص النظام الداخلي للكونغرس على إلزامية موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، أي 67 عضواً، من أجل عزل الرئيس.