سوريا تحت حكم "قيصر" اعتباراً من اليوم

مدرعة أميركية عند نقطة تفتيش شمال شرقي سوريا بجانب صورة للرئيس بشار الأسد - AFP
مدرعة أميركية عند نقطة تفتيش شمال شرقي سوريا بجانب صورة للرئيس بشار الأسد - AFP
دبي-رامي زين الدين

بدأ اليوم الأربعاء 17 يونيو العمل رسمياً بـ"قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا"، الذي أقره الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ديسمبر  العام الماضي، بموافقة ودعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

ومع دخول التشريع الذي يتضمن حزمة من العقوبات حيّز التنفيذ، تدخل الضغوط الأميركية مرحلة جديدة ستشهد وفق التوقعات تضييق الخناق الاقتصادي على الحكومة السورية.

ويهدف القانون، بحسب ما أعلن مشرّعوه في الولايات المتحدة، إلى حرمان الرئيس السوري من أي فرصة لتحويل النصر العسكري الذي حققه على الأرض خلال السنوات الأخيرة إلى رأسمال سياسي قد يساهم في تكريس وتعزيز فرص بقائه في السطلة إلى أجل غير مسمى.

ولم تعد واشنطن تصرّ على ضرورة رحيل الأسد عن السلطة، ولكنها تسعى من خلال التشريعات الصارمة التي يتضمنها قانون "قيصر" إلى زيادة العزلة المالية والاقتصادية والسياسية التي تعاني منها أساساً الحكومة السورية، وكذلك محاصرة ومعاقبة حلفاء الأسد، بغية إجباره على القبول بالحل السياسي للأزمة السورية على أساس قرار مجلس الأمن 2254.

المستهدفون من التشريع الأميركي

ويطال "قانون قيصر" الجهات الدولية والإقليمية كافة، التي تتعاون مع الحكومة السورية بشكل مباشر و غير مباشر، أو تساهم في حملاتها العسكرية، وهو ما يحرمها إمكان الالتفاف على العقوبات التي تستهدف أيضاً أي تعامل مع إيران أو الأطراف والجهات الإقليمية والدولية في حال فكرت في الاستثمار أو العمل في سوريا.

ويطال التشريع أيضاً العديد من الأفراد لأسباب تتعلق بدعم الإرهاب أو الفساد أو انتهاكات حقوق الإنسان أو انتشار أسلحة الدمار الشامل أو غيرها من الانتهاكات.

وتشمل العقوبات 4 قطاعات رئيسة هي النفط والغاز الطبيعي، والطائرات، والبناء، والهندسة، ويشمل ذلك الدعم المباشر وغير المباشر للنظام، مثل دعم المجموعات المسلحة المدعومة من إيران وروسيا العاملة في سوريا.

إضافة إلى ذلك، ينص القانون على مطالبة الإدارة الأميركية بتحديد ما إذا كان "المصرف المركزي السوري" هو كيان من النوع الذي يشكل "مصدر قلق رئيسي بشأن غسل الأموال"، ووفق ذلك يخضع "المركزي" لعقوبات أميركية ومن الاتحاد الأوروبي أيضاً.

أطفال سوريون يلهون في أحد مخيمات اللجوء بريف إدلب شمال غرب البلاد - AFP
أطفال سوريون يلهون في أحد مخيمات اللجوء بريف إدلب شمال غربي البلاد - AFP

حقوقي سوري: "القانون" خطوة أولى لتحقيق العدالة

وفي حديث لـ"الشرق" اعتبر المحامي محمد صبرة كبير المفاوضين الأسبق في "هيئة المفاوضات" التابعة للمعارضة السورية، أن دخول قانون "قيصر" حيّز التنفيذ هو خطوة أولى وصغيرة جداً على طريق تحقيق الحماية الدولية للمدنيين السوريين.

وأضاف صبرة أن "الشعب السوري طالب منذ بداية الثورة في آذار (مارس) عام 2011، بفرض الحماية الدولية على المدنيين، وطالبنا منذ البداية بتطبيق مبدأ المسؤولية عن الحماية الذي أقرته الأمم المتحدة عام 2005، وللأسف تخاذل العالم الحر في نصرة السوريين بشكل فعال".

امرأة تشاهد صوراً مروعة التقطها
امرأة تشاهد صوراً مروعة التقطها "قيصر" في سوريا وعرضت في مقرر الأمم المتحدة بنيويورك - REUTERS

وتابع المعارض والحقوقي السوري أن "العقوبات الواردة في قانون قيصر تركز على القطاعات التي توفر الموارد اللازمة للحكومة لتشغيل آلتها الحربية، وحرمانها من الإمكانات المالية التي تسمح لها بالاستمرار في تجنيد المقاتلين، وأيضاً فرض العقوبات على أي جهة تحاول تقديم الدعم  للقوات الروسية أو الإيرانية أو الميليشيات التابعة لأي منهما، وهو ما سيكون له كبير الأثر".

وأشار إلى أن القانون "سيؤدي إلى الضغط على النظام وروسيا وإيران، تمهيداً لفتح الباب أمام تطبيق القرار 2254، باعتباره الطريق الوحيد لعودة سوريا الدولة إلى المجتمع الدولي"، وفق تعبيره.

انهيار الليرة أول المؤشرات

شهدت العملة السورية الرسمية في الآونة الأخيرة تدهوراً متسارعاً، إذ وصل سعر صرف الدولار الأميركي قبل يوم واحد من دخول قانون "قيصر" حيّز التنفيذ قرابة 3 آلاف ليرة سورية.

وقبل أيام، أكد المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري أن "روسيا وإيران لن تعودا قادرتين على تعويم النظام السوري"، وفق تعبيره، مضيفاً أن الإجراءات والعقوبات الأميركية ساهمت في "تدهور" قيمة العملة السورية مقابل الدولار.

ويوضح الدكتور أسامة القاضي، رئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، أن الانهيار الذي تعيشه الليرة لا يرتبط بقانون قيصر لأنه لم يكن مطبقاً، إنما يعود إلى "سوء إدارة الحكومة واستصدارها أوامر إدارية ومراسيم تشريعية، لمنع تداول عملات أخرى وإغلاق محلات الصرافة والسوق السوداء، في حين لا يمكن للمصرف المركزي تأمين حاجة السوق من النقد الأجنبي"، وفق قوله.

وفي حديث لـ"الشرق" قال القاضي إن "تلك السياسات انعكست سلباً على النشاط الاقتصادي وحرمت سوريا ما يزيد على مليار دولار من تحويلات المغتربين السوريين، ويضاف إلى ذلك الصراع بين رامي مخلوف والحكومة، الذي عطّل العديد من القطاعات الاقتصادية لأن رجال الأعمال المحيطين بمخلوف جمّدوا أنشطتهم وحاولوا الفرار بأموالهم خشية أن يطالهم التضييق، فضلاً عن الضغط الذي يتعرّض له لبنان بوصفه الحديقة الخلفية للاقتصاد السوري".

أوراق نقدية سورية من فئة الألفي ليرة عليها صورة الأسد وتساوي أقل من دولار واحد - REUTERS
أوراق نقدية سورية من فئة الألفي ليرة عليها صورة الأسد - REUTERS

ويرى القاضي أن "دخول القانون حيّز التنفيذ سيضيّق الخناق على المصرف المركزي السوري، في حال تصنيفه كداعم لعمليات غسل الأموال، وإذا ما حدث ذلك، فأي تحويلات أو معاملات مالية مع أي بنك خاص داخل البلاد أو خارجها، يجب أن تطلع عليها وزارة الخزانة الأميركية، وسيكون على البنوك الالتزام بدرجات عالية من الشفافية، وإلا فستخسر تصنيفها الائتماني من ناحية، وستعرّض موجوداتها وأصولها في سوريا وأي مكان في العالم، لخطر التجميد ومنع الأنشطة من ناحية أخرى".

لا يعد تشريع "قيصر" قانون عقوبات شاملاً كما كان في العراق أو كوبا، إنما هو، كما يقول القاضي، قانون أميركي خاص بشخصيات محددة، يعفي كل ما يتعلق بالإغاثة والطبابة ومستلزمات الحياة. وأضاف أن "قوة القانون تكمن في منعه أي دولة من مشاركة النظام وروسيا وإيران في أي مشاريع لإعادة الإعمار ما لم تُطبق النقاط الـ7 الرئيسية التي يتضمنها قانون قيصر".

هل يمكن تعليق العمل بالقانون؟

على الرغم مما ينطوي عليه تشريع "قيصر" من تطبيق صارم للعقوبات، إلا أنه يمكن تعليقه وفق اشتراطات محددة، وذلك في حال توقفت الحكومة  السورية وروسيا عن استخدام المجال الجوي لاستهداف السكان المدنيين والمنشآت الطبية والحيوية والمدارس بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية والتقليدية بما في ذلك الصواريخ والقنابل.

كما يمكن إيقاف العقوبات إذا قامت الحكومة وحلفاؤها برفع الحصار عن المناطق السكنية والمدنيين، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية بانتظام، والسماح بالعودة الآمنة والطوعية للاجئين السوريين أو الملاحقين أمنياً، وضمان حرية السفر والرعاية الطبية للمدنيين في مناطق الحصار، وكذلك إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، والسماح للمنظمات الدولية بالدخول إلى السجون، واتخاذ خطوات جادة في محاسبة مرتكبي جرائم الحرب، وتحقيق العدالة للضحايا.

معارضة سورية: الانتخابات الأميركية ستحدد مصير الأسد

بعد دخول قانون "قيصر" حيّز التنفيذ، أعاد البعض السؤال عن موقف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه الحكومة السورية، لاسيما أن وزير الخارجية مايك بومبيو أكد أن "واشنطن لا تسعى لتغيير النظام بل إلى تغيير سلوكه".

لكن في قراءة لما بين السطور، ترى مرح البقاعي رئيسة "الحزب الجمهوري السوري" الذي تأسس عام 2012، أن "تغيير سلوك النظام في منظومة هرمية مستبدّة كنظام الأسد يعني بالعرف الدبلوماسي تغيير النظام نفسه"، غير أن رأس الدبلوماسية في واشنطن، وزير الخارجية مايك بومبيو، وفق قولها، "لا يمكنه من موقعه أن يتحدث عن إسقاط نظام في دولة أجنبية وبشكل مباشر".

رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني يلتقي رئيس البرلمان السوري حمودة صباغ في دمشق - REUTERS
رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني يلتقي رئيس البرلمان السوري حمودة صباغ في دمشق - REUTERS

بين تصريحات الأميركيين وما تحمله من تفسيرات حمّالة أوجه، يبدو موقف واشنطن من الأسد غامضاً وملتبساً، غير أن البقاعي وهي عضو في الحزب الجمهوري الأميركي منذ عام 2000، أعربت في تصريحات لـ"الشرق" عن اعتقادها أن "الالتباس ليس في مجريات الأمور وطريقة تعاطي إدارة ترامب مع الملف السوري، بل في الإرث الذي وصل إليها من إدارة أوباما الديمقراطية، وما تسببت به من خلط للأوراق وتنافس القوى والأطراف الإقليمية على النفوذ، وتقاسم الوطن السوري الجريح"، على حدّ تعبيرها، لافتة إلى أن "إدارة أوباما عطّلت مشاريع عديدة لحماية المدنيين السوريين، أحدها أطلقه عدد من السياسيين" من بينهم البقاعي في واشنطن عام 2013. 

وبينما تُقبل الولايات المتحدة على استحقاق رئاسي سيتحدد بناء على نتائجه بقاء ترامب في البيت الأبيض، تنتشر بعض المخاوف من إحداث تغيّر في السياسة الخارجية لواشنطن، وبالتالي موقف مختلف من الحكومة السورية.

وعن هذا الشأن تقول البقاعي في حديثها لـ"الشرق" إنه في حال فاز الديمقراطي جو بايدن بالرئاسة الأميركية، فإن "نظام الأسد سيشهد انفراجاً كبيراً مترافقاً مع انفراجات ستحدث في العلاقات الأميركية مع طهران، خاصة أن بايدن كان نائباً للرئيس باراك أوباما على امتداد 8 سنوات".

وأضافت أن "إدارة أوباما هي من أبرمت الاتفاق النووي مع طهران عام 2015، الأمر الذي أدى إلى رفع الضغوط بشكل كبير عن إيران، وأمّن لها موارد مالية من أصولها المجمّدة، لتحظى في المحصلة بمكاسب عديدة، من بينها القدرة على دعم الحليف الأهم في دمشق". 

بالتالي، تربط البقاعي مسألة مصير الأسد بساكن البيت الأبيض المقبل في عام 2021، وكما تقول لـ"الشرق" هي "سنة انتخابية أيضاً للرئاسة في سوريا، حيث من المنتظر أن يدلي ما يقارب 7 ملايين لاجئ ومهجّر سوري بأصواتهم".

من هو "قيصر"؟

في كل إطلالاته الإعلامية، يظهر السوري "قيصر"، المنشق عن أجهزة الأمن السورية منذ 7 سنوات، مرتدياً الزيّ ذاته، بدلة زرقاء اللون، تشبه ما يرتديه الغواصون، ويغطي وجهه بقناع يخفي هويته. وعلى رغم مرور 7 سنوات على مغادرته سوريا، لا تزال المعلومات المتعلقة بـ"قيصر" شحيحة جداً، في محاولة للحفاظ على سلامته من أي تهديد محتمل.

قبل بدء الاحتجاجات في سوريا عام 2011، كان "قيصر" جزءاً من وحدة تصوير تتبع الشرطة العسكرية في دمشق. وكان عمله ينصب على تصوير حوادث السيارات والحرائق وما يتعلق بوزارة الدفاع.

جلسة للكونغرس الأميركي عام 2014 بحضور
جلسة للكونغرس الأميركي في عام 2014 بحضور "قيصر" وتبدو صورة لأحد ضحايا التعذيب - REUTERS

استمر المصور في الأمن العسكري بممارسة عمله طوال عشر سنوات، لكن بعد انطلاق الاحتجاجات المناهضة للحكومة في مارس 2011، طلب منه رؤساؤه الأمنيون التقاط صور لضحايا التعذيب في السجون العسكرية، بغرض التوثيق.

واصل "قيصر" التقاط الصور وتخزينها، منتظراً الوقت المناسب للمغادرة، وقال في مقابلة مع قناة أميركية: "كان القرار عصيباً. ما فعلته كان يمكن أن يجعلني وأفراد أسرتي، في قائمة الضحايا الذين كنت ألتقط صورهم".

حسم المصور العسكري أمره، وقام بنقل كل الصور على ذاكرة تخزين أودعها في جوربه، ليخرج من سوريا في أغسطس 2013 بمساعدة وتنسيق فصائل معارضة وأجهزة استخبارات غربية، في عملية اعتُبرت "معقدة ومحفوفة بالمخاطر".

وفي عام 2014 وصل "قيصر" إلى واشنطن وبحوزته 55 ألف صورة، أظهرت تحقيقات مكتب التحقيقات الفيديرالي (FBI) أنها تعود إلى 11 ألف شخص قضوا نحبهم تحت التعذيب في معتقلات الحكومة السورية.

تنفّس "قيصر" الصعداء في 18 ديسمبر 2019، إذ أثمرت جهوده في إقرار مجلس الشيوخ الأميركي تشريعاً يفرض عقوبات جديدة على سوريا وحلفائها. 17 يونيو 2020 كان يوماً تاريخياً لقيصر مع دخول القانون حيّز التنفيذ، معلناً مرحلة جديدة في تضييق الخناق على الحكومة السورية.