"قره باغ".. أردوغان يخترق الخط الأحمر ويختبر صبر بوتين

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين - REUTERS
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين - REUTERS
دبي - دينا فياض

في جميع مواجهاته للقوى العالمية على الأراضي التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي، ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حازماً، على غرار الأزمة في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، وصولاً إلى بيلاروسيا، إلا أن لاعباً دولياً جديداً بدأ في اختبار الحزم الروسي في إقليم ناجورنو قره باغ.

أنقرة التي تختلف مع موسكو  بشأن الأزمتين الليبية والسورية، تندفع بقوة في الصراع المسلح الدائر حالياً على إقليم ناجورنو قره باغ، بين أذربيجان وأرمينيا، الأراضي السابقة للاتحاد السوفياتي، لـ"تختبر صبر بوتين داخل  مناطق نفوذه"، حسبما وصفت بلومبرغ في تقريرها، الاثنين. 

ورفضت روسيا خلال السنوات الماضية أي تدخل من القوى العالمية والإقليمية في الشؤون الأمنية لدول منطقة القوقاز، الأراضي السابقة للاتحاد السوفيتي، سواء الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو الصين، ويأتي التدخل التركي ليصعّد العلاقات التركية الروسية.

أردوغان والخط الأحمر

ونقلت وكالة بلومبرغ الأميركية عن مستشار الكرملين ألكسندر دينكين، وهو رئيس معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، قوله إن "أردوغان يختبر صبر بوتين، إنه يزعج بوتين أكثر فأكثر"، مضيفاً أنه "إذا ثبتت المشاركة المباشرة للجيش التركي أو المسلحين من سوريا، فهذا اختراق للخط الأحمر، هذه ليست التعددية القطبية التي أرادها بوتين". 

وعلى الرغم من التصورات الغربية بأن تركيا تخلت عن الحليف الغربي (الولايات المتحدة وحلفاء آخرين في حلف شمال الأطلسي)، من أجل شراكة مع موسكو، إلا أن العلاقات التركية الروسية تشهد ضغوطاً على مختلف الأصعدة، حتى قبل اندلاع النزاع في إقليم ناجورنو قره باغ، في 27 سبتمبر المنصرم. 

توترات متصاعدة

وإذا كان لروسيا وتركيا دعم عسكري من مقاتلين ومستشارين عسكريين، على محاور نزاع متناقضة، إلا أن الحديث عن دعم تركي لأذربيجان بمقاتلين سوريين جاء ليصعّد حدة التوترات بين البلدين، وفقاً لبلومبرغ.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أكد أنه يملك معلومات "مؤكدة" بأن مقاتلين سوريين من جماعات وصفها بـ"المتشددة"، "غادروا، عبر مدينة غازي عنتاب (التركية)، للانضمام إلى النزاع المسلح في إقليم ناجورنو قره باغ".

الكرملين عبر أيضاً عن قلقه من نشر مقاتلين أجانب في صراع "قره باغ"، وقال إن "مجلس الأمن الروسي يعتبر أي نشر لمقاتلين من سوريا وليبيا في منطقة الصراع بين أرمينيا وأذربيجان تطوراً خطراً للغاية".

ولم يكن التصعيد على الصعيد السياسي فحسب، إذ ترى روسيا أن تركيا تضغط على الوتر الاقتصادي، بعدما خفضت استيرادها للغاز الطبيعي الروسي بنسبة 28% مقارنة بعام 2019، بينما زادت وارداتها من الغاز من أذربيجان بنسبة 22%، كما أن تركيا وأذربيجان افتتحتا في 30 نوفمبر  2019 خط أنابيب لمد الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر تركيا (امتداد لممر الغاز الجنوبي)، وهو ما سيسمح للغاز الأذربيجاني بمنافسة الغاز الروسي، للحصول على حصة سوقية في أوروبا.

مجموعة مينسك 

وفي حديثه أمام البرلمان التركي في الأول من أكتوبر الجاري، ندد الرئيس التركي طيب رجب أردوغان بدعوة بوتين لوقف فوري لإطلاق النار في أذربيجان، والتي أدلى بها الرئيس الروسي في بيان مشترك مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في إطار مجموعة "مينسك".

وترأس فرنسا وروسيا والولايات المتحدة بشكل مشترك مجموعة "مينسك" التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وهي مجموعة تأسست في عام 1992، للتوسط في حل سلمي للصراع على إقليم ناجورنو قره باغ.

وقال أردوغان في خطابه إن مجموعة "مينسك لم تعد تؤدي الغرض"، وربط تجدد القتال الأخير بروسيا، قائلاً إنه "جزء من أزمة أوسع، بدأت مع احتلال شبه جزيرة القرم في عام 2014"، التي ضمتها موسكو إلى أراضيها خلال الأزمة الأوكرانية.

وتعترف الأمم المتحدة بشكل أساسي بالإقليم وسبع مقاطعات حوله، على أنها أراضٍ أذربيجانية محتلة، وفقاً لما أكده متخصص في شؤون القوقاز مقيم في المملكة المتحدة، توماس دي وال، لبلومبرغ، وهي ما تمثل 13.6% من أراضي أذربيجان.

حرب دينية

وتتهم روسيا وفرنسا تركيا بإرسال متشددين إلى الصراع على ناجورنو قره باغ، وتعتبران الخطوة التركية بمثابة إعلان حرب دينية، بين أذربيجان ذات الغالبية المسلمة، وأرمينيا ذات الغالبية المسيحية.

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، السبت، إن 36 مقاتلاً سورياً قتلوا في نزاع الإقليم خلال الـ 48 ساعة الأخيرة، مؤكداً أن تركيا أرسلت 1200 مقاتل سوري إلى أذربيجان حتى الآن، أغلبهم من التركمان.

ونقلت بلومبرغ عن مسؤول كبير في أنقرة أن "تركيا ترى نفسها تقف بمفردها أمام الضغط الروسي في المنطقة، بعد تجاهلها الحلف مع دول شمال الأطلسي". 

سنان أولجن، الباحث في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، في أوروبا، أكد لبلومبرغ أن "قادة تركيا، لم تكن لديهم أي أوهام بشأن علاقتهم مع روسيا، والتي كانت تجارية في الأساس، وتركوا البلاد مكشوفة من خلال عزل حلفاء الناتو، في وقت تحتاج أنقرة إلى مزيد من الدعم".  وأضاف أن "هدف أردوغان في أذربيجان هو تهميش مجموعة مينسك، وشق طريقه إلى طاولة مفاوضات جديدة، حيث سيتم التوصل إلى تسوية نهائية لنزاع ناجورنو قره باغ". 

وذكر أولجن، بحسب بلومبرغ، أن "تركيا في وضع هش، بسبب تآكل الثقة بينها وبين الحلفاء التقليديين، إذ لعب قرار أردوغان بتسلم أنظمة الدفاع الجوي الروسية إس-400 دوراً في ذلك".

وأعلنت تركيا، العضو في حلف الناتو، خلال عام 2019، أنها بدأت في استلام أولى وحدات نظام الدفاع الصاروخي الروسي إس-400، رغم الاعتراض الذي أبداه حلفاء تركيا في واشنطن والناتو.

اللاعب المهيمن

وتكمن المشكلة بالنسبة لروسيا في أنه على عكس ما يسمى بالنزاعات المجمدة الأخرى في الفضاء السوفياتي السابق، لا تملك موسكو قوات في الإقليم، للسيطرة على الوضع، وخلافاً لتركيا، تحاول الحفاظ على علاقة مع كلا الجانبين، وفقاً لما قاله دي وال، صاحب كتاب "الحديقة السوداء" عن إقليم ناجورنو قره باغ.

وأشار دي وال إلى أن استراتيجية تركيا في الإقليم "تشبه تلك التي استخدمتها في سوريا وليبيا وشرق المتوسط، لزيادة نفوذ أنقرة". 

أما المحلل السياسي الروسي أركادي دوبنوف، فقال لبلومبرغ إن "روسيا ربما تتراجع بدعمها لأرمينيا في الصراع الدائر في الإقليم، من أجل أن تلقن الحكومة الإصلاحية في أرمينيا درساً، بأن السياسات المعادية لروسيا يمكن أن تؤدي إلى توقف كامل للدعم"، ذلك أن حكومة نيكول باشينيان حلت محل قيادة كانت أكثر موالاة للكرملين في عام 2018.

وأضاف دوبنوف، "في الوقت الحالي، يستطيع الطرفان (موسكو وأنقرة) تحديد مناطقهما، لكن على أردوغان أن يحرص على عدم تجاوز الحدود، يجب ألا ينسى أن روسيا تعتبر نفسها اللاعب المهيمن في المنطقة". 

ويبدو أن موسكو انزعجت من التوجه الأرميني نحو الغرب، منذ تسلم نيكول باشينيان رئاسة الحكومة الإصلاحية في البلاد، وعقده اتفاقيات ومحادثات مع أوروبا، منها اتفاقية تحرير التأشيرات.

ولم يهنّئ الكرملين باشينيان بفوز حزبه البرلماني في ديسمبر عام 2018، لكنه مع ذلك اتصل هاتفياً بالرئيس الأرميني السابق، روبرت كوتشاريان في عيد ميلاده، الذي كان يقبع في السجن بتهم مختلفة.