هل تزيح الصين الولايات المتحدة عن عرش أكبر اقتصاد في العالم؟

الرئيس الصيني شي جين بينغ في خطاب بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، بكين، 1 يوليو 2021 - REUTERS
الرئيس الصيني شي جين بينغ في خطاب بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، بكين، 1 يوليو 2021 - REUTERS
دبي -بلومبرغ

ثمة تساؤل يُطرح، وهو: متى تتفوق الصين على الولايات المتحدة لتصبح أكبر اقتصاد في العالم؟ بهذا التساؤل افتتح إيريك زو وتوم أورليك تحليلهما الذي نُشر على موقع "بلومبرغ"، والذي تناول إمكانية أن تتربع الصين على عرش أكبر اقتصاد في العالم. 

وتابع المقال أن هناك القليل من الأسئلة اللاحقة، سواء كانت للمديرين التنفيذيين الذين يتساءلون من أين ستأتي الأرباح طويلة الأجل، أو المستثمرين الذين يُقيّمون مكانة الدولار كعملة احتياطية عالمية، أو الجنرالات الذين يضعون استراتيجيات بشأن نقاط التوتر الجيوسياسية.

وفي بكين حيث كانوا يحتفلون لتوّهم بالذكرى المئوية للحزب الشيوعي الصيني، يبذل القادة قصارى جهدهم لتقديم التغيير على أنه وشيك وحتمي. وقال الرئيس شي جين بينغ الأسبوع الماضي إن "الأمة الصينية تمضي نحو تجديد كبير لحيويتها بوتيرة لا يمكن وقفها".
 
وفي وقت مبكر من أزمة كورونا (كوفيد 19)، عندما تمكنت الصين من السيطرة على التفشي، والحفاظ على النمو حتى في الوقت الذي عانت فيه الولايات المتحدة من مئات الآلاف من الوفيات والكساد الشديد، كان الكثيرون يميلون إلى الاتفاق مع هذا الرأي. لكن في الآونة الأخيرة، أظهر التعافي الأميركي السريع بشكل غير متوقع قدر الشك الذي لا يزال يكتنف توقيت التغيير الذي تصبو إليه بكين، وما إذا كان سيحدث على الإطلاق.

وإذا حقق الرئيس شي إصلاحات لتعزيز النمو، ولم يتمكن نظيره الأميركي جو بايدن من المضيّ قدماً في مقترحاته لتجديد البنية التحتية وتوسيع حجم القوى العاملة، فإن توقعات "بلومبرغ إيكونوميكس" تشير إلى أن الصين يمكن أن تنتزع القمة، التي احتفظت بها الولايات المتحدة طيلة أكثر من قرن، في وقت قريب ربما عام 2031.

لكن ضمان هذه النتيجة لا يزال أمراً بعيد المنال. فأجندة الإصلاح في الصين تتضاءل بالفعل، والتعريفات الجمركية والقيود التجارية الأخرى تعرقل الوصول إلى الأسواق العالمية والتقنيات المتقدمة، وحزم التحفيز الاقتصادي المرتبطة بكوفيد-19 رفعت الديون إلى مستويات قياسية.

والسيناريو المزعج بالنسبة للرئيس الصيني هو أن بلاده يمكن أن تتبع نفس المسار الذي اتبعته اليابان، التي وصفت أيضاً بأنها منافس محتمل للولايات المتحدة قبل أن يتبدد ذلك قبل ثلاثة عقود. والجمع بين فشل الإصلاح والعزلة الدولية والأزمة المالية، يمكن أن يوقف الصين قبل أن تصل إلى القمة، وفقاً للمقال. 

وهناك احتمال آخر يروق للمتشككين، وهو إذا تم تضخيم بيانات الناتج المحلي الإجمالي الرسمية للصين، فقد تكون الفجوة بين أكبر وثاني أكبر اقتصادات في العالم أكبر مما تبدو عليه، ومن ثم تُغلق بوتيرة أبطأ.

وفي هذا التقرير يضيف الكاتبان، نشير إلى المستوى الدولاري الرمزي للناتج المحلي الإجمالي، ويُنظر إليه على نطاق واسع على أنه أفضل مقياس للقوة الاقتصادية. وفي ما يتعلق بمقياس تعادل القوة الشرائية البديل -الذي يأخذ في الاعتبار الاختلافات في تكلفة المعيشة وغالباً ما يستخدم لقياس جودة الحياة- احتلت الصين بالفعل المرتبة الأولى.

وعلى المدى الطويل، تحدد ثلاثة عوامل معدل نمو الاقتصاد. الأول هو حجم القوى العاملة، والثاني هو مخزون رأس المال، وهو كل شيء من المصانع إلى البنية التحتية للنقل إلى شبكات الاتصالات. وأخيراً، هناك الإنتاجية، أو مدى فاعلية الجمع بين هذين العنصرين الأولين. وفي كل من هذه المجالات، تواجه الصين مستقبلاً غير مؤكد.

البداية بالقوى العاملة، فزيادة العمال تعني المزيد من النمو، وعمال أقل يعني نمو أقل. وهنا يكمن التحدي الأول للصين. الخصوبة المنخفضة وهي الإرث الذي خلفته سياسة الطفل الواحد، تعني أن السكان في سن العمل في الصين قد بلغوا ذروتهم بالفعل. وإذا ظلت الخصوبة منخفضة، فمن المتوقع أن يتقلص عدد السكان بأكثر من 260 مليوناً خلال العقود الثلاثة المقبلة، أي بانخفاض قدره 28%.

اقرأ أيضاً: 

إدراكاً منها للمخاطر، غيرت الصين مسارها. وخففت الضوابط المفروضة على الإنجاب. وفي عام 2016، رُفع الحد الأقصى لطفلين. وهذا العام، أعلنت الحكومة السماح بإنجاب ثلاثة أطفال. وفي الوقت نفسه، فإن خطط زيادة سن التقاعد يمكن أن تبقي العمال الأكبر سناً في وظائفهم لفترة أطول.

وحتى لو نجحت الإصلاحات، فسيكون من الصعب على الصين تعويض تأثير التباطؤ الديموغرافي. وقد لا ينجحوا. والقواعد ليست الشيء الوحيد الذي يمنع العائلات من إنجاب المزيد من الأطفال، فهناك أيضاً التكلفة العالية لأمور مثل الإسكان والتعليم. 

في هذا السياق، كتب أحد مستخدمي الإنترنت رداً على الأخبار المتعلقة بإنجاب ثلاثة أطفال: "السبب في أنني لم أشتر ثلاث سيارات رولز رويس، ليس لأن الحكومة لم تسمح لي بذلك".

الصورة ليست قاتمة تماماً من ناحية آفاق الإنفاق الرأسمالي؛ فلا أحد يتوقع أن يتقلص عدد خطوط السكك الحديدية أو روبوتات المصانع أو أبراج الجيل الخامس. ولكن بعد سنوات من النمو السريع في الاستثمار، هناك الكثير من المؤشرات إلى أنه يجلب الآن عوائد متناقصة. وتتضح هذه المشكلة من خلال القدرة المفرطة في قطاع التصنيع، والمدن المهجورة التي تتكون من مبانٍ خالية، والطرق السريعة ذات الحارات الست التي تتسلل داخل الأراضي الزراعية ذات الكثافة السكانية المنخفضة.

اقرأ أيضاً: 

ومع إمكانية تراجع القوى العاملة، والمبالغة في الإنفاق الرأسمالي بالفعل، فإن الإنتاجية هي التي تحمل مفتاح النمو المستقبلي للصين. ويعتقد معظم الاقتصاديين الغربيين أن تعزيزها يتطلب إجراءات مثل إلغاء "نظام هوكو" (الذي يربط العمال بمكان ميلادهم)، وتكافؤ الفرص بين الشركات العملاقة المملوكة للدولة ورجال الأعمال الأذكياء، وتقليل الحواجز أمام المشاركة الأجنبية في الاقتصاد والنظام المالي.

والمخططون الصناعيون في بكين لديهم مخططهم الخاص، ولدى الصين سجل حافل من الإصلاحات الناجحة لتعزيز النمو. ونظراً لأن كفاءة الصين تبلغ نحو 50% فقط من كفاءة الولايات المتحدة في كيفية الجمع بين العمالة ورأس المال، فلا يزال هناك مجال كبير للتحسين.

وبحلول عام 2050، تتوقع "بلومبرغ إيكونوميكس" أن إنتاجية الصين ستصل إلى 70% من مستوى الولايات المتحدة، ما يضعها ضمن المعدل النموذجي للبلدان ذات مستوى التنمية المماثل.

هل ستكون الصين قادرة على الوفاء بالوعد، بتعزيز النمو من دون المزيد من العمال والاستثمار اللامتناهي، ولكن بعمال أكثر ذكاءً وتقنيات أكثر تقدماً؟ للأسف بالنسبة لبكين، وعلى النقيض من الاحتفالات المصممة بعناية للاحتفال بالذكرى المئوية للحزب الشيوعي، ليست كل محددات النمو المستقبلي تحت سيطرتهم.

ويبدو أن العلاقات العالمية بدأت في التدهور، إذ أظهر استطلاع حديث أجرته مؤسسة "بيو"، أن 76% من الأميركيين لديهم آراء غير إيجابية بشأن الصين، وهو رقم قياسي. فلعبة إلقاء اللائمة بشأن أصول كوفيد-19، والمخاوف المتزايدة بشأن حقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ، وقانون الأمن القومي المتشدد في هونغ كونغ، كل ذلك ساعد على زيادة قتامة النظرة العالمية لصعود الصين.

وإذا استمرت العلاقات مع الولايات المتحدة وحلفائها في التدهور، فإن تدفق الأفكار والابتكارات عبر الحدود التي ساهمت كثيراً في تسريع نهوض الصين ستبدأ في النضوب. وبكين تشهد بالفعل لمحة خاطفة، لما قد يبدو عليه الأمر؛ إذ تتراجع أوروبا عن اتفاقية استثمار كبيرة، والهند تغلق الباب أمام التكنولوجيا الصينية.

ووجدت عملية مفصلة أجراها اقتصاديون في صندوق النقد الدولي أنه في سيناريو يصور حالة قصوى، حيث تقسم الصين والولايات المتحدة العالم إلى مناطق نفوذ منفصلة، يمكن أن يتعرض الناتج المحلي الإجمالي للصين لعام 2030 لضربة تبلغ 8%، مقارنة بالسيناريو الأساسي الذي تظل فيه العلاقات مستقرة.  

ويمكن أن يؤدي الجمع بين الإصلاحات المحلية المتوقفة والعزلة الدولية إلى سيناريو يصور حالة قصوى آخر، وهو حدوث أزمة مالية.

منذ عام 2008، ارتفعت نسبة الائتمان إلى الناتج المحلي الإجمالي في الصين من 140% إلى 290%، وساهمت حزمة التحفيز المرتبطة بكوفيد-19 في هذا الارتفاع الأخير. وفي بلدان أخرى، تشكل مثل هذه الزيادة السريعة في الاقتراض إيذاناً بمشكلات في المستقبل.

وبالاعتماد على دراسة "كارمن راينهارت وكينيث روغوف" للأزمات المالية، تقدر "بلومبرغ إيكونوميكس" أن انهياراً على غرار بنك "ليمان"، يمكن أن يدفع الصين إلى كساد عميق يعقبه عقد ضائع يشهد نمواً يقترب من الصفر.

هناك أيضاً شكوك واسعة النطاق بشأن مصداقية أرقام النمو الرسمية في الصين. ولقد أقر قادة البلاد بالمشكلة. وقال رئيس مجلس الدولة الصيني الحالي لي كه تشيانغ عندما كان رئيساً لمقاطعة لياونينغ، إن بيانات الناتج المحلي الإجمالي "من صنع إنسان". وللحصول على قراءة أكثر موثوقية، فضّل لي النظر إلى الأرقام الخاصة بأمور مثل إنتاج الكهرباء وشحن السكك الحديدية والقروض المصرفية.

وأشارت دراسة أجراها خبراء اقتصاديون في جامعة هونغ كونغ الصينية وجامعة شيكاغو إلى أنه بين عامي 2010 و2016، كان نمو الناتج المحلي الإجمالي "الحقيقي" للصين أقل بنحو 1.8 نقطة مئوية مما ذكرته البيانات الرسمية. وإذا كانت الصين تمضي بالفعل على مسار نمو أبطأ، فإن تجاوز الولايات المتحدة يصبح أكثر صعوبة.

ليس في عهد بايدن

قال الرئيس الأميركي جو بايدن، عندما سئل عن طموح الصين لاحتلال الصدارة العالمية: "لن يحدث هذا في وجودي.. لأن الولايات المتحدة ستستمر في النمو".

بالنسبة للولايات المتحدة، كما هو الحال بالنسبة للصين، يكمن المسار إلى نمو أسرع في توسيع القوى العاملة، ورفع مستوى رأس المال والابتكار في التكنولوجيا. وتمثل خطط البنية التحتية والخطط الأسرية لبايدن مدفوعات مقدمة بقيمة تريليون دولار عند القيام بذلك بالضبط. ومن خلال رفع النمو الأميركي إلى مسار أسرع، يمكن أن يؤخر ذلك صعود الصين.

ومن خلال جمع كل هذه الخيوط معاً، وضعت "بلومبرغ إيكونوميكس" سيناريوهات لنتائج السباق الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين.

وإذا سار كل شيء على ما يرام بالنسبة للصين، من الإصلاحات المحلية إلى العلاقات الدولية، فيمكن أن تبدأ العقد القادم متكافئة بدرجة كبيرة مع الولايات المتحدة، ثم تسارع في البُعد.

ومن مصلحة شي أن يرى العالم ذلك على أنه المسار الحتمي. وإذا كان القادة السياسيون والمديرون التنفيذيون ومديرو الاستثمار مقتنعين بأن الصين مستعدة للتفوق، فإن لديهم حافزاً قوياً للانضمام إلى الركب، لتتحول نبوءة بكين للنجاح إلى نبوءة تحقق ذاتها.

كما أن شي لديه منطق التنمية في صالحه. ويبلغ عدد سكان الصين 1.4 مليار نسمة، وهو أكبر بأربعة أضعاف من الولايات المتحدة، إلا أن نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي يقل حالياً بنسبة 20% عن المستوى في الولايات المتحدة، وسيتعين فقط على الصين التقارب أكثر قليلاً حتى تحصل على المركز الأول. إن نجاح الصين في التنمية في الماضي، وكذلك نجاح جيرانها الآسيويين، اليابان وكوريا الجنوبية، يشير إلى أن هذا لا يفترض أن يكون بالأمر المستحيل.

ولكن كما يظهر من التاريخ المتقلب خلال المئة عام الأخيرة في الصين، فإن التنمية ليست مقدرة سلفاً. وفي ذكرى مرور 100 عام، يكون التركيز -بشكل مفهوم- على النجاحات التي تحققت في الأربعين سنة الماضية. وفي العقود السابقة، كان سجل الحزب في تحقيق النمو -على أقل تقدير- أقل إثارة للإعجاب. وبينما يتخلص شي من قيود حدود الولاية، ويستعد لولاية ثالثة كرئيس، يخشى البعض عودة أوجه القصور القيادية التي عصفت بالفترة السابقة من الحكم الشيوعي.

وإذا بدأت الشكوك بالتسلل، فمن الممكن أن يكون هناك مسار آخر. يمكن للإصلاحات المتعثرة، وتوتر العلاقات العالمية، وتقلص القوى العاملة، والأزمة المالية أن تبقي الصين في المرتبة الثانية إلى أجل غير مسمى.