ما لا تعرفه عن "قيصر" أشهر مسرّبي البيانات في سوريا

دبي-رامي زين الدين

في كل إطلالاته الإعلامية، يظهر السوري "قيصر"، المصوّر المنشق منذ 7 سنوات عن أجهزة الأمن السورية، مرتدياً الزيّ ذاته، بدلة زرقاء اللون، تشبه ما يرتديه الغواصون، ويغطي وجه بقناع يُخفي هويته.

شارك "قيصر" أخيراً في جلسة للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، عُقدت في الذكرى التاسعة لبدء النزاع في سوريا. وكالعادة، التقطت عدسات الكاميرا لقطات خلفية خاطفة للرجل الذي لا يعرف أحد هويته الحقيقية، وسط إجراءات أمنية مشددة.

دعا "قيصر" أعضاء الكونغرس إلى فرض تدابير صارمة ضد الحكومة السورية، نتيجة ما وصفه بـ "أعمال وحشية" ارتكبتها خلال الحرب، وزاد: "عملنا ونواصل العمل لإيصال نداءات وصراخ عشرات الآلاف ممن لا يزالون محتجزين".

ورغم مرور 7 سنوات على مغادرته سوريا، لا تزال المعلومات المتعلّقة بـ"قيصر" شحيحة جداً، في محاولة للحفاظ على سلامته من أي تهديد محتمل. 

 

 قيصر متحدثاً أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ, undefined
قيصر متحدثاً أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ - REUTERS

 

من هو قيصر؟

قبل بدء الاحتجاجات في سوريا عام 2011، كان "قيصر" جزءاً من وحدة تصوير تتبع الشرطة العسكرية في دمشق. وكان عمله ينصب على تصوير حوادث السيارات والحرائق وما يتعلّق بوزارة الدفاع.

استمر الرجل في وظيفته طوال عشر سنوات. بعد مارس 2011، انقلبت حياته رأساً على عقب، كما قال خلال لقاء صحافي، إذ طُلب منه التوجّه إلى المستشفيات العسكرية والتقاط صور لضحايا التعذيب من المعتقلين المدنيين في السجون العسكرية، بعد مفارقتهم الحياة، بغرض التوثيق الداخلي في السجلات السورية. كان وقع الصدمة هائلاً على المصوّر الشاب، ولكنه اعتاد الأمر لاحقاً، وبات تصوير الجثث عمله الوحيد آنذاك.

قرار الهروب

بحلول سبتمبر من السنة الأولى للأزمة السورية، اتخذ "قيصر" قراراً بدّل مسار حياته، إذ حزم أمره على مغادرة سوريا، وباشر التخطيط للهرب ونقل كل ما تيسّر من صور للضحايا.

بين مايو 2011 وأغسطس 2013، واصل "قيصر" التقاط الصور وتخزينها، منتظراً الوقت المناسب للمغادرة. وقال: "كان القرار عصيباً. ما فعلته كان يمكن أن يجعلني وأفراد أسرتي في قائمة الضحايا الذين كنت ألتقط صورهم".

في أغسطس 2013 حسم "قيصر" أمره وأيقن أن اللحظة التي انتظرها حانت. نقل كل الصور على ذاكرة تخزين وأودعها في جوربه، ليخرج من سوريا بمساعدة وتنسيق مع فصائل معارضة وأجهزة استخبارات غربية، في عملية اعتُبرت "معقدة ومحفوفة بأخطار"، وتشبه في تفاصيلها "تسريبات سنودن" التي فضح فيها عميل المخابرات السابق، إدوارد سنودن، تفاصيل عمليات تجسس موسعة على دول وحكومات وحتى على  الأميركيين، عبر وكالة الأمن القومي الأميركية.

 

"قيصر" عام 2014 خلال جلسة للكونغرس حول ضحايا التعذيب في سوريا - REUTERS

55 ألف صورة

قبل فراره، حرص "قيصر" على إخراج 19 شخصاً من عائلته إلى بلد مجاور، لم يسمّه، خشية تعرّضهم لانتقام. وعام 2014 غادر فرنسا إلى الولايات المتحدة للإدلاء بشهادته أمام الكونغرس.

وصل إلى واشنطن وفي حوزته أكثر من 50 ألف صورة، أظهر مكتب التحقيقات الفيديرالي الأميركي (أف بي آي) أنها لـ 11 ألف شخص تعرّضوا للتعذيب في معتقلات الحكومة السورية. منذ ذلك الوقت، بات المصوّر المنشق معروفاً باسم "قيصر".

قانون قيصر

بعد تردّد وتأجيل لمرتين، وافق "قيصر" في أكتوبر الماضي على إجراء مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأميركية، قال فيها إنه ضحّى بكل شيء لتهريب "جبال من الأدلة" إلى خارج سوريا. واستدرك أن الأيام والشهور والسنوات، وما حملته من إخفاقات في محاسبة الحكومة السورية، جعلته محبطاً وغاضباً.

تنفّس "قيصر" الصعداء في 18 ديسمبر 2019، إذ أثمرت جهوده في إقرار مجلس الشيوخ الأميركي تشريعاً يفرض عقوبات جديدة على سوريا وإيران وروسيا، مرتبطة بـ "جرائم حرب ارتُكبت في حق مدنيين". عُرف القرار باسم "مشروع قيصر"، ولكنه لم يُطبّق بعد.

الحكومة تنفي

في شهادته الأخيرة، قال "قيصر" أمام أعضاء في الكونغرس إن "القتل في سوريا ازداد لأن نظام الأسد رأى أن تقاعس المجتمع الدولي هو بمثابة ضوء أخضر لمواصلة جرائمه".

لطالما نفت الحكومة السورية صدقية ما يدّعيه "قيصر"، مستغلّة إخفاءه هويته، على عكس منشقين أعلنوا جهاراً موقفهم المناهض للحكومة؛ ولكنه يشدد على أن خشيته من انتقام يطاول أقاربه كان ولا يزال دافعه الأساس للتخفي وعدم كشف هويته.