شدّد مندوبا مصر والسودان، في مؤتمر صحافي في أعقاب انتهاء جلسة مجلس الأمن الدولي لبحث أزمة سد النهضة، الخميس، على ضرورة "اتفاق قانوني مُلزم" لحماية مصالحهما، في حين اتهمت إثيوبيا مصر والسودان بـ"عرقلة المفاوضات".
وستواصل الدول الأعضاء في مجلس الأمن، المشاورات، بشأن مشروع القرار الذي قدمته تونس في وقت سابق، إذ انتهت الجلسة دون أن يصوّت المجلس على مشروع القانون.
دور مجلس الأمن
وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري، خلال مؤتمر صحافي عقب جلسة مجلس الأمن، إن بلاده تنتظر دوراً إيجابياً لمجلس الأمن في حل أزمة سد النهضة الإثيوبي، مشدداً على أن مصر "ستحمي حقوق شعبها".
وأضاف شكري أن "مصر والسودان أبديا مرونة في المفاوضات، عكس الجانب الإثيوبي الذي لم يُظهر أي حُسن نية في التوصل إلى اتفاق"، واصفاً موقف أديس أبابا بأنه "متعنت"، وتسبب خلال عقد من الزمن في فشل المفاوضات، ما من شأنه أن "يعرّض السلم في إفريقيا إلى الخطر".
ودعا شكري مجلسَ الأمن إلى "الاضطلاع بمسؤوليته، وفق ميثاق الأمم المتحدة، وبعيداً عن كل الاعتبارات، من أجل الوصول إلى اتفاق ملزم، قبل الملء الثاني لسد النهضة".
وبشأن معارضة بعض الدول في مجلس الأمن طرح هذه القضية، قال شكري إنه "يجب أن تقدم لنا هذه الدول سبب عدم رغبتها في ذلك"، مضيفاً: "نحن نتكلم عن مسألة مهمة تتعلق بمسألة وجودية".
وقال إن المشروع الذي تقدمت به تونس، يعد "وسيلة لحل هذا الخلاف من خلال الدبلوماسية الوقائية"، مشيراً إلى أن لجوء بلاده إلى مجلس الأمن جاء بهدف "التوصل إلى حل سياسي".
وأكد وزير الخارجية المصري دعم بلاده لكل "الجهود الدولية"، من أجل التوصل إلى حل سياسي لهذا الخلاف، ولكن بالمقابل شدد على أن مصر "ستحمي حقوق شعبها، وأمنها المائي".
وفي سؤال بشأن إمكانية اللجوء إلى حل عسكري، أوضح شكري أن بلاده "ستستمر في الانخراط بالمفاوضات".
وقال إن بلاده "لم تعارض إقامة إثيوبيا للسد، رغم ما قاله وزير الري الإثيوبي خلال الجلسة، ولكننا طالبنا بضرورة ضمان حق مصر المائي"، مؤكداً أن مصر "لن تقبل بمفاوضات غير نهائية، يجب أن تتم المفاوضات في إطار زمني محدد".
وبشأن المفاوضات السابقة، قال شكري إنه "كان هناك تقدم في المفاوضات من أجل التوصل إلى حل، كان يمكن الوصول إلى اتفاق، ولكن الوزير الإثيوبي لم يقدم سبباً لرفض إثيوبيا جهود كينشاسا (اجتماع عقد في أبريل الماضي بشأن الملف)، الذي كان من شأنه التوصل إلى اتفاق في الطريق الصحيح".
"آلية استرشادية"
من جهتها، قالت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي في مؤتمر صحافي، إن بلادها ترحب بدعم كل الأطراف من أجل التوصل إلى "اتفاق قانوني مُلزم" بشأن سد النهضة، مشيرة إلى "رفض الجانب الإثيوبي الدخول في اتفاق قانوني، لسعيه إلى التوصل لآلية استرشادية فقط".
وأشارت إلى أن "السودان اعتمد في خطواته الأولى على الاتحاد الإفريقي من أجل التوصل إلى اتفاق، ولكن المفوض الإفريقي أبلغنا بأن الاتحاد الإفريقي بحاجة إلى تعزيز موقفه من خلال موقف دولي"، مشيرة إلى ضرورة "دعم وساطة الاتحاد الإفريقي".
وتابعت: "ما سمعناه في جلسة مجلس الأمن كان إيجابياً ومشجعاً"، مشيرة إلى أن "وزير الري الإثيوبي بعث برسالة قبل 3 أيام، تكاد تكون تهديدية إلى مصر والسودان، يعلن فيها أنهم سيبدأون مرحلة الملء الثاني للسد، ما أعطى قوة لطلبنا من أجل انعقاد هذه الجلسة".
وتحدثت المهدي عن "تخوف البعض من طرح هذه القضية في مجلس الأمن"، مؤكدة أنها "ليست قضية مياه، ولكنها قضية دولة تستخدم المياه كسلاح تهدد به جيرانها"، في إشارة إلى إثيوبيا.
وشددت الوزيرة على أن "الموقف السوداني ينسجم مع المصري"، ولكنها ذكرت بالمقابل أن "السودان هو البلد القرب من سد النهضة، وتأثيره علينا أكبر، فالسد العالي يحمي مصر، عكسنا نحن لا نملك ما يحمينا".
وانتقدت الوزيرة، كلمة وزير الري الإثيوبي سيليشي بيكيلي في الجلسة، قائلة إنه "حاول تزييف الحقائق، بعدما قال إن هناك مشكلة بين دول الحوض ودولتي المصب".
ولفتت المهدي إلى أنها "متفائلة بشكل كبير من أن مجلس الأمن سيعالج هذه القضية بطريقة مسؤولة، هذا هو الوقت المناسب لمجلس الأمن من أجل حل هذه القضية وبناء الثقة".
"ليس مفاعلاً نووياً"
من جانبه، قال وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي سيليشي بيكيلي خلال المؤتمر، إنه "دافع في مجلس الأمن عن مخاوف بلده بشأن قضية سد النهضة"، مشدداً على أن إثيوبيا "تتعامل مع سد كهرومائي بخبرتها، ولا تبني مفاعلاً نووياً".
وأضاف أن بلاده "تبني هذه الأحواض لتخزين المياه، التي ستبقى تتدفق على دول المصب الأخرى"، مؤكداً أن هذه المياه "تؤمن المعيشة والكهرباء لملايين الإثيوبيين، ونهر النيل هو لكل الدول التي يمر بها".
وشدد الوزير الإثيوبي على أن بلاده مقتنعة بعدم ضرورة طرح قضية سد النهضة في مجلس الأمن، مشيراً إلى أهمية هذا المشروع الذي يوفر الكهرباء وفرص العمل لمواطني بلده.
وأضاف أن بلاده "تتطلع دائماً إلى التفاوض، وأن مصر والسودان عرقلتا المفاوضات"، مشيراً إلى أنه في الفترة الحالية "يتم ملء كل السدود في المنطقة، وهذا هو موسم الأمطار، التي تتساقط حتى نهاية سبتمبر المقبل، فيما أن بعض المناطق تواجه فيضانات"، في إشارة إلى الملء الثاني للسد.
الملء الثاني للسد
وكان مجلس الأمن بحث أزمة سد النهضة، القائمة بين إثيوبيا ومصر والسودان، بناءً على طلب القاهرة والخرطوم، بعدما بدأت إثيوبيا هذا الأسبوع ملء خزان السد للعام الثاني.
وجددت إثيوبيا تأكيدها على أن قضية السد لا تهدد السلم والأمن الدوليين، وبالتالي لا تتطلب انعقاد مجلس الأمن، فيما اعتبرت مصر والسودان تشغيل السد دون اتفاق تهديداً للبلدين.
ودعا ممثلو الدول الأعضاء الدولَ الثلاث إلى تخطي خلافاتهم والتوصل لاتفاق برعاية الاتحاد الإفريقي. وكانت القاهرة والخرطوم قد أوفدتا وزيري خارجيتيهما للمشاركة في جلسة مجلس الأمن، فيما أوفدت أديس أبابا وزير المياه والري.
ولا يود كثير من الدبلوماسيين بالمجلس تدخله في النزاع، إلى مدى أكثر من عقد اجتماع الخميس، خشية أن يشكل ذلك سابقة قد تسمح لدول أخرى بطلب مساعدة المجلس في نزاعات مائية، حسب وكالة رويتر.