التضاريس الوعرة والمشكلات الفنية تعيق تهديدات نيودلهي بشأن قطع مياه النهر عن إسلام آباد

مياه نهر السند إلى دائرة التوتر التاريخي بين الهند وباكستان

منظر لجسر يحمل علمي الصين وباكستان فوق نهر السند بمنطقة كوهستان بإقليم كيبر باختونخوا بالقرب من داسو في باكستان. 6 أكتوبر 2023 - Reuters
منظر لجسر يحمل علمي الصين وباكستان فوق نهر السند بمنطقة كوهستان بإقليم كيبر باختونخوا بالقرب من داسو في باكستان. 6 أكتوبر 2023 - Reuters
دبي -الشرق

أعلنت الهند تعليق العمل بمعاهدة تقاسم مياه نهر السند، المبرمة منذ عقود مع جارتها باكستان، غداة هجوم استهدف مدنيِّين في كشمير الخاضعة للإدارة الهندية، في خطوة قد تمثّل نقطة تحوّل في إدارة نظام مائي حدودي حيوي، فيما تشدد إسلام آباد على أي محاولة هندية لوقف أو تحويل تدفُّق المياه " ستعتبر سبباً للحرب".

وألقت نيودلهي باللوم على باكستان في هجوم الثلاثاء الماضي على السياح. ولطالما اتهمت الهند جارتها باكستان بـ"دعم الإرهاب العابر للحدود"، لا سيما في كشمير، حيث يقود مسلحون تمرداً ضد الحكم الهندي منذ أواخر ثمانينيات القرن، فيما نفت إسلام آباد هذه الاتهامات مراراً وتكراراً. 

ورغم أن الهند وباكستان تطالبان بكشمير كاملة، إلا أن كلاً منهما يسيطر فقط على جزء منها، وقد خاضتا عدة حروب بسبب الإقليم منذ الاستقلال عام 1947.

وأعلنت الهند إغلاق المعبر الحدودي الرئيسي الذي يربط البلدين، وتعليق اتفاقية تقاسم المياه التاريخية بينهما، وطرد عدد من الدبلوماسيين الباكستانيين، إضافة إلى إمهال بعض حاملي التأشيرات الباكستانية 48 ساعة لمغادرة البلاد.

فيما شملت الإجراءات التي اتخدتها باكستان، إغلاق الحدود والمجال الجوي مع الهند ووقف التجارة مع جارتها، إلى جانب طرد كل الدبلوماسيين الهنود وتعليق منح التأشيرات.

نهر السند يتدفق في منطقة لاداخ الهندية، 14 سبتمبر 2020
نهر السند يتدفق في منطقة لاداخ الهندية. 14 سبتمبر 2020 - Reuters

وتتقاسم الهند وباكستان بموجب معاهدة مياه نهر السند التي توسط فيها البنك الدولي، 6 أنهار؛ تم تخصيص مياه الأنهار الشرقية (سوتليج وبيس ورافي) للهند، في حين أن الأنهار الغربية الثلاثة (السند وجهيلوم وشيناب) تذهب إلى باكستان.

ما هي معاهدة مياه نهر السند؟

تخصص معاهدة مياه نهر السند، التي توسط فيها البنك الدولي عام 1960، أنهار حوض نهر السند الستة بين الهند وباكستان، مع قيام البنك بدور الضامن لها.

دخلت المعاهدة حيز التنفيذ في مطلع أبريل 1960، وتم التوقيع عليها رسمياً في 19 سبتمبر 1960، في كراتشي من قبل الرئيس الباكستاني السابق أيوب خان، ورئيس الوزراء الهندي السابق جواهر لال نهرو.

وحددت المعاهدة حقوق والتزامات كلا البلدين بشأن "الاستخدام العادل" للمياه المتدفقة في نظام نهر السند.

وتتمتع الهند بحق استخدام غير مقيد لمياه الأنهار الشرقية الثلاثة هي: رافي، وسوتليج، وبياس، والتي يتدفق اثنان منها إلى باكستان.

تسيطر باكستان على أنهار السند، وتشيناب، وجيلوم، المعروفة بالأنهار الغربية، والتي تمر عبر الأراضي الخاضعة للسيطرة الهندية، ولكنها تقع بشكل رئيسي في باكستان. تُلزم المعاهدة الهند بالسماح لمياه هذه الأنهار بالتدفق بحرية إلى باكستان لـ"استخدامها غير المقيد".

صيادون على متن قارب يلقون بشبكة في نهر السند، في حيدر أباد، باكستان.  15 مارس 2025
صيادون على متن قارب يلقون بشبكة في نهر السند بحيدر أباد بباكستان. 15 مارس 2025 - Reuters

لعقود من الزمن، حظيت المعاهدة بإشادة واسعة باعتبارها علامة فارقة يمكن أن تُشكل نموذجاً يُحتذى به لحل النزاعات الدولية على المياه. لكن في العقد الماضي، هددت الهند باستخدام المعاهدة كسلاح خلال النزاعات مع باكستان.

بعد أن هاجم مسلحون باكستانيون قاعدة للجيش الهندي في مدينة أوري الكشميرية عام 2016، قال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، لمسؤولي معاهدة مياه السند إن "الدم والماء لا يجتمعان". وفي عام 2019، هدد مسؤولو الحكومة الهندية بتحويل مجرى الأنهار الشرقية بعيداً عن باكستان بعد تفجير انتحاري أودى بحياة العشرات من قوات الأمن الهندية في كشمير.

هل تستطيع الهند قطع المياه عن باكستان؟

بعد هجوم شنّه مسلحون في كشمير، أعلنت الحكومة الهندية تعليق العمل بمعاهدة تُنظم معظم المياه المُستخدمة في الزراعة الباكستانية، وهو إجراء عقابي قد يلحق ضرراً بالغاً بالزراعة والاقتصاد في البلاد.

وسبق أن هددت الهند، في أوقات أخرى شهدت تصاعداً في التوترات، بالانسحاب من معاهدة مياه نهر السند، التي وقعها البلدان في عام 1960.

وإذا نفّذت الهند هذا التهديد، فقد تُقيّد تدفق المياه المُستخدمة في مُعظم ريّ المحاصيل والاستهلاك البشري في باكستان. تُمثل الزراعة ربع اقتصاد البلاد.

وردت الحكومة الباكستانية، الخميس، بأنها ستعتبر أي عرقلة للمياه "عملاً حربياً". 

ويشير بكر عطياني، المدير الإقليمي لصحيفة "عرب نيوز" في آسيا في حديث مع "الشرق"، أن الهند قدمت كل ما لديها من أوراق ضغط، بما في ذلك سحب السفير من باكستان، وتعليق العمل بمعاهدة تقاسم مياه السند، ولم يتبقّ سوى خيار "التصعيد العسكري" مباشر بين الجارين.

وشدد عطياني على أن الهند، التي تمثل قوة اقتصادية في المنطقة، لا تحبّذ الخيار العسكري، وهي مقابل ذلك تركز على تنمية اقتصادها، مشيراً إلى أن خيارات المواجهة الشاملة بين البلدين تبقى مستبعدة سواء على المدى المتوسط والبعيد.

وبشأن تهديد نيودلهي بقطع مياه نهر السند، قال عيطاني إنه "من الناحية الفنية، لا تملك نيودلهي سدوداً مائية تسمح بوقف تدفق مياه النهر بشكل كامل إلى باكستان، لكنه قال إن نيودلهي قد تغير مجرى تدفق المياه؛ وهو أمر يتطلب سنوات من التحضير، وميزانية ضخم.

وقال عطياني إن مياه نهر السند تمر من الصين ثم الهند ثم شمال باكستان حتى يصل إلى بحر العرب، وهو شريان حيوي بالنسبة لإسلام آباد. وقال إن صعوبة التضاريس (يمر النهر عبر جبال الهيمالايا) والوضع الفني والتقني يجعلان من خيار قطع المياه يبدو صعباً.

ونشبت خلافات في الماضي، حيث اعترضت باكستان على بعض مشروعات الطاقة الكهرومائية والبنية التحتية المائية الهندية، بحجة أنها ستُقلل من تدفقات الأنهار وتُخالف المعاهدة. (يعتمد أكثر من 80% من الزراعة في باكستان وحوالي ثلث طاقتها الكهرومائية على مياه حوض نهر السند).

وقال عيطاني إن باكستان سترد بـ"تسليط الضوء على كشمير، خاصة بعدما قامت الهند في عام 2019 بإلغاء المادة الدستورية التي تعطي وضعاً خاصاً لكشمير وضمتها إلى الفيدرالية الهندية بشكل كامل"، مشيراً إلى أن إسلام آباد تعتبر هذه "الخطوة مخالفة لقرارات الأمم المتحدة وهو إجراء أحادي يخالف القوانين الدولية".

ماذا يعني توقف المياه لباكستان؟

سيضع انسحاب الهند من المعاهدة، باكستان في موقف صعب. فالبلاد قاحلة وتعاني من نقص حاد في المياه، ويعود ذلك جزئياً إلى الظواهر الجوية المتطرفة. في الشهر الماضي، حذرت هيئة تنظيم المياه الباكستانية من أن البنجاب والسند، وهما المحافظتان الزراعيتان الرئيسيتان في البلاد، قد تواجهان بالفعل نقصاً في المياه يصل إلى 35% خلال المرحلة الأخيرة من موسم المحاصيل الحالي.

كما أن الأمطار الموسمية القادمة تحمل مخاطر على باكستان، إذ قد تختار الهند تصريف فائض المياه من الأنهار الشرقية دون إشعار مسبق، مما قد يؤدي إلى فيضانات، وفق صحيفة "نيويورك تايمز".

ومن المرجح أن تُحقق حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، مكاسب محلية من خلال خطوتها هذه، بينما من المرجح أن يعتبرها المجتمع الدولي مجرد جانب آخر من جوانب اشتعال الصراع بين عدوين لدودين، وفقاً لبعض المحللين.

وقال هابيمون جاكوب، الأستاذ المشارك في الدبلوماسية ونزع السلاح بجامعة جواهر لال نهرو لصحيفة "نيويورك تايمز": "هذا إجراء ذكي وشعبي وشعبوي".

وأضاف جاكوب أن المجتمع الدولي سيشعر بالقلق على الأرجح إذا تصاعدت التوترات الحدودية إلى صراع مسلح. وأضاف: "لذا، ليس لدى الهند ما تخسره دولياً" بتعليق معاهدة المياه.

تصنيفات

قصص قد تهمك