سياسات الرئيس الأميركي تؤجج انقسامات داخل الحزب وسط مخاوف تراجع الشعبية

ترمب والجمهوريون في 100 يوم.. "الولاء المطلق" يهيمن على حسابات السياسة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوقع أوامر تنفيذية في البيت الأبيض. 17 أبريل 2025 - Reuters
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوقع أوامر تنفيذية في البيت الأبيض. 17 أبريل 2025 - Reuters
واشنطن -محمد شهود

بدا الرئيس الأميركي دونالد ترمب عند تنصيبه في يناير الماضي، مهيمناً على واشنطن بكل ركائزها السياسية، حزب حاكم يسيطر على البيت الأبيض والكونجرس، إضافة إلى محكمة عليا ذات أغلبية محافظة.

ورغم أن المئة يوم الأولى من ولاية ترمب الثانية، وما صاحبها من صخب جارف لم تهز مشاهد "الولاء المطلق" للرئيس داخل الحزب، إلا أن زخم سياساته المتسارعة، أثار تساؤلات هادئة عن حدود هذا الولاء، وعن مدى قدرة الجمهوريين على التماهي التام مع أجندته دون تحريك ساكن، حتى مع تصاعد الرهانات الانتخابية والضغوط السياسية.

ولا يقتصر الولاء العلني فقط بالتملق للرئيس الأميركي السابع والأربعين، الذي حقق أكبر عودة لسياسي في التاريخ الأميركي الحديث، إذ يظهر الولاء جلياً في تمسك الجمهوريين بأجندة ترمب السياسية ورفضهم الخروج عن خطه، حتى في ظل الخلافات التي قد تطرأ بين الحين والآخر.

فالعديد من أعضاء الحزب، من النواب إلى الحكام المحليين يتبنون سياساته ويستجيبون لها كمرجعية رئيسية، متجنبين الانتقادات العلنية له.

كما تتجسد مظاهر هذا الولاء في دعم مرشحيه للمناصب الرفيعة، بما فيها ما يمس الأمن القومي، وفي تشجيع سياساته بشأن الهجرة، والتجارة، والاقتصاد، مما يبرز التزامهم بمسار ترمب حتى وإن كانت هناك تباينات ضمن أروقة الحزب.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوقع أمراً تنفيذياً بالمكتب البيضاوي في البيت الأبيض بالعاصمة واشنطن. 23 أبريل 2025
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوقع أمراً تنفيذياً في البيت الأبيض. 23 أبريل 2025 - REUTERS

وفي تصريحات لـ"الشرق"، قال كيفن بيشوب، المستشار الاستراتيجي في الحزب الجمهوري، والذي شغل منصب مدير الاتصالات للسيناتور ليندسي جراهام لمدة 27 عاماً، إن تأثير ترمب على الحزب الجمهوري كان غير مسبوق.

وأضاف: "قليل من الرؤساء الذين تولوا منصب الرئاسة، وتمكنوا من فرض هذا القدر من التأثير على الكونجرس كما فعل ترمب داخل الحزب الجمهوري، هو القائد الأوحد الذي يحدد الأجندة، وكلماته هي التي تُنفذ".

تضاؤل التأثير 

ومع أن بيشوب اعترف بأن هذا التأثير قد يتضاءل مع مرور الوقت، إذ إن التأثير الرئاسي عادة ما يتناقص تدريجياً، إلا أنه شدد على أن أول 100 يوم من ولاية ترمب الثانية شهدت تغييرات سياسية جوهرية في مجالات مثل الهجرة، والتجارة، والحدود، والإنفاق، والتنظيم، والتي أثرت بشكل كبير على الولايات المتحدة وعلى الساحة الدولية.

واتفق مارك روزيل عميد كلية شارف للسياسات العامة والحكومة في جامعة جورج ماسون، على أن ترمب لا يزال يسيطر بقوة على الحزب الجمهوري، واصفاً إياه بأنه "حزب ترمب" ويعزو ذلك إلى قدرة الرئيس الأميركي في التأثير والضغط على أعضاء الكونجرس.

ورسم كايل كونديك مدير تحرير موقع Sabato’s Crystal Ball التابع لمركز السياسة في جامعة فرجينيا، صورة لحراك الجمهوريين بوصفه محكوماً بالخوف من ترمب، ومن قاعدته الشعبية الصلبة.

وذكر كونديك في تصريحات لـ"الشرق"، أن "المشرعين الجمهوريين لا يزالون يتصرفون كما لو أن ظل ترمب يلاحقهم"، مشيراً إلى أن ولاءهم لا ينبع فقط من رهبة الرئيس، بل من قناعة بأن ناخبيهم يفضلونه شخصياً على بقية قادة الحزب.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث إلى وسائل الإعلام في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض. 25 أبريل 2025
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث إلى وسائل الإعلام في البيت الأبيض. 25 أبريل 2025 - Bloomberg

ورغم بعض الانتقادات الخافتة التي تطفو أحياناً، ذكر كونديك، أن "حركة الحزب لا تزال تدور في فلك ترمب، إذ يواصل المسؤولون والناخبون على السواء التشبث به كمرجعية سياسية أولى".

واستدل تود بيلت مدير برنامج إدارة السياسة في جامعة جورج واشنطن، على مدى ولاء الحزب الجمهوري لترمب، وقدرة الرئيس في التأثير على الكونجرس، بما حدث خلال تمرير تمديد تمويل الحكومة قبل أشهر، حينما بدت ملامح انشقاق في صفوف الجمهوريين مع تمسك نواب من كتلة الحرية بمواقفهم المناهضة لبعض نصوص مشروع القانون المطروح.

وأشار بيلت، إلى أنه "في تلك اللحظة، تدخل ترمب وتواصل معهم عبر الهاتف، مستخدماً عدة حوافز وعقوبات لجعلهم ينضمون إلى الاتفاق".

خلافات الرسوم الجمركية

ورغم هذه الصورة من التأثير المبهر والتأييد المطلق، بدأت شكوك وخلافات تطفو بهدوء عبر ملفات حساسة داخلياً وخارجياً، مع خشية واضحة لدى كثير من الجمهوريين من مصادمة ترمب علناً خوفاً من استعداء قاعدته الانتخابية.

وفي مطلع أبريل الجاري، أعلن ترمب فرض رسوم جمركية شاملة بنسبة 10% على جميع الواردات، مع زيادات أعلى على الصين والاتحاد الأوروبي في خطوة اعتبرها "تحريراً للاقتصاد الأميركي من هيمنة الخارج".

وسرعان ما وجد الجمهوريون أنفسهم في مأزق بين ولائهم لترمب والمبادئ الاقتصادية الحرة التي كانوا يؤمنون بها.

وتبنّى العديد في الحزب الجمهوري معارك ترمب التجارية مع الصين في ولايته الأولى، ولكن اتساع نطاق الرسوم الجديدة، والتي كانت بمثابة زيادة ضريبية ضخمة على المستهلكين والشركات أثار القلق.

وتساءل العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، خصوصاً من الولايات الزراعية والحدودية، عن حكمة الرسوم الجمركية، مشيرين إلى أن الرسوم المرتفعة ستؤدي إلى ردود انتقامية ضد صادرات الولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً

100 يوم من ولاية ترمب.. سياسة "أميركا أولاً" تقلب النظام العالمي

شن دونالد ترمب في أول 100 يوم من حكمه، حرباً تجارية غير مسبوقة، واستخف بدول الناتو، فيما يرى مسؤولون بمناطق عدة في أنحاء العالم أن سياسيته قلبت النظام العالمي.

وتحدى أربعة من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين ترمب علناً بالتصويت لصالح قرار قدمه الديمقراطيون في مجلس الشيوخ يطالب بإلغاء الرسوم الجمركية بنسبة 25% على المنتجات الكندية.

ورغم أن القرار لا يتمتع بقوة القانون، إلا أن دعم ميتش ماكونيل، وراند بول، كلاهما من كنتاكي، وسوزان كولينز من ولاية مين، وليزا موركوفسكي من ولاية ألاسكا، أرسل إشارة فورية عن مدى القلق العميق لدى بعض الجمهوريين تجاه خطة ترمب الجمركية التي تسببت في موجة بيع عالمية بالأسواق.

وبرز السيناتور راند بول في الواجهة، مع هجومه من داخل قاعة مجلس الشيوخ على تعريفات ترمب، واصفاً إياها بـ"سياسة سيئة".

وأعاد بول تذكير حزبه بأنهم فقدوا السيطرة على الكونجرس لعقود؛ بسبب تداعيات قانون سموت-هولي لعام 1965.

وقد أدى هذا القانون، الذي يهدف إلى إصلاح قوانين الهجرة وزيادة التنوع العرقي، إلى تحول بعض الدوائر الانتخابية ذات الأغلبية البيضاء إلى مناطق أكثر تنوعاً، ما ساهم في تعزيز قوة الديمقراطيين.

ونتيجة لذلك، عانى الحزب الجمهوري من صعوبة في الحفاظ على قاعدته التقليدية، ما أثر على قدرته في السيطرة على الكونجرس لعدة عقود.

كما حذر السيناتور تيد كروز، من أن هذه السياسات قد تؤدي إلى "مجزرة انتخابية" للحزب الجمهوري في انتخابات 2026 إذا تسببت في "ركود اقتصادي".

ومع ذلك، اعتبر الصوت المعارض في مجلس الشيوخ استثناءً في مواجهة قرارات ترمب، إذ لم يجرؤ كثيرون على إعلان تمرد صريح، بل جاءت الاعتراضات في شكل مناشدات لإدخال استثناءات أو تخفيفات.

الحذر من معارضة الرئيس 

وقال الاستراتيجي الجمهوري، كيفن بيشوب، إن "الجمهوريين سيظلون دائماً حذرين من معارضة الرئيس".

وعزا بيشوب ذلك إلى الشعبية الواسعة التي يحظى بها ترمب، والتي لا تزال تجعل من يعارضه يعرض نفسه لمخاطر سياسية كبيرة، مضيفاً "طالما أن الرئيس يحظى بشعبية، فإن معارضته ستكون على مسؤوليتك الخاصة"، لافتاً إلى أن الأصوات الجمهورية تمنحه الكثير من المرونة في تنفيذ أجندته، وهم يريدون من المسؤولين المنتخبين من الحزب الجمهوري مساعدته قدر الإمكان.

وعلى الرغم من الولاء، ذكر بيشوب أن "قضية الرسوم الجمركية، هي الوحيدة التي تثير بعض النقاشات الصعبة داخل الحزب"، إذ رأى الجمهوريون أن "الرسوم هي بمثابة ضرائب، وهي مسألة تثير اعتراضاتهم نظراً لرفضهم زيادة الضرائب، ولذلك اعتبر أن هذه القضية تستحق المتابعة عن كثب".

ودفعت الهزة التي شهدتها الأسواق المالية إثر تطبيق الرسوم الجمركية، العديد من رجال الأعمال والمستثمرين حتى أولئك الذين دعموا ترمب في حملته الانتخابية لانتقاد إدارة ترمب علناً، ووصف رجل الأعمال بيل آكمان الذي دعم ترمب في حملته الانتخابية، الرسوم بأنها "ستؤدي إلى توقف الاستثمار التجاري، وإغلاق محافظ المستهلكين".

واعتبر روزيل، أن هذه الانتقادات العلنية "دلائل على تفكك ائتلاف ترمب الذي شكله خصيصاً للعودة للبيت الأبيض"، مشيراً  إلى أن المجتمع التجاري الذي كان داعماً طويلاً للحزب الجمهوري، بدأ يتحول ضد ترمب؛ بسبب الرسوم الجمركية، وكل حالة عدم اليقين التي أحدثها ترمب في الأسواق العالمية".

وأشار روزيل في تصريحات لـ"الشرق"، إلى أن "استمرار الفوضى الاقتصادية، ستؤدي إلى فقدان ترمب لأحد المكونات الرئيسية في الائتلاف الجمهوري".

ورهن كايل كونديك، رفع الجمهوريين لوتيرة المعارضة ضد ترمب، بمدى تدهور الوضع الاقتصادي، إذ يميل إلى أن الجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ سيكونون "أكثر استعداداً لمعارضة ترمب؛ لأنهم هم من سيتعين عليهم مواجهة الناخبين في انتخابات 2026، غير أنه يعتقد أن لا يزال ذلك يبدو أمراً بعيد المنال".

مخاوف إزعاج القاعدة الشعبية

وجاءت قرارات ترمب بخفض المنح الفيدرالية التي تمول مشروعات البنية التحتية والصحة والتعليم في الولايات الفقيرة، لتثير قلقاً إضافياً، إلى جانب الرسوم.

وعبرت شيلي مور كابيتو، وهي عضوة مجلس الشيوخ عن فرجينيا الغربية، عن خشيتها من أن تؤدي تخفيضات برامج مكافحة الإدمان إلى كارثة اجتماعية في ولايتها.

واعتبر مارك روزيل، عميد كلية السياسة والحكم بجامعة جورج ميسون، أن "التخفيضات الفيدرالية بدأت تؤذي المجتمعات الريفية التي دعمت ترمب، وإذا طال الضرر، فإن شرخاً كبيراً قد يظهر داخل قاعدته الصلبة.

وأشار كايل كونديك مدير تحرير Sabato’s Crystal Ball المتخصص في تحليل استطلاعات الرأي، إلى أن "معدلات تأييد ترمب تبدو بالفعل ضعيفة كما كانت خلال ولايته الأولى".

وأضاف أنه "كلما ساءت أرقامه أكثر، تضاءلت قوته المحتملة".

ورغم هذه التحذيرات، التزم معظم الجمهوريين بالصمت العلني، مفضلين ممارسة الضغوط عبر القنوات الخاصة بدلاً من معارضة الرئيس في العلن.

تحول عاصف في السياسة الخارجية

وبينما كان الجمهوريون يحشدون صفوفهم لمواجهة خصوم أميركا حول العالم، جاء ترمب ليقلب الطاولة، فبدلاً من تعزيز النفوذ الأميركي بالطريقة التي اعتادها الحزب لعقود، قاد الرئيس بشعار "أميركا أولاً"، تحولاً عاصفاً في السياسة الخارجية، أعاد رسم أولويات واشنطن، وأربك حسابات حلفائها وخصومها على السواء في مشهد بدا وكأنه قطيعة مع إرث طويل من التدخلات والعقائد التقليدية، إذ وضع ترمب بلاده على مسار أكثر غموضاً وإثارة للجدل.

وفي أوكرانيا، يسعى ترمب إلى لعب دور الوسيط لإيقاف الحرب، بدلاً من الاصطفاف الكامل إلى جانب كييف ضد موسكو ليخالف السياسة الأميركية التقليدية، تحديداً مع التصعيد بوقف التمويل العسكري والتعاون الاستخباراتي، ما أثار غضب بعض المتشددين في الكونجرس الذين رأوا في ذلك تهديداً مباشراً لأوكرانيا ولحلف شمال الأطلسي (الناتو).

الرئيسان الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والأميركي دونالد ترمب يجتمعان في الفاتيكان على هامش جنازة البابا فرنسيس. 26 أبريل 2025
الرئيسان الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والأميركي دونالد ترمب يجتمعان في الفاتيكان على هامش جنازة البابا فرنسيس. 26 أبريل 2025 - Reuters

وفي خضم تصاعد الانقسامات داخل إدارة ترمب، بشأن كيفية كسر الجمود بين موسكو وكييف، إذ يفضل المبعوث الخاص ستيف ويتكوف تقديم تنازلات للوصول إلى اتفاق، بينما يدعم كيث كيلوج تعزيز الدعم المباشر لأوكرانيا، دخل الرئيس الأميركي في جدال حاد مع نظيره الأوكراني زيلينسكي، في البيت الأبيض في أواخر فبراير الماضي. 

وأثار تقارب ترمب مع موسكو، مخاوف متزايدة من أنه قد يجبر كييف، المدعومة من الناتو، على قبول خسائر إقليمية لصالح روسيا، في سبيل تحسين العلاقات مع بوتين.

أولوية التفاوض في ملف إيران

أما في الملف الإيراني، فقد حول ترمب خطابه من التصعيد إلى أولوية التفاوض، فالرئيس الذي انسحب من الاتفاق النووي الذي عقدته طهران مع إدارة الرئيس السابق باراك أوباما في عام 2015، عاد إلى طاولة التفاوض وبادر بمخاطبة المرشد الإيراني علي خامنئي، ليتخذ مساراً أكثر مرونة.

 كذلك تخلى ترمب وفريقه عن المطالب التقليدية من الجمهوريين لإيران بتفكيك البرنامج النووي بالكامل، ولم تظهر الإدارة موقفاً موحداً أو واضحاً بشأن السماح لطهران باستمرار تخصيب اليورانيوم.

وهذا التراجع عن الخطوط الحمراء التقليدية، أثار انتقادات داخل الحزب الجمهوري ودفع أعضاء كبار في مجلس الشيوخ وهما توم كوتون رئيس لجنة الاستخبارات، وليندسي جراهام للمطالبة علناً بعدم التنازل عن مبدأ التفكيك الكامل للبرنامج النووي، وعدم استبعاده من طاولة التفاوض واعتبار ذلك خطأ كارثياً.

كما امتدت الخلافات إلى ملف الحوثيين، ففي "تسريبات سيجنال" التي كشفتها صحيفة "ذا أتلانتيك"، عارض نائب الرئيس جي دي فانس علناً، توجيه ضربات عسكرية ضد الحوثيين، هذا الخلاف العلني يتوج أبرز الانقسامات داخل إدارة ترمب بشأن كيفية التعامل مع التهديدات الإقليمية.

أزمة الحزب الجمهوري 

في مقال تحليلي نشرته مجلة The National interest رأى جوشوا يافي الزميل البارز في مركز المصلحة الوطنية CFTNIK أن الأزمة داخل الحزب الجمهوري أعمق من مجرد خلاف بين أنصار التدخل وضبط النفس.

وأكد يافي أن "الحزب الجمهوري يواجه صعوبة حقيقية في بلورة سياسة خارجية تُلبي تطلعات الناخب الأميركي العادي، خاصة أولئك الذين صوتوا لترمب بدافع القلق على حياتهم اليومية، وليس استناداً إلى شعارات أيديولوجية كبرى".

وحذر يافي من أن غياب نقاش جاد ومفتوح داخل الحزب حول أسس السياسة الخارجية سيؤدي إلى تفاقم التشرذم، مشيراً إلى أن قضايا مثل أوكرانيا وإيران ستظل نقاط اشتعال داخلي ما لم يتم التوصل إلى تصور موحد.

الولاء مقابل الكفاءة في معسكر MAGA

وإذا كانت معارضة بعض قرارات ترمب داخل الكونجرس والجناح التقليدي من الحزب الجمهوري تبدو خافتة ومحدودة، إلا أن القاعدة الصلبة لحركته السياسية MAGA تراقب المشهد عن كثب.

فأنصار ترمب الأكثر تشدداً لا يكتفون بمراقبة خصومه التقليديين، بل يلاحقون أيضاً أي انحراف محتمل عن أجندة "أميركا أولاً" داخل أروقة الإدارة نفسها.

وقد تجلى هذا الحذر واليقظة بوضوح في حادثتين بارزتين، الصدام بين الناشطة لورا لوومر ومجلس الأمن القومي، والنزاع العلني بين لوومر وستيف بانون مستشار ترمب السابق من جهة ورجل الأعمال إيلون ماسك حول سياسة تأشيرات العمل مع بداية الولاية الرئاسية.

وفي مطلع أبريل الجاري، أقال الرئيس ترمب عدة مسؤولين من مجلس الأمن القومي بعد لقاء مع الناشطة لورا لوومر، المعروفة بآرائها المثيرة للجدل.

وقدمت لوومر لترمب تقارير تتهم بعض موظفي المجلس بعدم الولاء أو تبني مواقف لا تتماشى مع أجندة الإدارة، ومن بين الذين أُقيلوا "بريان وولش، توماس بودري، وديفيد فايث"، كما استهدفت لوومر نائب مستشار الأمن القومي أليكس وونج، متهمةً إياه بوجود صلات عائلية مع الصين، إلا أن وونج لم يكن ضمن المقالين.

ومع بدء الولاية الثانية لترمب، دخلت لوومر في نزاع علني مع إيلون ماسك بشأن موقف الإدارة من برنامج تأشيرات H-1B.

اقرأ أيضاً

ترمب: أنا أدير أميركا والعالم

أجرت مجلة "ذي أتلانتيك" الأميركية مقابلة مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب نشرت الاثنين، قالت المجلة إن ترمب بدا فيها وأنه "يستمتع بممارسة سلطاته الرئاسية".

وانتقدت لوومر دعم ماسك للبرنامج، معتبرة أنه يتسبب في استبدال العمال الأميركيين بعمال أجانب في قطاع التكنولوجيا، كما اتهمت لوومر ماسك بالانتقام منها عبر سحب التوثيق الأزرق لحسابها على منصة "إكس" وتقليل مدى وصول منشوراتها.

من جهته، دافع ماسك عن برنامج H-1B باعتباره ضرورياً للحفاظ على تنافسية أميركا التكنولوجية.

وسط هذه النزاعات، برز نائب الرئيس جي دي فانس وسيطاً بين قاعدة MAGA المتشددة وحلفاء ترمب في وادي السيليكون.

هوة بين المحافظين

يسعى نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، الذي شارك في تأسيس شبكة "روك بريدج" المدعومة من مستثمرين تقنيين بارزين مثل بيتر ثيل، إلى ردم الهوة بين المحافظين القوميين ونخب التكنولوجيا، كما تهدف جهوده إلى توحيد السياسات بما يخدم كل من النزعة القومية والمصالح التكنولوجية.

ولا يعتبر الاستراتيجي في الحزب الجمهوري، كيفن بيشوب، أن مثل هذه الأحداث تؤثر على مجمل مسيرة ترمب في الرئاسة، إذ رأى أن "أي إدارة رئاسية، سيكون فيها دائماً جزء من مؤيديك غير راضٍ عن شيء ما تقوم به".

وأكد بيشوب، أن المهم هي القضايا الكبرى مثل "الهجرة وقطع النفقات الحكومية، وفيها يحصل الرئيس ترمب على درجات عالية جداً من جميع الجمهوريين، وستظل هناك دائماً خلافات هنا وهناك".

ويختلف في ذلك عميد كلية للسياسات العامة والحكومة، مارك روزيل، إذ يستند إلى الاستطلاعات الحديثة التي تشير إلى "تراجع في دعم MAGA لترمب" ويعود ذلك إلى "التقليصات في بعض البرامج الفيدرالية التي تشعر بها المجتمعات التي دعمت ترمب، إذ يرجح روزيل أنه في حال أحدثت سياسات ترمب آثاراً طويلة الأمد حينها سيتحول بعض المؤيدين في مواقفهم.

الولاء تذكرة المرور في انتخابات 2026

وبينما ينظر الجمهوريون نحو انتخابات منتصف الولاية في عام 2026، يبدو أن هيمنة ترمب وديناميكية الولاء السائدة على وشك أن تشكل بشكل كبير استراتيجية الحزب وقائمة مرشحيه.

تاريخياً، يواجه حزب الرئيس صعوبات في انتخابات منتصف الولاية، ومع البداية العاصفة لترمب وتراجع استطلاعات شعبيته العامة، يتوقع بعض المحللين بيئة صعبة للحزب الجمهوري.

ومع ذلك، يبدو أن الجمهوريين يضاعفون رهانهم على الولاء كمبدأ توجيهي، معتمدين على أن حماسة قاعدة ترمب يمكن أن تحملهم إلى النجاح، وأن الوحدة الداخلية ستكون مفضلة على الانقسام.

ويصف كايل كونديك، مدير تحرير Sabato’s Crystal Ball، وضع الجمهوريين بأنه في حالة "ديناميكية صعبة"، موضحاً أن الحزب عالق في معادلة دقيقة، من جهة يدرك الجمهوريون حاجتهم إلى دعم ترمب لتحفيز قاعدته على التصويت في الانتخابات غير الرئاسية.

ومن جهة أخرى، يشعر بعضهم برغبة في الابتعاد عنه لتوسيع قاعدة ناخبيهم، وهي معادلة "محفوفة بالمخاطر يصعب إدارتها في ظل تصاعد الضغوط الانتخابية"، وفق كونديك.

واعتبر تود بيلت مدير برنامج السياسات الحكومية في جامعة جورج واشنطن، أن ترمب "بات يعرف كيف يستخدم نفوذه وسلطته داخل الحزب الجمهوري بطريقة أكثر فعالية"، مشيراً إلى أن الجمهوريين "باتوا يدركون جيداً أن غضب ترمب يعني استبدالهم وظهور منافس مدعوم منه في الانتخابات التمهيدية".

ولم يكن الخوف من استعداء ترمب مجرد هاجس نظري داخل الحزب الجمهوري، بل واقع أثبتته تجارب سابقة، ففي انتخابات 2018، خسر النائب مارك سانفورد في ساوث كارولاينا مقعده بعد أن شن ترمب هجوماً عليه ودعم منافسته قبل ساعات من التصويت.

وفي أريزونا، اضطر السيناتور جيف فليك، إلى عدم الترشح مجدداً تحت ضغط شعبي مدعوم من ترمب، أما ليز تشيني، أبرز المنتقدين الجمهوريين لترمب بعد اقتحام الكونجرس، فقد خسرت مقعدها في عام 2022 أمام مرشحة مدعومة منه.

وحتى الشخصيات الراسخة داخل الحزب، أدركت أن معارضة الرئيس، أو حتى مجرد الاختلاف معه، كفيلة بإنهاء مسيرتهم السياسية.

ولخص كيفين بيشوب موقف حزبه قائلاً : "طالما يحتفظ ترمب بشعبيته داخل الحزب وبين الناخبين، فإن المسؤولين المنتخبين الجمهوريين سيتبعون قيادته".

الخوف يحكم

وأكد مارك روزيل، عميد كلية شارف للسياسات الحكومية في جامعة جورج ميسون، أن "الخوف يظل العامل الحاكم لسلوك الجمهوريين في الكونجرس"، مضيفاً "في الوقت الحالي، لا يزال الجمهوريون في الكونجرس مخلصين للرئيس، مدركين أنه قادر على دعم تحديات انتخابية ضدهم إذا عارضوه سياسياً".

ومع ذلك، اعتبر روزيل، أن القلق يتسرب في الكواليس، إذ "تظهر بعض الهمسات الخفيفة حتى بين الجمهوريين المنتخبين الذين يخشون أن تكون آفاق الحزب قاتمة جداً في 2026، إذا استمر عدم اليقين الاقتصادي".

وفي الولاية الأولى لترمب، خسر الجمهوريون السيطرة على مجلس النواب، وألقى بعضهم باللوم على ترمب، معتبرين أن شخصيته المثيرة للجدل وتغريداته المتفجرة كانت عاملاً محورياً في تعبئة خصومه.

وفي انتخابات 2020، تكررت السيناريوهات، إذ خسر ترمب نفسه إعادة انتخابه، وحمّله كثير من الجمهوريين مسؤولية الأداء الضعيف في بعض السباقات التشريعية، خاصة مع تحوله إلى قضية استفتاء بحد ذاته، أكثر من كونه عامل تعبئة للقاعدة المعتدلة.

تصنيفات

قصص قد تهمك