الرئيس الأميركي استخدم "تروث سوشيال" لمهاجمة أعدائه والتمهيد لقراراته وتوجيه رسائل للأسواق

تغريدات ترمب في أول 100 يوم رئاسة.. أقل تهكماً وأكثر تهديداً

الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض بواشنطن. 28 أبريل 2025 - Reuters
الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض بواشنطن. 28 أبريل 2025 - Reuters
دبي-الشرق

في كل مرة دوّى فيها تنبيه من منصة "تروث سوشيال"، كانت الأنظار تتجه مباشرة إلى حساب الرئيس الأميركي دونالد ترمب، فمنذ عودته إلى البيت الأبيض في 21 يناير 2025، لم يترك يوماً دون تغريدة، بل تحولت رسائله القصيرة إلى محرك للسياسات ومصدر للتوترات الدولية وأداة لإشعال الأسواق تارة وتهدئتها تارة أخرى.

وخلال أول 100 يوم من ولايته الثانية، أطلق ترمب العنان لعشرات التغريدات التي تجاوز أثرها حدود الكلمات لتعيد تشكيل العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم.

في السطور التالية، نستعرض أبرز تلك التغريدات تحت عناوين تُجسد أثرها السياسي والاقتصادي على أميركا والعالم.

أول تغريدة: الكشف عن نوايا ترمب

في 21 يناير 2025، يوم تنصيبه الرسمي رئيساً للولايات المتحدة للمرة الثانية، كتب ترمب أولى تغريداته بعد عودته للبيت الأبيض من حسابه على "تروث سوشيال" قائلاً: "عدنا من جديد، وهذه المرة لن نترك أميركا تُدار بالضعف والتردد. عهد جديد يبدأ الآن. أميركا أولاً!".

التغريدة، التي حملت طابعاً حماسياً واستفزازياً في الوقت نفسه، اعتُبرت بمثابة بيان سياسي يؤكد أن ولايته الثانية ستكون امتداداً مباشراً لنهج التصعيد والمواجهة الذي عُرف به خلال ولايته الأولى.

أقوى تغريدة: "يوم التحرير" يهز الأسواق

في 2 أبريل 2025، نشر ترمب عدة تغريدات متتابعة قال فيها: "اليوم نعلن عن يوم التحرير! سنفرض رسوماً جمركية جديدة لحماية اقتصادنا من الاستغلال الخارجي".

وأضاف: "إنها أعظم خطوة إنقاذ، ليس فقط للشركات الصغيرة، بل لأميركا كلها. لقد كانت البلاد تسير في مسار غير قابل للاستمرار". وتبعها بجداول التعريفات التي فرضها لكل دول على حدة.

جاءت هذه التغريدة بمثابة إعلان حرب اقتصادية، إذ تسببت في انهيار فوري للأسواق العالمية. فقدت مؤشرات وول ستريت مكاسبها، وارتفعت أسعار الذهب وبتكوين كملاذات آمنة.

أضعف تغريدة: الترحيل بلا محاكمة

في 21 أبريل، قال ترمب: "لا يمكننا تقديم محاكمة لكل شخص نرغب في ترحيله، لأن ذلك سيستغرق، دون مبالغة، 200 عام".

أثارت هذه التغريدة انتقادات من منظمات حقوق الإنسان التي رأت فيها مساساً بأسس العدالة، لكنها لم تترك تأثيراً سياسياً فعلياً.

التغريدة الأكثر تأثيراً في الأسواق: دعوة غامضة للشراء

في 9 أبريل، كتب ترمب: "الآن هو الوقت المثالي للشراء! DJT". وارتفعت مؤشرات الأسهم الأميركية مباشرة، قبل أن يُعلن لاحقاً عن تجميد مؤقت للرسوم الجمركية.

وأثار ذلك جدلاً واسعاً حول استغلال المعلومات الداخلية لرفع أسهم شركاته واستغلال نفوذه كرئيس للولايات المتحدة.

التغريدة الأكثر تأثيراً على الشرق الأوسط

في 26 أبريل 2025، أثار الرئيس الأميركي جدلاً واسعاً في الشرق الأوسط بسبب التغريدة التي طالب فيها بالسماح للسفن الأميركية، سواء الحربية أو التجارية، بالمرور مجاناً عبر قناتي بنما والسويس.

وبرر ترمب مطلبه بأن هاتين القناتين ما كانتا لتوجدا لولا الولايات المتحدة، مشيراً إلى الدعم الأميركي التاريخي في إنشاء وتشغيل وحماية هذه الممرات المائية الحيوية.

كما قال مستشار الأمن القومي الأميركي، مايك والتز، في منشور على منصة "إكس"، إن الولايات المتحدة "لا ينبغي أن تدفع لعبور قناة تدافع عنها"، مما يعكس توجهاً أميركياً جديداً نحو إعادة تقييم العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية مع الدول التي تستضيف هذه الممرات المائية.

هذه التصريحات أثارت ردود فعل متباينة، خاصة في مصر، حيث تُعد قناة السويس مصدراً حيوياً للنقد الأجنبي، وتستهدف تحقيق إيرادات تصل إلى 7 مليارات دولار بنهاية العام الجاري. 

أسوأ تغريدة: إطلاق عملة ترمب

في 17 يناير، غرّد ترمب قائلاً: "فخور بإطلاق عملتنا الرقمية الجديدة $Trump! استثمروا الآن".

أثارت هذه التغريدة موجة من الانتقادات، حيث اتُّهم ترمب بتضارب المصالح واستغلال منصبه لتحقيق مكاسب شخصية.

أغرب تغريدة: كندا الولاية 51

في 15 فبراير، كتب ترمب: "كثير من الكنديين يرغبون في أن تصبح كندا الولاية الـ51. فكرة تستحق التفكير!".

أثارت التغريدة موجة من السخرية والجدل السياسي في كندا والولايات المتحدة، واعتُبرت من أغرب ما نُشر خلال الفترة.

تغريدات فجرت أزمات

تركزت أبرز الأزمات في تغريداته تجاه الصين، أبرزها تهديده في 7 أبريل بفرض رسوم بنسبة 50%، ثم رفعها إلى 125% في 9 أبريل، مع اتهام بكين بالاحتيال التجاري.

وفي مارس، هدّد ترمب بفرض رسوم بنسبة 200% على النبيذ الأوروبي، كما فرض رسوماً جديدة على واردات من كندا وأستراليا.

تغريدات أثارت شبهات

أبرزها تغريدة "الشراء الآن"، التي كتبها قبل ساعات من تجميد رسوم جمركية، مما أثار تساؤلات حول إمكانية استغلال المعلومات. كما هاجم في منشور بعيد الفصح خصومه السياسيين بشكل لاذع.

كما أثار ترمب جدلاً واسعاً عقب ترويجه لفيديو بالذكاء الاصطناعي يتخيل غزة كمشروع سياحي فاخر يحمل اسمه "ترمب غزة"، إضافة إلى اقتراحه إعادة توطين سكان القطاع في دول مجاورة، وهي مواقف قوبلت بانتقادات حادة دولياً وعربياً.

أبرز الشخصيات المستهدفة في تغريدات ترمب

جيروم باول– رئيس الاحتياطي الفيدرالي، وكتب ترمب عنه: "جيروم باول هو خاسر كبير. ومتأخر دائماً، خفض الفائدة لا يأتي بسرعة كافية!" ووقتها انقلبت الأسواق رأساً على عقب بسبب الخوف من إقالة ترمب لباول أو على الأقل الضغط عليه لخفض الفائدة، خاصة بعدما قال إن الفيدرالي سيتحمل عواقب التداعيات الناتجة عن سياسة الرسوم الجمركية ما لم يخفض الفائدة بسرعة كافية. لكن ترمب عاد وطمأن الأسواق بعدها أنه "لا نية لإقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي".

جو بايدن– الرئيس الأميركي السابق، الهجوم على بايدن بشكل كثيف ومركز يظهر في عدة تغريدات على صفحة ترمب، حيث كتب في أحدها: "بايدن ترك البلاد في حالة فوضى. نحن نعمل على تصحيح الأمور"، واتهمه في أخرى أنه السبب في وجود عدد كبير من المجرمين والمهاجرين غير الشرعيين في البلاد.

القضاة والمعارضون السياسيون، وصف ترمب بعض القضاة بـ"المنحازين"، واتهم خصومه بـ"خيانة الأمة" بعد رفع عدة قضايا عليه والتي كان آخرها مقاضاة 12 ولاية له بسبب سياسة الرسوم الجمركية، مما عمّق الانقسام السياسي وأثار جدلاً حول احترامه للمؤسسات.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فعلى الرغم من العلاقات الدافئة إلى حد ما بين ترمب وبوتين لكنه مع ذلك لم يتردد في الهجوم عليه قائلاً: "فلاديمير، توقف!" في تغريدة مثيرة جاءت عقب هجوم روسي على كييف، ووصفها البعض بالاستفزازية والسطحية.

ومن بوتين إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي انتقده ترمب مراراً واعتبره "ضعيفاً وغير قادر على السيطرة على بلاده"، داعياً إلى حل تفاوضي ينهي النزاع "قبل أن تتفاقم الفوضى" بعد هجومه عليه في اللقاء الشهير الذي جمع بين ترمب وزيلينسكي في البيت الأبيض.

أبرز الدول التي استهدفتها تغريدات ترمب

كانت أكثر الدول محط التركيز في تغريدات ترمب هي:

  • الصين (5 تغريدات) شملت: رفع رسوم، واتهامات بالاحتيال، وإنهاء المحادثات.
  • كندا (3 تغريدات) وركزت على: فرض رسوم، واقتراح ضمها ولاية، وتوتر سياسي.
  • المكسيك (تغريدتان): تهديد برسوم، وضغوط أمنية.
  • الاتحاد الأوروبي (تغريدتان): تهديد برسوم على النبيذ والشمبانيا.
  • أستراليا (تغريدة واحدة): رسوم جديدة على الواردات.
  • غزة/فلسطين (أكثر من تغريدة مباشرة وغير مباشرة): فيها تلميحات لتفريغ القطاع من سكانه وتأييد واضح للعمليات العسكرية الإسرائيلية.

أكثر المواضيع والكلمات تكراراً

كانت الكلمات الأكثر وروداً في تغريدات ترمب على الترتيب، هي: السياسات التجارية: 40%، والاقتصاد والأسواق: 25%، والهجرة والحدود: 15%، والسياسة الداخلية: 10%، والشؤون الدولية: 10%.

متى يغرد ترمب؟

أظهرت بيانات التغريدات أن ترمب يفضل التغريد في ساعات مبكرة من الصباح أو قبيل افتتاح الأسواق، ما يُشير إلى محاولته التأثير المباشر في معنويات المستثمرين أو خلق صدمة إعلامية قبل تعليقات الخصوم. توقيت التغريدات نفسه أصبح أحد أدوات إدارة الأزمات أو توجيه الرأي العام.

من يخاطب ترمب؟

رغم الطابع العام لتغريداته، إلا أن تحليل مضمونها يظهر أنها موجهة لجمهور مختلف كل مرة: التغريدات الاقتصادية تخاطب وول ستريت، التغريدات ضد الهجرة تخاطب الناخبين المحافظين، والتغريدات الموجهة إلى الصين أو غزة تخاطب الخارج.

هذا التباين في الجمهور يعكس نهجاً مدروساً في توظيف منصة "تروث سوشيال".

تغريدة تراجعت عنها الإدارة الأميركية

من أبرز الأمثلة، تغريدة ترمب عن "الشراء الآن" في 9 أبريل، والتي أعقبها بيان رسمي من البيت الأبيض لتوضيح أنها لا تمثل نصيحة مالية.

كذلك التغريدة التي تحدَّث فيها عن خطة إعادة توطين سكان غزة قوبلت بصمت عميق من مستشاريه بعد الانتقادات الدولية، ما يعكس الفجوة أحياناً بين تغريدات الرئيس والمؤسسة التنفيذية.

هل تغيرت نبرة ترمب بين ولايتيه؟

عند مقارنة تغريدات ترمب بين عامي 2017 و2025، يمكن ملاحظة تغير طفيف في الأسلوب: أقل تهكماً، لكن أكثر تهديداً، وأكثر استخداماً لمصطلحات اقتصادية وتجارية.

كما اتجه إلى استخدام مقاطع فيديو ورسوم بيانية، ما يعكس تطوراً في أدواته الإعلامية.

تفاعل الجمهور بين التأييد والسخرية

بعض التغريدات حصدت تفاعلاً غير مسبوق، مثل تغريدة "فلاديمير، توقف!" التي أثارت موجة من النكات والرسوم الساخرة، فيما لاقت تغريدته عن البنية التحتية تأييداً من جمهور متنوع.

هذا التفاعل يُظهر أن ترمب لم يخاطب أنصاره فقط، بل أثار أيضاً جمهوراً واسعاً من المعارضين، ساهموا في تضخيم صوته عبر التداول والردود.

ختاماً، يمكن القول إنه من تغريدة التنصيب إلى إعلان "يوم التحرير"، ومن إطلاق عملة مشفرة إلى اتهامات القضاء، ومن غزة إلى كييف، كانت تغريدات ترمب أداة مباشرة لإدارة السلطة.

خلال 100 يوم فقط، شكّلت هذه التغريدات عناوين للصحف، وحركت الأسواق، وأشعلت الجدل في الداخل والخارج، لتُرسخ حقيقة واحدة: في عهد ترمب، السياسة تبدأ من منشور قصير على "تروث سوشيال".

هذا المحتوى من "اقتصاد الشرق مع بلومبرغ".

تصنيفات

قصص قد تهمك