في وقت يتزايد فيه التنافس الإقليمي والدولي على مناطق النفوذ في القرن الإفريقي، تُولي إسرائيل اهتماماً خاصاً بتعزيز وجودها في إثيوبيا التي تعتبرها "بوابة إفريقيا" بالنسبة لها، الأمر الذي تجسَّد مؤخراً في إطلاق منتدى الأعمال المشترك الأول من نوعه بين أديس أبابا وتل أبيب، وسبقه قبل أشهر قليلة توقيع اتفاقية لتعزيز التعاون في مجالات عدة.
وتعكس الزيارة الرسمية لوزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، التي بدأها الاثنين، تحولاً استراتيجياً في أدوات تل أبيب الخارجية، وخاصة في منطقة تشهد تحولات استراتيجية متسارعة.
والتقى ساعر خلال الزيارة برئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وبحث الجانبان عدداً من القضايا الثنائية والإقليمية بالمنطقة. كما اجتمع مع نظيره الإثيوبي جيديون تيموثيوس، حيث أكدا أهمية تعزيز التعاون الثنائي ومعالجة القضايا الإقليمية والدولية المشتركة.
وقال آبي أحمد عبر منصة "إكس"، إن العلاقة مع إسرائيل "قوية وراسخة"، لافتاً إلى أن "الشراكة مع تل أبيب تمتد إلى المجالات الاقتصادية والدبلوماسية والاجتماعية".
وجاءت زيارة ساعر بعد أسابيع قليلة من زيارة وزير الخارجية الإثيوبي إلى إسرائيل في مارس الماضي، وفي ظل وجود رفض من دول إفريقية للوجود الإسرائيلي في القارة، وهو ما تجلَّى في طرد سفير إسرائيل لدى إثيوبيا إيلي أدامسو من مقر الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا أثناء انعقاد الاجتماع السنوي للاتحاد.
إثيوبيا.. بوابة إسرائيل نحو إفريقيا
وحملت زيارة ساعر إلى أديس أبابا دلالات استراتيجية لإسرائيل، إذ تعتبر أن إثيوبيا "شريك استراتيجي" و"بوابة لإفريقيا"، ويعكس هذا الوصف اهتمام تل أبيب بإثيوبيا كمركز نفوذ إقليمي وقاعدة انطلاق محتملة لتوسيع حضورها في القارة السمراء.
وأكد اصطحاب وزير الخارجية الإسرائيلي لوفد ضم عشرات من رجال الأعمال وممثلي شركات إسرائيلية على الجانب الاقتصادي المحوري للزيارة.
كما أشار إطلاق أول منتدى للأعمال، بمشاركة شركات ورجال أعمال ومسؤولين من الجانبين، إلى وجود رغبة كبيرة في ترجمة التفاهمات السياسية إلى فرص استثمارية وتجارية ملموسة.
واعتبر خبراء ومحللون أن منتدى الأعمال الإثيوبي الإسرائيلي بمثابة "منصة لإعادة رسم ملامح النفوذ الإسرائيلي في شرق إفريقيا"، وذلك من خلال أدوات مثل "الاستثمار، والتكنولوجيا، والدعم المؤسسي".
وقال المحلل السياسي الإثيوبي كبدي هايلي لـ"الشرق" إن زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إلى أديس أبابا "محطة مهمة في مسار العلاقات بين البلدين، وتشير إلى تحول نوعي في طبيعة الشراكة بينهما".
وأضاف هايلي: "يبدو أن إسرائيل قررت استغلال الفراغ الاقتصادي الذي تركته بعض الدول، لتعزز حضورها من خلال استثمارات مبتكرة، وهو ما أكدته في منتدى الأعمال الذي عُقد تحت شعار تعزيز العلاقات الثنائية من خلال الابتكار".
ويرى أن "تل أبيب قدمت نفسها كمساهم رئيسي في الحلول التكنولوجية والاقتصادية التي تحتاج إليها إثيوبيا لتسريع وتيرة تحولها الاقتصادي".
وبحسب هايلي، فإن الشراكة مع إسرائيل "توفر فرصة ثمينة لإثيوبيا لتوسيع نطاق تحالفاتها الاقتصادية، بعد أن أظهرت تل أبيب اهتماماً بتوسيع استثماراتها في مجالات حيوية مثل الزراعة الدقيقة والري الذكي والتكنولوجيا الحديثة، وهي مجالات ليست فقط محورية لتنمية الاقتصاد الإثيوبي، بل أيضاً تشكل حجر الزاوية في رؤيتها لتحويل نفسها إلى قوة صناعية إقليمية في المستقبل".
إسرائيل.. "سياسة الاقتصاد الهادئ"
وتأمل إسرائيل من خلال هذه الزيارة في ترسيخ مكانتها كمستثمر رئيسي في القطاعات الاستراتيجية في إثيوبيا، ما يفتح أمامها آفاقاً جديدة لتوسيع تأثيرها في منطقة القرن الإفريقي.
وفي كلمة له أمام المنتدى الاقتصادي الإثيوبي الإسرائيلي، أكد ساعر على أهمية الشراكة الاقتصادية مع إثيوبيا، مشيراً إلى أن بلاده تنظر إلى هذه العلاقة باعتبارها "نموذجاً للتعاون المثمر الذي يربط بين التقدم التكنولوجي والتنمية الاقتصادية المستدامة"، ما يعكس سعي إسرائيل للعب دور في تحولات القرن الإفريقي.
من جهته، يرى الباحث والمحلل السياسي زكريا إبراهيم، أن إسرائيل تبحث عن موطئ قدم أوسع في شرق إفريقيا باستخدام أدوات وأساليب جديدة، من خلال انتهاج سياسة "الاقتصاد الهادئ".
وقال إبراهيم لـ"الشرق": "بالنسبة لإسرائيل، فإن إثيوبيا تُمثّل بوابة لمنطقة القرن الإفريقي، التي تشكّل نقطة التقاء لمصالح قوى إقليمية ودولية كبرى".
وأشار إلى أنه "في ظل التنافس المتصاعد في إفريقيا، تسعى تل أبيب إلى توسيع حضورها الاقتصادي والدبلوماسي عبر أدوات القوة الناعمة، لاسيما الابتكار الزراعي والتقنيات المتقدمة، وهي مجالات مطلوبة في إثيوبيا، التي تتطلع إلى تحفيز اقتصادها الرقمي والصناعي".
وعن إشارة وزير الخارجية الإسرائيلي خلال كلمته بمنتدى الأعمال المشترك إلى أن "إثيوبيا وإسرائيل قوتان إقليميتان تجمعهما صداقة مشتركة ومستقبل مشترك"، أشار إبراهيم إلى أنها "لا تخلو من بُعد رمزي مدروس، هدفه توطيد العلاقة بما يتجاوز المصالح الظرفية، ووضع أسس لتحالف طويل الأمد يُبقي لإسرائيل موضع تأثير فعّال في المعادلة بمنطقة القرن عبر إثيوبيا".