"نيويورك تايمز": استراتيجية ترمب في أوكرانيا أنها "لم تعد مشكلتي"

بعد مكالمته مع بوتين.. ترمب يتخلى عن تهديده بعقوبات على روسيا ويسعى لصفقات مع موسكو

دبي-الشرق

تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن الانضمام إلى الجهود الأوروبية لفرض عقوبات جديدة على روسيا، مبدياً رغبة في الانتقال إلى إبرام صفقات تجارية معها، مما يشير إلى "تحول" في موقفه تجاه موسكو، حسبما نقلت "نيويورك تايمز" عن مسؤولين مطلعين.

وأضافت الصحيفة أن ترمب بدأ على ما يبدو في تنفيذ هذا التوجه، بعد المكالمة الهاتفية التي أجراها، الاثنين، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ويأتي هذا التحول بعد أشهر من تهديد ترمب بالانسحاب من مفاوضات وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا.

وبعد اتصاله ببوتين، أبلغ ترمب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقادة أوروبيين آخرين أن على روسيا وأوكرانيا أن تتوصلا إلى حل للصراع بينهما بأنفسهما، وذلك بعد أيام فقط من تأكيده أنه وبوتين وحدهما من يملكان القدرة على التوسط في اتفاق.

كما تراجع عن تهديداته السابقة بالانضمام إلى حملة الضغط الأوروبية التي تشمل فرض عقوبات جديدة على موسكو، وفقاً لستة مسؤولين مطلعين على النقاش، تحدثوا إلى الصحيفة شريطة عدم كشف هويتهم؛ بسبب طبيعة المحادثات الخاصة.

وتسلط روايتهم الضوء على قرار ترمب التخلي عن عملية السلام التي وعد سابقاً بحلها في غضون 24 ساعة فقط، وفق "نيويورك تايمز".

وأعلنت المفوضية الأوروبية، الثلاثاء، موافقة الاتحاد الأوروبي على فرض 4 حزم من العقوبات الجديدة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، بما في ذلك الحزمة السابعة عشرة التي تستهدف أسطول الظل الروسي، وإجراءات تتعلق بالأسلحة الكيميائية وحقوق الإنسان وتهديدات أخرى.

ولكن، وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو قال الثلاثاء، إن الرئيس دونالد ترمب يعتقد أن روسيا ستنسحب على الأرجح من محادثات السلام بشأن أوكرانيا في حال هددتها الولايات المتحدة بفرض مزيد من العقوبات.

"سلام بأي ثمن"

واعتبرت الصحيفة أن مكالمة الاثنين الماضي، "تمنح بوتين ما كان يريده تماماً"، ما لم يتراجع عنه ترمب مجدداً.

وأوضحت أن توجه ترمب لا ينهي الضغوط الأميركية فحسب، بل أيضاً يخلق شرخاً عميقاً داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين التقليديين، الذين أعلنوا أنهم ماضون في فرض العقوبات. 

وبالنسبة لكثيرين، لم يكن قرار ترمب مفاجئاً؛ فقد بدا واضحاً منذ لقائه المتوتر مع زيلينسكي في المكتب البيضاوي في 28 فبراير، ثم باستقالة السفيرة الأميركية في كييف.

وكتبت بريدجيت إيه. برينك، السفيرة السابقة والدبلوماسية المخضرمة، عقب مغادرتها كييف الشهر الماضي: "سياستنا منذ بداية إدارة ترمب كانت الضغط على الضحية، أوكرانيا، وليس على المعتدي، روسيا... السلام بأي ثمن ليس سلاماً حقيقياً، بل هو استرضاء".

واعتبرت "نيويورك تايمز"، أن ترمب اكتشف أنه لا يستطيع تحقيق السلام بأي ثمن، لأن بوتين رفض مبادراته، حتى بعد أن صرح وزير الدفاع الأميركي، بيت هيجسيث، بأن أوكرانيا لن تنضم أبداً إلى الناتو، ويجب أن تتخلى عن آمالها في استعادة جميع الأراضي التي استولت عليها روسيا، وهما مطلبان أساسيان لبوتين، لم يكن ذلك كافياً للتوصل إلى وقف لإطلاق النار.

ورغم أن ترمب معروف بتفضيله الضغط المالي، عبر التهديد بفرض رسوم جمركية وعقوبات على الحلفاء والخصوم على حد سواء، فإن مسؤولاً في البيت الأبيض قال لـ"نيويورك تايمز" إن هذه الحالة مختلفة.

وأوضح المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه للحديث عن مكالمات الرئيس الخاصة، أن فرض عقوبات إضافية على روسيا سيعيق فرص الأعمال، في وقت يسعى فيه الرئيس إلى تعظيم الفرص الاقتصادية للأميركيين.

وفي مواجهة الانتقادات، أشار مسؤولون أميركيون، من بينهم وزير الخارجية ماركو روبيو، إلى أن العقوبات الحالية على روسيا، التي فُرض معظمها بعد هجوم روسيا على أوكرانيا في العام 2022، لا تزال سارية، كما أن تبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا مستمر.

وقال روبيو خلال جلسة في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، الثلاثاء: "حين استيقظ فلاديمير بوتين هذا الصباح، كانت العقوبات المفروضة منذ بداية هذا النزاع لا تزال سارية"، مضيفاً أن أوكرانيا لا تزال تتلقى أسلحة من الولايات المتحدة وحلفائها.

وأكد روبيو أن "ترمب يحاول إنهاء حرب دامية ومكلفة لا يمكن لأي طرف أن يخرج منها منتصراً". 

لكن الرسائل الضمنية من مكالمة ترمب مع زيلينسكي والقادة الأوروبيين تفيد بأن عصر الإنفاق الأميركي على الجهود الدبلوماسية، وتسليح أوكرانيا، وفرض العقوبات الاقتصادية على روسيا "يوشك على الانتهاء".

مواصلة التفاوض

وقال عدد من المسؤولين الأوروبيين إن الرسالة التي تلقوها من تلك المكالمة مفادها ألا يتوقعوا انضمام الولايات المتحدة إليهم قريباً في تكثيف الضغوط الاقتصادية على بوتين.

ويُعد ذلك تحولاً في موقف ترمب. ففي منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأشهر الماضية، هدد الرئيس الأميركي بشكل متكرر بفرض رسوم وعقوبات على روسيا إذا لم توافق على إعلان وقف إطلاق نار غير مشروط لمدة 30 يوماً.

ففي منشور على منصة "تروث سوشيال" في 8 مايو، بعد اتصال مع زيلينسكي، كتب ترمب: "إذا لم يُحترم وقف إطلاق النار، فإن الولايات المتحدة وشركاءها سيفرضون عقوبات إضافية".

وكرر الموقف ذاته خلال مكالمة مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، خلال زيارتهم لكييف قبل 10 أيام، حيث حددوا مهلة زمنية لبوتين للتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار.

لكن بعد مكالمة ترمب مع بوتين، الاثنين، تبخرت تلك الالتزامات، إذ امتنع الرئيس الأميركي، سواء في العلن أو خلال حديثه مع القادة الأوروبيين، عن تأكيد تهديده السابق. 

اقرأ أيضاً

ترمب: طلبت لقاء بوتين.. وعقد محادثات بين روسيا وأوكرانيا في الفاتيكان سيكون رائعاً

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه سيكون من الرائع أن تعقد روسيا وأوكرانيا محادثات في الفاتيكان لوقف الحرب، مشيراً إلى أن ذلك سيضفي أهمية إضافية على المفاوضات.

وفي تصريحاته العلنية، ألمح ترمب إلى أن اتصاله مع بوتين أسفر عن "انفراجة" ما، لكن سرعان ما تبين للأوكرانيين والأوروبيين أن بوتين "لم يقدم أي تنازلات حقيقية، سوى مواصلة التفاوض"، وهو أمر تفعله روسيا بالفعل، ولو بطريقة غير جدية، إذ أرسلت فريقاً إلى إسطنبول الأسبوع الماضي لإجراء محادثات مع الأوكرانيين.

وكان ترمب وعد خلال حملته الانتخابية بأنه سيتوصل إلى اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا في غضون 24 ساعة، واصفاً ذلك بأنه مهمة سهلة لـ"مفاوض بارع". لكنه اكتشف لاحقاً أن الأمر أصعب بكثير مما تصوره، ويقول الآن إنه كان "يمزح قليلاً" عندما طرح ذلك الإطار الزمني، بحسب "نيويورك تايمز".

وبسبب الإحباط من بطء التقدم وتعنت بوتين، ألمح ترمب علناً إلى رغبته في الانسحاب من المفاوضات، وكتب في منشوره، الاثنين، أنه يتطلع إلى إخراج الولايات المتحدة من هذه النقاشات والتركيز على عقد صفقات تجارية مع روسيا.

وكتب ترمب أن "شروط إنهاء الحرب سيتفاوض عليها الطرفان المعنيان، كما يجب أن يكون، لأنهما وحدهما يعلمان تفاصيل التفاوض التي لا يعلم بها أحد سواهما".

ثم انتقل إلى ما يعتبره بعض القادة الأوروبيين هدفه الحقيقي، وهو "تطبيع العلاقات بين واشنطن وموسكو".

وأضاف: "روسيا ترغب في إبرام صفقات تجارية واسعة النطاق مع الولايات المتحدة بعد انتهاء هذه المذبحة الكارثية، وأنا أوافق... هناك فرصة هائلة لروسيا لخلق ثروة هائلة ووظائف كثيرة. إمكاناتها غير محدودة".

ولكن من غير الواضح كيف سيبدو هذا التطبيع. ففي ولايته الأولى، انسحب ترمب من عدة معاهدات كبرى للحد من التسلح مع روسيا، والمعاهدة الأخيرة المتبقية - "نيو ستارت"، التي تحد من عدد الأسلحة النووية العابرة للقارات - ستنتهي في فبراير 2026، ولا توجد حتى الآن مفاوضات لتمديدها.

لكن ترمب كان حريصاً على مساعدة الشركات الأميركية على الاستفادة من قطاع الطاقة الروسي والمعادن الأرضية النادرة، إلى جانب مجالات استثمارية محتملة أخرى. ومع ذلك، شدد ترمب وفريقه للأمن القومي حتى الآن على أن أي من هذه الصفقات لن يتم قبل التوصل إلى اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا.

وقالت "نيويورك تايمز"، إنه يبدو أن بوتين يدرك رغبة ترمب في إبرام صفقات تجارية، ووجه معظم محادثاتهما نحو مناقشة الإمكانات الاقتصادية للعلاقات بين البلدين، وفقاً لأشخاص مطلعين على تفاصيل المكالمات الهاتفية بينهما.

وقال مسؤول أوروبي رفيع شارك في المناقشات المغلقة إن ترمب لم يبدُ في أي مرحلة اهتماماً بالانضمام إلى فرض العقوبات على روسيا في حال رفضت الالتزام بوقف إطلاق النار غير المشروط. وأكد أن تهديداته بدت في الغالب "استعراضية"، إذ لم تشارك الولايات المتحدة في وضع العقوبات الجديدة الكبرى.

ورجحت الصحيفة أن يبلغ الخلاف بين الأميركيين والأوروبيين بشأن دعم أوكرانيا ذروته في قمتين مرتقبتين: الأولى لمجموعة السبع في كندا منتصف يونيو المقبل، والثانية لقمة الناتو في لاهاي بعدها بأيام. 

تصنيفات

قصص قد تهمك