تواجه إسرائيل مخاطر اقتصادية ومالية كبيرة بعد تزايد الضغوط الغربية عليها، على خلفية الحصار الإنساني الذي تفرضه على غزة منذ أكثر من 11 أسبوعاً، إذ علقت بريطانيا محادثتها التجارية معها، فيما هدد الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات ومراجعة اتفاقية الشراكة، في خطوة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين الجانبين.
وأعلنت الحكومة البريطانية، الثلاثاء، تعليق محادثات التجارة الحرة مع إسرائيل، وذلك رداً على الحرب المدمرة التي تشنها على قطاع غزة، فيما قالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس، إن اتفاقية الشراكة بين التكتل وإسرائيل سيتم مراجعتها.
وكان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الكندي مارك كارني أصدروا، الاثنين، واحدة من أهم الانتقادات لتعامل إسرائيل مع الحرب على غزة.
وهدد الزعماء الثلاث باتخاذ "إجراءات إذا لم توقف حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هجومها العسكري المتجدد، وترفع القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية بشكل ملموس".
"دولة منبوذة أخلاقياً"
وذكرت صحيفة "ذا ماركر" الإسرائيلية أن "دولة منبوذة أخلاقياً لن تحصل على القيمة الكاملة لأصولها، بما في ذلك الأسهم، والسندات، والشركات الناشئة والأعمال الخاصة".
وأضافت أن "صناديق استثمارية كبرى بدأت بسحب استثماراتها من شركات إسرائيلية؛ بسبب اتهامات بارتكاب جرائم حرب، أبرزها صندوق الثروة السيادي النرويجي الذي باع استثماراته في شركات مثل "باز"، و"بيزك"، و"بنك هبوعليم".
وتمتلك النرويج صندوق الثروة السيادي الأكبر في العالم، بقيمة إجمالية تبلغ نحو 1.8 تريليون دولار، وقرر الصندوق في الأشهر الأخيرة تصفية وبيع استثماراته في عدد من الشركات الإسرائيلية، بسبب أنشطة إسرائيل في غزة والضفة الغربية.
وأضافت أن "الضرر لا يقتصر على الأسهم، بل يشمل السندات، والشركات الناشئة، والقطاع العقاري، وحتى العلامة التجارية لإسرائيل التي باتت ترتبط بأعمال تُعتبر انتهاكاً لحقوق الإنسان، ما يقلل من جاذبيتها للمستثمرين".
وشددت على أن الاتجاه لتصفية الاستثمارات بات يكتسب زخماً دولياً، إذ دعا سياسيون يابانيون لبيع سندات إسرائيل، فيما سحبت صناديق إيرلندية استثماراتها من البنوك الإسرائيلية الكبرى.
وشبهت الصحيفة الوضع الحالي في إسرائيل بما حصل في جنوب إفريقيا في عهد "الأبارتهايد" (الفصل العنصري)، بعدما تراجعت الأسهم والسندات، وانهار سعر العملة، وتدهورت مؤشرات السوق بسبب العزلة الدولية.
الشراكة مع أوروبا على المحك
وقال الاتحاد الأوروبي إن اتفاقية التجارة مع إسرائيل ستخضع للمراجعة في ظل الوضع "الكارثي" في قطاع غزة.
وذكرت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس بعد اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد أن التكتل سيراجع اتفاقية الشراكة مع إسرائيل؛ بسبب الوضع في قطاع غزة.
وذكرت كالاس أن "أغلبية قوية" من وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المجتمعين في بروكسل يؤيدون مثل هذه المراجعة.
والاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري لإسرائيل، وهو أكبر حتى من الولايات المتحدة.
ويمثل اتفاق الشراكة البنية التحتية للعلاقات التجارية بين إسرائيل والتكتل، إذ يمنح تل أبيب وصولاً شبه حر من الرسوم الجمركية إلى السوق الأوروبية، ويوفر مشاركة في برامج بحث متقدمة، ويفتح الأبواب للأكاديمية الأوروبية، ويتيح، من بين أمور أخرى، الاستفادة من رحلات جوية رخيصة.
لكن من بين بنود الاتفاق يوجد أيضاً البند 2، المعروف باسم "البند الجوهري"، والذي ينص على التزام الطرفين باحترام حقوق الإنسان، وهذا البند الذي كان يُنظر إليه في الماضي كبند إعلاني، أصبح الآن حجر عثرة وأداة ضغط رئيسية في يد جهات في أوروبا تسعى للعمل ضد إسرائيل، وفق "تايمز أوف إسرائيل".
وفي إطار اتفاق الشراكة، تستفيد إسرائيل من دخول حر إلى سوق تضم أكثر من 440 مليون مستهلك، وفي عام 2024 كان 34% من الواردات، و29% من الصادرات الإسرائيلية مع دول الاتحاد.
ضرر التجارة والطيران والبحث العلمي
وفي حال تم إلغاء اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، قد تواجه إسرائيل فرض رسوم جمركية على منتجات تصدّرها إلى أوروبا من التكنولوجيا المتقدمة والمعدات الطبية وحتى المنتجات الزراعية، وهو ما يمثل ضرراً جسيماً في القدرة التنافسية للصادرات الإسرائيلية في السوق الأوروبية، وانخفاضاً كبيراً في حجم التصدير.
وإلى جانب الأضرار التجارية، من المتوقع أن تتأثر مجالات أخرى أيضاً، بما فيها اتفاق "السماء المفتوحة" الذي أحدث ثورة في مجال الطيران وخفض أسعار التذاكر بشكل كبير للمستهلك الإسرائيلي، وبالتالي، إلغاؤه قد يؤدي إلى تقليص عدد الرحلات، وزيادة أسعارها، وإلحاق الضرر بقطاع السياحة الوافدة.
كما قد يتضرر مجال البحث والتطوير أيضاً، فإسرائيل لاعب مركزي في برامج البحث التابعة للاتحاد الأوروبي. وبين عامي 2021 و2024، حصلت جهات إسرائيلية على أكثر من 1.1 مليار يورو من برنامج "هورايزن".
كما أن تجميد برنامج "إيراسموس"، الذي يتيح تبادل الطلاب والمحاضرين، قد يُضر بالعلاقات الأكاديمية المهمة.