حث وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الدبلوماسيين الأميركيين على إعطاء الأولوية لتعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية حول العالم، معتبراً في الوقت نفسه أنه "لا ضير في الإقرار" بالمشكلات والتحديات الداخلية في أميركا.
وقال بلينكن في برقية مطولة أُرسلت، الجمعة، إلى السفارات الأميركية حول العالم، حصلت مجلة "بوليتيكو" الأميركية على نسخة منها، إن "الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في كل مكان، لا يتعارض مع المصالح القومية الأميركية ولا مع أمننا القومي".
وأضاف: "إنه يخدم بشكل مباشر المصالح الوطنية الأميركية، ويعزز أمننا القومي عند حماية وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم".
أولويات دبلوماسية
وأوردت رسالة بلينكن عدة أولويات تتعلق بالنشاط الدبلوماسي الأميركي في المستقبل، تشمل دعم الحركات من أجل الإصلاح الديمقراطي في البلدان ذات الأهمية الاستراتيجية وشركاء الولايات المتحدة المقربين، وتزويد المواطنين بالوسائل اللازمة لمكافحة تقنيات المراقبة مع تعزيز وصولهم إلى المعلومات، واتخاذ تدابير صارمة ضد الفساد، ومنع الانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن في الخارج.
وأشار بلينكن إلى أن الديمقراطية باعتبارها مفهوماً تواجه تحديات في جميع أنحاء العالم من القوى الشعبوية والسلطوية، والولايات المتحدة لم تسلم من هذا التيار، بفضل "الاستقطاب السياسي، والتضليل الإعلامي والمعلومات الخاطئة، وانخفاض مستويات الثقة في الحكومة". كما أنها لم تكن في مأمن من الإخفاقات في مجال حقوق الإنسان، إذ لا يزال الكثير من الأميركيين يواجهون التمييز على جبهات متعددة.
وتابع: في سياق تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية في الخارج، ينبغي على الدبلوماسيين الأميركيين أن يوضحوا "أننا لا نطلب من الدول الأخرى أكثر مما نطلبه من أنفسنا"، موضحاً: "هذا يعني أننا نقر بعيوبنا. ولا نغض عنها الطرف. ونواجهها بصراحة وشفافية".
ومضى قائلاً: ربما يكون الأمر "مؤلماً، وحتى قبيحاً"، لكن تلك النزاهة "تساعد على إسكات المنتقدين والمتشككين الذين ربما يستغلون سجلنا غير المثالي في الوطن لتقويض قيادتنا العالمية بشأن هذه القضايا".
وأشارت المجلة إلى أنه على الرغم من أن بلينكن لم يذكر أي منتقدين محددين، تشير حكومتا روسيا والصين غالباً إلى المشكلات الأميركية على الجبهات العرقية، وغيرها، للتشكيك في مصداقية الولايات المتحدة في تعزيز حقوق الإنسان.
"حسابات دقيقة"
واعتبر بلينكن في برقيته، أنه "سيتعين على الولايات المتحدة إجراء بعض الحسابات الدقيقة في كيفية موازنة مصالحها الوطنية العديدة، مع شركائها الدوليين الذين يواجهون اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان".
وكتب أنه حتى عند الحفاظ على العلاقات مع هذه الحكومات، "ينبغي علينا دائماً أن نستمر في توضيح ما يساورنا من مخاوف، والبحث عن سبل لممارسة ضغط فعال على تلك الدول لدعم المعايير الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان".
وزاد: "ورغم أننا سنحتاج في بعض الحالات إلى تعديل الضغط الذي نمارسه لتجنب حدوث شرخ في العلاقة، لا توجد علاقة أو موقف نتوقف فيه عن الإعراب عن مخاوف إزاء حقوق الإنسان".
في هذا السياق، أقر كبار المسؤولين في وزارة الخارجية بأنه ينبغي النظر في كل موقف على أساس كل حالة على حدة، لتحديد التكتيك الذي سيعمل بشكل أفضل، لكنهم قالوا إنه لا ينبغي أن تكون هناك حالة تقرر فيها الولايات المتحدة أنها لا تستطيع الإعراب عن مخاوفها مع حكومة ما.
اجتماعات مع الحقوقيين
بلينكن وجه الدبلوماسيين الأميركيين لاتخاذ عدد من الخطوات، بما في ذلك المشاركة بانتظام مع المدافعين عن حقوق الإنسان وممثلي المجتمع المدني في البلدان التي يعملون فيها، لا سيما تلك "التي تتعرض فيها الديمقراطية أو حقوق الإنسان للتهديد"، وأوصى مسؤولي وزارة الخارجية الذين يسافرون إلى الخارج بإدراج الاجتماعات مع هؤلاء النشطاء في جداولهم.
وطلب بلينكن من الدبلوماسيين الأميركيين بأن يرصدوا ويقدموا تقارير ليس فقط عن الوضع الداخلي لبلدهم المضيف، ولكن أيضاً كيف يتصرف هذا البلد في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية خارج حدوده وفي المؤسسات متعددة الأطراف.
كما دعا موظفي وزارة الخارجية إلى البحث عن سبل استخدام كل شيء من المساعدات العسكرية الأميركية إلى حظر التأشيرات لتعديل سلوك منتهكي الحقوق.
"قمة للديمقراطية"
وذكّر بلينكن الدبلوماسيين بأن إدارة بايدن تخطط لاستضافة "قمة من أجل الديمقراطية"، لكنه يذكر سوى القليل من التفاصيل حول تلك القمة، وأبقى بيانه غامضاً.
مع ذلك، أطلق الوزير الأميركي على التجمع المخطط له أنه "وسيلة لتطوير وتعزيز استراتيجية قوية لمواجهة التهديدات المعاصرة المتعددة للديمقراطية، مدعومة بالتزامات سياسية جديدة، وموارد مخصصة، وقيادة نشطة"، وتعهد بإرسال خطط وتوجيهات أكثر تفصيلاً في الأيام المقبلة.
ردود فعل سلبية
ورجحت المجلة أن دعوة بلينكن لمثل هذا الاعتراف بـ"أوجه القصور" الأميركية، ربما تواجه بعض ردود الفعل السلبية؛ إذ انتقد جمهوريون في الماضي الديمقراطيين، بمن فيهم الرئيس آنذاك باراك أوباما، رئيس بلينكن السابق، لقيامهما "بجولات اعتذار" والتسرع في "جلد الذات".
في وقت سابق من هذا الأسبوع، أعلن بلينكن أن إدارة بايدن قد دعت المُقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالأشكال المعاصرة للعنصرية، والمُقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بقضايا الأقليات للقيام بزيارة رسمية إلى الولايات المتحدة.
وقال وزير الخارجية أيضاً إن الإدارة تخطط لإصدار دعوة رسمية دائمة لجميع خبراء الأمم المتحدة الذين يتعاملون مع مسائل حقوق الإنسان الموضوعية. ورغم أن إعلانه لم يذكر ذلك على وجه التحديد، فهذا يعني ضمناً أن مبعوثي الأمم المتحدة ستكون لهم حرية التحقيق في انتهاكات الحقوق في الولايات المتحدة.
وأثار إعلان بلينكن، استنكار السناتور الجمهوري عن فلوريدا ماركو روبيو، الذي اتهم إدارة بايدن بالتركيز على ضرب أميركا أكثر من التركيز على ما اعتبره قضية أكثر إلحاحاً، وهو القمع في كوبا.
في المقابل، قال مسؤولون كبار في وزارة الخارجية، إنهم يعتقدون أن الولايات المتحدة ستكون أقوى وأكثر مصداقية على المدى الطويل من خلال إظهار بعض التواضع، وعلاوة على ذلك، قالوا إن هذا لا يعني أن الدبلوماسيين الأميركيين لا يمكنهم أيضاً تسليط الضوء على النجاحات الأميركية.
وقال أحد كبار المسؤولين: "لا يزال لدينا الكثير لنفخر به، وما زلنا نثق كثيراً في قدرتنا على الصمود، وما زلنا نثق بقدرتنا على تسوية هذه الأمور".
اقرأ أيضاً:





