ضغوط أميركية لمنع شركة هولندية من بيع آلة لصنع الرقائق الإلكترونية للصين

موظفون يجمعون آلة لأشباه الموصلات في شركة "إيه إس إم إل" الهولندية - 4 أبريل 2019 - REUTERS
موظفون يجمعون آلة لأشباه الموصلات في شركة "إيه إس إم إل" الهولندية - 4 أبريل 2019 - REUTERS
دبي - الشرق

تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً على هولندا، لمنع شركة "إيه إس إم إل" (ASML) من بيع مؤسسات في الصين آلة تُعتبر ضرورية لصنع المعالجات الإلكترونية الدقيقة المتقدمة، حسبما أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال".

ووصفت الصحيفة هذه الآلة بأنها "فريدة من نوعها"، مضيفة أن وزنها يبلغ 180 طناً. وتابعت أن شركات تستخدمها، بما في ذلك "إنتل" الأميركية، و"سامسونغ" الكورية الجنوبية، ومؤسسة Taiwan Semiconductor Manufacturing Co، الرائدة في التوريد لشركة "آبل" الأميركية، من أجل صنع رقائق في كل شيء، من الهواتف الذكية المتطورة ومعدات الجيل الخامس للإنترنت، إلى أجهزة الكمبيوتر المُستخدمة في الذكاء الاصطناعي، علماً أنها تعتمد نظام "طباعة حجرية" فوق بنفسجية.

وتريد الصين شراء هذه الآلة، التي تبلغ تكلفتها 150 مليون دولار، من أجل صانعي الرقائق المحليين، بحيث تصبح شركة "هواوي" العملاقة للهواتف الذكية، وشركات تكنولوجيا صينية أخرى، أقلّ اعتماداً على الموردين الأجانب. لكن "إيه إس إم إل" امتنعت عن تزويد بكين بهذه الآلة، لأن هولندا تجمّد ترخيص التصدير إلى الصين، بعد ضغوط من الولايات المتحدة.

وطلبت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من الحكومة الهولندية فرض قيود على بيع هذه الآلة، نتيجة مخاوف مرتبطة بالأمن القومي، علماً أن هذا الموقف اعتُمد خلال عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الذي تنبّه إلى القيمة الاستراتيجية لهذه الآلة، وتواصل مع مسؤولين هولنديين في شأنها، وفق الصحيفة.

حرب تكنولوجية باردة

واستهدفت واشنطن شركات صينية بشكل مباشر، مثل "هواوي"، وحاولت أيضاً إقناع حلفاء أجانب بتقييد استخدام معدات تلك الشركة، نتيجة مخاوف من تجسّس، تعتبر "هواوي" أنها بلا أساس. واعتبرت "وول ستريت جورنال" أن الضغط الذي يستهدف "إيه إس إم إل" وهولندا، مختلف، إذ يمثل شكلاً من الأضرار الجانبية في حرب تكنولوجية باردة أوسع نطاقاً بين الولايات المتحدة والصين.

الرئيس التنفيذي لشركة
الرئيس التنفيذي لشركة "إيه إس إم إل" بيتر فينينك خلال مؤتمر صحافي في فيلدهوفن - 22 يناير 2020 - REUTERS

ونبّه الرئيس التنفيذي للشركة الهولندية، بيتر فينينك، إلى أن قيود التصدير قد تأتي بنتائج عكسية.

وأضاف: "عندما يتعلّق الأمر بملفات تمسّ الأمن القومي، وتكون مستهدفة ومحددة، فإن ضوابط التصدير أداة صالحة. ومع ذلك، وفي إطار استراتيجية وطنية أوسع لقيادة أشباه الموصلات، على الحكومات التفكير في الكيفية التي يمكن أن تؤدي فيها هذه الأدوات، في حال الإفراط في استخدامها، إلى إبطاء الابتكار على المدى المتوسط، ​​من خلال تقليص البحث والتطوير". وتابع أنه على المديَين، القصير والمتوسط،​​ يمكن أن يؤدي استخدام واسع لضوابط التصدير إلى "تقليص حجم القدرة العالمية على تصنيع الرقائق، ما يؤدي إلى تفاقم مشكلات سلسلة التوريد".

وأشارت "وول ستريت جورنال"، إلى أن الضغوط الأميركية أدت إلى توتر في العلاقات "الصينية - الهولندية"، إذ يسأل مسؤولون صينيون، نظراء هولنديين بانتظام، عن سبب امتناعهم عن منح ترخيص، يتيح لشركة "إيه إس إم إل" شحن آلاتها إلى الصين.

وفي العام الماضي، قال السفير الصيني السابق لدى هولندا، لصحيفة محلية، إن العلاقات التجارية ستتضرّر، إن لم يُسمح للشركة بشحن أجهزتها المتطوّرة إلى الصين.

خطوط إمداد أشباه الموصلات

وبعد أقلّ من شهر على تنصيب بايدن، في الـ20 من يناير الماضي، تحدث مستشاره للأمن القومي، جيك سوليفان، مع نظيره الهولندي بشأن ما سمّاه البيت الأبيض "التعاون الوثيق بين البلدين في التكنولوجيا المتقدمة". وذكر مسؤولون أميركيون أن القيود المستمرة على تعامل "إيه إس إم إل" مع بكين، تصدّرت مهمات سوليفان.

وبدأ الضغط الأميركي خلال عهد ترمب، إذ دعا تشارلز كوبرمان، نائب مستشار الأمن القومي آنذاك، دبلوماسيين هولنديين إلى البيت الأبيض، في عام 2019، وقال لهم: "الحلفاء الجيدون لا يبيعون هذا النوع من المعدات إلى الصين". وأشار إلى أن آلات "إيه إس إم إل" لن تعمل دون مكوّنات أميركية، معتبراً أن لدى البيت الأبيض، السلطة لتقييد صادرات تلك الأجزاء إلى هولندا.

ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مصادر، أن ذلك ليس مطروحاً على الطاولة الآن، في البيت الأبيض.

ولفتت إلى أن الولايات المتحدة تحاول تشكيل تحالفات مع دول غربية، للعمل بشكل مشترك بشأن ضوابط التصدير. كذلك يمكن أن تكون لهذه الخطوة تداعيات تتجاوز "إيه إس إم إل"، ممّا يفاقم تأثر خطوط إمداد أشباه الموصلات، التي تتعرّض لضغوط في كل أنحاء العالم.

مزايا الآلة الهولندية

انبثقت "إيه إس إم إل" عن التكتل الهولندي "رويال فيليبس إن في"، في تسعينيات القرن الماضي، ومقرها في بلدة فيلدهوفن الريفية، قرب الحدود البلجيكية. والشركة متخصّصة في الطباعة الحجرية الضوئية، وهي عملية استخدام الضوء للطباعة على الأسطح الحساسة للضوء.

وتُعدّ الطباعة الحجرية الضوئية أساسية بالنسبة إلى صانعي الرقائق الإلكترونية، الذين يستخدمون الضوء لرسم رقعة من الخطوط على رقاقة سيليكون. ثم يحفرون تلك الخطوط، مثل نحت سكين في الخشب، ولكن باستخدام مواد كيماوية. وتصبح مربعات السيليكون المتبقية، ترانزستورات، وفق الصحيفة.

وكلما زاد عدد الترانزستورات الموجودة على قطعة من السيليكون، زادت قوة الشريحة. كما أن واحدة من أفضل الطرق لوضع مزيد من الترانزستورات في السيليكون، تكمن في رسم خطوط أرق. وهذا هو تخصّص "إيه إس إم إل"، إذ إن أجهزتها تصنع أنحف الخطوط في العالم.

وتستخدم هذه الآلة، التي يتطلّب شحنها 3 طائرات من طراز "بوينغ 747"، الليزر والمرايا لرسم خطوط بعرض 5 نانومترات. وبعد سنوات، يُرجّح أن يتقلّص هذا العرض إلى أقلّ من نانومتر. وبالمقارنة، يبلغ عرض خصلة شعر بشري 75000 نانومتر.

منافسو الشركة الهولندية، مثل "كانون" و"نيكون" اليابانيتين، لا يصنعون سوى أدوات صنع رقائق من الجيل الأقدم. واستحوذت شركات، "إنتل" و"سامسونغ" و"تي إس إم سي"، على حصص في "إيه إس إم إل"، في عام 2012، إقراراً بالدور الأساسي للتكنولوجيا في تطوير قوة الحوسبة، وفقاً لما أوردته "وول ستريت جورنال".

يتدربون على كيفية صنع وتشغيل آلة لشركة
فنيون يتدربون على كيفية صنع وتشغيل آلة لشركة "إيه إس إم إل" في تايوان - 20 أغسطس 2020 - REUTERS

4 مليارات دولار أرباح

وتتوقع الشركة الهولندية إنتاج 42 من أكثر آلاتها تقدماً هذا العام، و55 في العام المقبل. واستحوذت الصين على 17% من إجمالي مبيعات "إيه إس إم إل"، في عام 2020، لكن هذه المبيعات تشمل آلات من الجيل الأقدم. ويشير محللون إلى أن صنّاع الرقائق في الصين لا يستطيعون صنع رقائق متطورة، دون الآلات الأكثر تقدماً للشركة الهولندية، إلى أن تنجح الأدوات المصنعة محلياً في مضاهاتها.

وأبلغ فينينك محللين، بأن القيود المفروضة على البيع إلى الصين لم تمسّ الأعمال التجارية للشركة، لأن الطلب من أماكن أخرى مرتفع جداً. وسجّلت "إيه إس إم إل"، في عام 2020، مبيعات بلغت نحو 16.5 مليار دولار، وأرباحاً بنحو 4.1 مليار دولار. كما أن سعر سهمها زاد 7 مرات، خلال السنوات الخمس الماضية.

وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن تقديراً بأن بكين لن تنجح في مضاهاة تكنولوجيا الشركة الهولندية قبل 10 سنين على الأقلّ، دفع إدارة ترمب إلى الضغط على الهولنديين، من أجل فرض حظر على التصدير. وذكرت نازاك نيكاختار، التي كانت مسؤولة في وزارة التجارة الأميركية خلال عهد الرئيس الجمهوري السابق، أنها قالت لنظرائها الهولنديين: "هذا الأمر في مصلحتنا المشتركة للأمن القومي".

اقرأ أيضاً: