"ضبط الصادرات" يتصدر أجندة الجولة الثانية من المباحثات في لندن

من المعادن النادرة إلى التكنولوجيا المتقدمة.. ملفات على طاولة المفاوضات الأميركية الصينية

وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت يصافح نائب رئيس الوزراء الصيني هي ليفنج خلال اجتماع ثنائي في جنيف.  10 مايو 2025 - REUTERS
وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت يصافح نائب رئيس الوزراء الصيني هي ليفنج خلال اجتماع ثنائي في جنيف. 10 مايو 2025 - REUTERS
دبي/ لندن -الشرقرويترز

تستأنف الولايات المتحدة والصين المفاوضات التجارية في لندن، الاثنين، في محاولة لنزع فتيل التوترات بين القوتين العظميين، بشأن المعادن الأرضية النادرة، والتقنيات المتقدمة بعد اتصال هاتفي بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الصيني شي جين بينج، الأسبوع الماضي.

وفي موقع، لم يكشف عنه في لندن بعد، سيسعى الجانبان إلى إعادة اتفاق مبدئي تم التوصل إليه الشهر الماضي في جنيف إلى مساره الصحيح. وكان هذا الاتفاق قد قاد لخفض التوتر بين البلدين لفترة وجيزة وتسبب في حالة من الارتياح بين المستثمرين الذين تكبدوا العناء لأشهر بسبب سلسلة الأوامر التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لفرض رسوم جمركية منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير الماضي.

وقال متحدث باسم الحكومة البريطانية، الأحد: "ستعقد الجولة المقبلة من المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين في بريطانيا الاثنين.. إننا أمة تدعم التجارة الحرة ولطالما كنا واضحين بأن الحرب التجارية ليست في مصلحة أحد، ولذلك نرحب بهذه المحادثات".

ويشارك في المحادثات وفد أميركي يقوده وزير الخزانة سكوت بيسنت، ووزير التجارة هوارد لوتنيك والممثل التجاري الأميركي جيميسون جرير، فيما سيرأس وفد الصين نائب رئيس مجلس الدولة هي ليفنج، المكلّف بالسياسات الاقتصادية، والذي ترأس الجولة السابقة من المحادثات التي عُقدت في سويسرا، حسبما ذكرت مصادر مطلعة لصحيفة "نيويورك تايمز"، توقعت أن تستمر الاجتماعات حتى الثلاثاء.

اتصال هاتفي يخفف حدة التوتر

تأتي الجولة الثانية من المفاوضات بعد 4 أيام من مكالمة هاتفية بين الرئيسين الأميركي والصيني، في أول تواصل مباشر بينهما منذ تنصيب ترمب في 20 يناير، في مؤشر على انخفاض حدة التوتر.

وخلال الاتصال الذي استمر لأكثر من ساعة، طالب شي ترمب، بالتراجع عن الإجراءات التجارية التي ألحقت الضرر بالاقتصاد العالمي وحذره من اتخاذ خطوات تتعلق بتايوان من شأنها أن تمثل تهديداً، وفق ما صدر عن الحكومة الصينية.

لكن ترمب قال على منصات التواصل الاجتماعي إن المحادثات ركزت في المقام الأول على التجارة وأدت إلى "نتيجة إيجابية للغاية" بما يمهد الطريق لاجتماع الاثنين في لندن.

وألمح ترمب إلى أن القضايا المرتبطة بقيود الصين على المعادن الحيوية المعروفة باسم "العناصر الأرضية النادرة" والمغناطيسات المصنعة منها جرى مناقشتها، وأن المحادثات ستستمر. كما بدا أن ترمب خفف من موقف إدارته بشأن منح التأشيرات للطلاب الصينيين.

ولا يزال من غير الواضح ما هي التنازلات الإضافية التي قد تبديها واشنطن أو بكين في سبيل التوصل إلى اتفاق اقتصادي أشمل.

واعتبرت "نيويورك تايمز"، انضمام الوزير لوتنيك إلى الوفد الأميركي، بعد غيابه عن مفاوضات مايو الماضي، مؤشراً على إمكانية التوسع في مناقشة ضوابط التصدير الأميركية، التي تخضع لإشراف وزارته.

وأعربت إدارة ترمب أيضاً عن قلقها إزاء سياسات الصين النقدية، في تقرير رفعته إلى الكونجرس هذا الأسبوع.

ورغم امتناع الإدارة الأميركية عن تصنيف الصين رسمياً دولة "متلاعبة بالعملة"، إلا أن التقرير حذر من إمكانية القيام بذلك مستقبلاً إذا توافرت أدلة على قيام الصين بإضعاف عملتها.

محادثات "محفوفة بالمخاطر"

وأشارت "نيويورك تايمز"، إلى أن هذه المحادثات تأتي هذه في لحظة حرجة بالنسبة للاقتصاد العالمي، الذي تباطأ بفعل حالة عدم اليقين والاضطرابات التي طالت سلاسل التوريد. وفي أبريل الماضي، علقت الولايات المتحدة بعض الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب على عشرات الدول، بهدف إتاحة الوقت لإجراء مفاوضات تجارية.

وزادت حالة الغموض المحيطة بتلك الرسوم، إلى جانب الضرائب الباهظة على الواردات الصينية، في أواخر مايو الماضي، بعدما قضت محكمة تجارية أميركية بعدم قانونيتها. ومع ذلك، لا تزال هذه الرسوم سارية المفعول بينما تستمر إجراءات الاستئناف.

وبينما يجري الوفد الأميركي مفاوضاته في لندن، تواجه إدارة ترمب، مهلة زمنية لتقديم دفوعها أمام محكمة استئناف فيدرالية توضح فيها أسباب الإبقاء على هذه الرسوم الجمركية.

وربما تُضعف حالة الغموض القانوني التي تحيط بهذه الرسوم، موقف إدارة ترمب في سعيها للتوصل إلى اتفاق أوسع نطاقاً يضمن للشركات الأميركية وصولاً أكبر إلى السوق الصينية، ويدفع بكين إلى زيادة مشترياتها من المنتجات الأميركية، فضلاً عن جذب المزيد من الاستثمارات الصينية لبناء مصانع داخل الولايات المتحدة.

وفي الوقت نفسه، تسعى إدارة ترمب إلى جعل بعض الرسوم الجمركية دائمة، في مسعى لكبح تدفق الصادرات الصينية من السلع المصنعة.

وفي الصين، أدى الانهيار البطيء في سوق العقارات على مدار السنوات الأربع الماضية، إلى تبديد جزء كبير من مدخرات الطبقة المتوسطة، ما جعل مئات الملايين من الأسر مترددة في الإنفاق. وحاولت بكين التعويض عن ضعف الاستهلاك المحلي من خلال حملة حكومية واسعة النطاق لتمويل بناء المصانع وزيادة الصادرات.

لكن إدارة ترمب، على غرار إدارة الرئيس السابق جو بايدن، أبدت قلقاً من أن تؤدي هذه الصادرات إلى القضاء على ما تبقى من القطاع الصناعي الأميركي، الذي لا يشكل سوى نصف نظيره في الصين.

اختلال موازين التجارة

واستندت إدارة ترمب إلى اختلال موازين التجارة لتبرير فرض الرسوم على الصين وعشرات الدول الأخرى، إذ أن العديد من تلك الدول تمول عجزها التجاري مع الصين من خلال فوائض ضخمة في تجارتها مع الولايات المتحدة.

وقلبت أجندة ترمب التجارية موازين التجارة الدولية هذا العام، ودفعت حلفاء وخصوم اقتصاديين على حد سواء إلى التعجيل بالتفاوض مع واشنطن أملاً في الحصول على إعفاء من تهديدات الرسوم الجمركية.

وغالباً ما أعقب الإعلان المفاجئ بشأن فرض رسوم على أكبر الشركاء التجاريين لأميركا تراجع أو تعليق لتلك القرارات، ما أجبر الشركات على تعديل خططها بشكل عاجل وأثار قلق المستثمرين.

وكانت الجولة الأولى من المحادثات بين الصين والولايات المتحدة قد عُقدت في جنيف الشهر الماضي، وخرجت بنتائج واعدة، إذ وافق الجانبان على خفض مؤقت للرسوم التي تجاوزت 100% نتيجة التصعيد المتبادل في الحرب التجارية، كما اتفقا على عقد جولات إضافية لتخفيف حدة التوتر.

لكن "الهدنة التجارية" بدا أنها تتآكل في الأسابيع الأخيرة، إذ واصلت الصين فرض قيود صارمة على صادرات مغناطيسات المعادن النادرة، ما أدى إلى شل سلاسل التوريد العالمية.

ورداً على هذه القيود، وغيرها من الأسباب، علقت إدارة ترمب صادراتها إلى الصين من تقنيات تتعلق بمحركات الطائرات وأشباه الموصلات وبعض المواد الكيميائية والآلات، كما اقترحت خطة لإلغاء تأشيرات دخول الطلبة الصينيين المرتبطين بالحزب الشيوعي أو الدارسين في مجالات محددة.

وقد أثار هذا الجمود استياء ترمب، الذي هاجم الصين عبر مواقع التواصل الاجتماعي واتهمها بـ"انتهاك" اتفاق جنيف، وردت الصين باتهام واشنطن بأنها هي من يقوض الاتفاق.

أزمة المعادن الأرضية

وتأتي المحادثات في لندن، فيما بدأت فيه العديد من المصانع في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان تعاني من نفاد سريع لمغناطيسات العناصر الأرضية النادرة، التي تنتج الصين 90% من المعروض العالمي منها.

وفي 4 أبريل الماضي، أعلنت بكين أنها ستفرض تراخيص تصدير على سبعة معادن نادرة وعلى المغناطيسات المصنعة منها، والتي تُستخدم على نطاق واسع في السيارات والطائرات المُسيرة ومكبرات الصوت والمقاتلات والصواريخ الباليستية.

وقال كيفن هاسيت، مدير المجلس الاقتصادي الوطني في البيت الأبيض، في مقابلة مع برنامج Face the Nation على شبكة CBS، إن أحد أهداف المحادثات يتمثل في استعادة تدفق صادرات المعادن النادرة من الصين كما كان قبل بداية أبريل.

وتنتمي المعادن النادرة إلى عائلة تضم 17 عنصراً كيميائياً تقع في أسفل الجدول الدوري، وتسيطر الصين على الجزء الأكبر من عمليات معالجة السبعة التي فُرضت عليها تراخيص، إذ تنتج ما يصل إلى 99.9% من الإمدادات العالمية منها.

وتساءلت "نيويورك تايمز"، عن التنازلات التي قد تقدمها الولايات المتحدة ودول أخرى لدفع بكين إلى السماح بشحنات إضافية من العناصر الأرضية النادرة. فإلى جانب ضغوطها على واشنطن لإلغاء الرسوم التي فرضها ترمب على السلع الصينية، قالت وزارة التجارة الصينية، السبت، إنها عرضت تسريع الموافقة على صادرات العناصر الأرضية النادرة إلى أوروبا.

لكنها في المقابل، دعت الاتحاد الأوروبي إلى إلغاء الرسوم الأخيرة التي فرضها على واردات السيارات الكهربائية من الصين، كما طالبت بالسماح بزيادة مبيعات السلع التقنية المتقدمة إلى السوق الصينية.

وتحت ضغط أميركي، فرضت هولندا قيوداً على بيع معدات تصنيع أشباه الموصلات المتطورة إلى الصين، وهي تقنيات ذات استخدامات عسكرية ومدنية على السواء.

ضبط الصادرات

وفي نفس السياق، قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، إن القيود المفروضة على التصدير ستتصدر مباحثات التجارة بين الولايات المتحدة والصين، الاثنين، في وقت تتحوّل فيه الحرب التجارية بين البلدين من معركة الرسوم الجمركية إلى صراع على الموارد الحيوية والتكنولوجيا.

وتوقعت الصحيفة أن يضغط فريق ترمب على الوفد الصيني في لندن لتسريع صادرات العناصر الأرضية النادرة والمغناطيسات المصنوعة منها، بموجب اتفاق تم التوصل إليه في جنيف الشهر الماضي.

وفي المقابل، سيطالب الجانب الصيني واشنطن، برفع القيود التي فرضتها مؤخراً على بيع محركات الطائرات ومجموعة واسعة من التقنيات والسلع الأخرى إلى الصين.

اقرأ أيضاً

من جنيف إلى لندن.. خلافات تهدد المحادثات التجارية بين أميركا والصين

تستضيف لندن محادثات تجارية بين أميركا والصين الاثنين، وسط سلسلة من الخلافات التي تصاعدت مؤخراً ما يهدد "الهدنة الهشة" بشأن الرسوم الجمركي.

وأشارت "وول ستريت جورنال"، إلى تدهور مستوى الثقة بين الجانبين منذ محادثات جنيف في مايو الماضي، مع تبادل الاتهامات بشأن تقويض الاتفاق الذي جرى التوصل إليه لتجميد الرسوم المرتفعة.

ومع ذلك، حرص ترمب على تصدير لهجة متفائلة قبل مفاوضات اليوم في لندن، قائلاً، الجمعة، إن المحادثات مع بكين "متقدمة جداً".

ووصف ترمب المكالمة الهاتفية التي أجراها مع شي، الخميس، بأنها كانت "جيدة جداً"، وأكد أن "مسألة تعقيد منتجات العناصر الأرضية النادرة لم تعد محل شك".

"تفاؤل محدود" بين المستثمرين

وعلى الرغم من أن المكالمة التي جرت بين ترمب وشي الأسبوع الماضي بعثت بعض الأمل في "وول ستريت" بشأن خفض الرسوم بين الشريكين التجاريين، لكن تفاؤل المستثمرين كان "محدوداً" بحسب "بلومبرغ". 

وذكرت "بلومبرغ"، أنه على الرغم من وعوده بإعادة تشكيل العلاقات التجارية الأميركية، لم يتوصل الرئيس ترمب حتى الآن سوى إلى اتفاقية تجارية جديدة واحدة فقط مع بريطانيا.

وتنتهي المهلة التي منحها ترمب بشأن الرسوم الجمركية الأميركية على السلع الصينية في أغسطس المقبل، إلا إذا قرر تمديدها.

وفي حال عدم التوصل إلى اتفاقات، قال البيت الأبيض إن ترمب يخطط لإعادة معدلات التعريفة الجمركية إلى المستويات التي أعلن عنها لأول مرة في أبريل، أو أرقام أقل تتجاوز خط الأساس الحالي البالغ 10%.

وأكدت حالة الارتباك التي أعقبت اجتماع جنيف على التحدي المتمثل في إبرام صفقات بين الصين والولايات المتحدة.

ورجحت "بلومبرغ" أن يراهن الرئيس الصيني على أن إعادة ضبط العلاقات ستؤدي إلى مكاسب ملموسة خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، بما في ذلك تخفيض الرسوم الجمركية وتخفيف ضوابط التصدير وتخفيف حدة اللهجة المتشددة.

وفي الوقت الذي استعرض فيه شي "عضلاته" بالقيود المفروضة على العناصر الأرضية النادرة، فإن المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها الصين، والتي تتمثل في الانكماش المستمر والمخاوف بشأن البطالة، تمنحه أسباباً تدفعه إلى التوصل إلى اتفاق دائم.

تصنيفات

قصص قد تهمك